طريقة السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة: شرح مفصل للأحكام والخطوات والفضائل

السعي بين الصفا والمروة هو ركن من أركان الحج والعمرة، وعبادة عظيمة ارتبطت بسيرة أمّنا هاجر عليها السلام في سعيها بين هذين الجبلين بحثًا عن الماء لابنها إسماعيل، ليخلّد الإسلام هذا الحدث الجليل بجعل السعي شعيرة مكررة في مناسك الحج والعمرة، تعبّداً لله عز وجل وامتثالاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

في هذا المقال المطوّل سنتناول كل ما يتعلق بالسعي بين الصفا والمروة: معناه، مشروعيته، شروطه، كيفيته بالتفصيل، الأخطاء الشائعة أثناء أدائه، والفضائل المرتبطة به، مع تعريج على بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالرجال والنساء.

معنى السعي بين الصفا والمروة

السعي في اللغة هو: المشي أو الإسراع، أما في الاصطلاح الشرعي فهو التنقل سبعة أشواط بين جبلي الصفا والمروة ضمن حدود المسجد الحرام، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. والسعي عبادة بدنية يتقرب بها العبد إلى الله، وقد شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

مشروعية السعي

وردت مشروعية السعي في القرآن الكريم والسنة النبوية. قال تعالى في سورة البقرة:

﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾

[البقرة: 158]

وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه سعى بين الصفا والمروة في حجه وعمْرته، وقال: “خذوا عني مناسككم”، فالسعي من الشعائر التي لا تكتمل العمرة أو الحج إلا بأدائها.

الحكمة من مشروعية السعي

السعي بين الصفا والمروة يُجسِّد معاني التوكل والصبر والاجتهاد، ويحمل في طياته رمزية قوية لعقيدة المؤمن. فكما سعت هاجر بين الجبلين دون يأس، مؤمنة أن الله لن يضيعها، يُطالب المسلم في هذه العبادة بإحياء هذا المعنى في قلبه، وتكرار المشهد عملاً لا قولاً.

شروط صحة السعي

هناك شروط يجب توفرها حتى يكون السعي صحيحًا:

1. النية: أن ينوي السعي تعبداً وتقربًا لله تعالى.

2. الإحرام بالحج أو العمرة: فلا يصح السعي إلا بعد الإحرام.

3. الترتيب: أن يكون بعد الطواف، فلا يصح السعي قبل الطواف.

4. البدء بالصفا والانتهاء بالمروة: وهذا شرط أساسي.

5. إتمام العدد: وهو سبعة أشواط.

6. الاتصال بين الأشواط دون فاصل طويل: لا يشترط الموالاة التامة، ولكن يُشترط ألّا يفصل بين الأشواط فاصل يطيل الزمن لغير حاجة.

7. أن يكون السعي في مكانه المحدد: في المسعى الموجود بين الصفا والمروة.

أركان السعي

1. النية

2. البدء بالصفا

3. الإتمام بسبعة أشواط

4. أداء السعي بين الصفا والمروة في المسعى المشروع

خطوات السعي بالتفصيل

1. الصعود إلى جبل الصفا أو التوجه إليه
   
   يبدأ الساعي من الصفا، وعند الوصول إليه يقرأ قوله تعالى:

   ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ثم يقول: “أبدأ بما بدأ الله به”.

   ثم يقف على الصفا مستقبلاً الكعبة إن تيسّر له ذلك، ويرفع يديه ويحمد الله ويكبّره ويهلّله ثلاثًا، ويقول الدعاء المشروع:
   
   “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير…”
   
   ويدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.

2. السير من الصفا إلى المروة
   
   بعد الدعاء، ينزل من الصفا متوجهًا إلى المروة. وعند الوصول إلى العلمين الأخضرين الموجودين في المسعى، يُسرِع الرجال بينهما (الهرولة)، أما النساء فلا يُسنّ لهن الإسراع، بل يمشين مشياً معتاداً.

3. الوصول إلى المروة
   
   عند بلوغ المروة، يصعد الساعي عليها إن تيسر، ويفعل كما فعل على الصفا: يكبر، ويحمد، ويهلل، ويدعو، ثم يعود أدراجه إلى الصفا.

4. استمرار الأشواط السبعة
   
   يعد السعي بين الصفا والمروة شوطًا واحدًا، ومن المروة إلى الصفا شوطًا آخر، وهكذا حتى يُكمل سبعة أشواط، تكون البداية من الصفا والنهاية عند المروة.

الفرق بين سعي الحج وسعي العمرة

أحكام فقهية متعلقة بالسعي

أولًا: حكم السعي

السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج والعمرة عند جمهور العلماء (المالكية، الشافعية، الحنابلة). أما الحنفية فيرون أنه واجب، ويجب دم في حال تركه.

ثانيًا: حكم من نسي السعي

من نسي السعي وتذكره بعد الانتهاء من مناسكه، فإن عليه أن يرجع ويؤدي السعي إن كان ما يزال في مكة، فإن غادرها، فعليه الرجوع لأدائه إن كان ممكنًا، أو الدم إن تعذر.

ثالثًا: هل يجوز الجلوس بين الأشواط؟

نعم، يجوز الجلوس للراحة بين الأشواط إن دعت الحاجة، لكن الأفضل الوصل بينها إن أمكن.

رابعًا: حكم السعي راكبًا

يجوز السعي راكبًا لعذر كمرض أو مشقة شديدة، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى راكبًا.

الأخطاء الشائعة في السعي

1. البدء من المروة بدلاً من الصفا: وهذا يبطل السعي لأن الترتيب شرط.

2. الاعتقاد بأن الهرولة واجبة للنساء: وهو خطأ، فالنساء لا يُشرع لهن الإسراع.

3. عدم إتمام العدد: بعض الحجاج يخطئون في العد فيزيدون أو ينقصون.

4. السعي قبل الطواف: لا يصح، فلا سعي قبل طواف صحيح.

5. التهاون في الدعاء أثناء السعي: من السنّة الإكثار من الذكر والدعاء.

6. قطع السعي بغير ضرورة ثم الرجوع لإكماله بعد زمن طويل: يؤدي ذلك إلى عدم الاتصال بين الأشواط.

السعي للمرأة الحائض

المرأة الحائض لا تسعى إلا بعد الطواف، ولا يجوز لها الطواف وهي حائض، ولكن يجوز لها السعي إن كانت قد طافت في حال طُهر. أما إذا جاءها الحيض قبل الطواف، فعليها الانتظار حتى تطهر.

أحكام متعلقة بالسعي في العمارة الحديثة للحرم

بعد التوسعات الكبيرة التي شهدها المسجد الحرام، أصبح المسعى متعدداً في الطوابق، وتشمل هذه التوسعات:

• إمكانية السعي في الدور الأرضي، الأول، الثاني، السطح.

• المسعى في هذه الطوابق كلها مشروع وصحيح، ولا يلزم أن يكون على الأرض فقط.

• من المهم أن يبدأ الساعي من نقطة الصفا المحددة ويصل للمروة دون تقطع، أيًا كان الطابق.

فضائل السعي بين الصفا والمروة

• هو من شعائر الله التي ينبغي تعظيمها.

• يجسد قصة إيمانية عظيمة: قصة هاجر وسعيها وثقتها بالله.

• من السنّة الإكثار من الذكر والدعاء أثناء السعي، وهو وقت يُرجى فيه القبول.

• السعي عبادة شاقة بدنية، لكن أجرها عظيم، وقد قال النبي ﷺ:
  
  “إنما جُعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله” – رواه أبو داود.

الاستعداد النفسي للسعي

ينبغي للمسلم أن يستحضر النية والطاعة لله، وأن يستشعر عظمة هذه العبادة. السعي ليس مجرد تنقل بين مكانين، بل هو محاكاة لقصة إيمانية خالدة، وامتثال لأمر رباني يحمل في طياته معاني عظيمة: الصبر، الرجاء، الثقة بالله، والمثابرة.

المصادر والمراجع

1. ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت.

2. النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، تحقيق: نزيه حماد.