تاريخ متحف اليمن الوطني

تاريخ تأسيس متحف اليمن الوطني

يُعد متحف اليمن الوطني أحد أبرز المؤسسات الثقافية في الجمهورية اليمنية، ومن أقدم المتاحف التي ساهمت في حفظ الهوية اليمنية وترسيخ الذاكرة الوطنية للأجيال المتعاقبة. يعود تاريخ تأسيس متحف اليمن الوطني إلى عام 1971، حيث تم إنشاؤه في العاصمة صنعاء كمبادرة حكومية للحفاظ على التراث الأثري والفني اليمني الذي يمتد لآلاف السنين، منذ عصور ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث. وقد تطور المتحف عبر العقود ليصبح مرآة لتاريخ اليمن العريق، بمراحله السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية.

السياق التاريخي لتأسيس المتحف

عند الحديث عن إنشاء متحف وطني في اليمن في سبعينيات القرن العشرين، لا بد من الإشارة إلى أن ذلك جاء في إطار حركة ثقافية وعلمية أوسع شملت عددًا من الدول العربية، حيث كان العقدان السابع والثامن من القرن العشرين فترة نهوض في الوعي الوطني بأهمية التراث. وفي اليمن، كان الوضع أكثر حساسية نظرًا لما شهده البلد من تحولات سياسية وجغرافية، مثل ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشمال، وتأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب عام 1967.

ضمن هذا الإطار، جاءت فكرة إنشاء متحف وطني يعكس الهوية الحضارية لليمن، ويحفظ الآثار والمخطوطات القديمة والقطع الفنية التي تشهد على حضارات اليمن القديمة، مثل حضارة سبأ وحمير ومعين وقتبان. وقد تبنت وزارة الثقافة والإعلام في الجمهورية العربية اليمنية حينها هذه الفكرة، وتم اختيار قصر دار الشكر، وهو أحد القصور التاريخية التي بناها الأئمة الزيديون في صنعاء، ليكون مقراً للمتحف.

قصر دار الشكر: المقر الأول للمتحف الوطني

يقع قصر دار الشكر في مدينة صنعاء القديمة، ويُعد من المعالم المعمارية البارزة التي تعكس الطراز المعماري اليمني الأصيل. بني القصر في عهد الإمام يحيى حميد الدين في مطلع القرن العشرين، وكان يستخدم كمقر سكني لأحد أفراد الأسرة الحاكمة. وبعد الثورة اليمنية، تم تحويل القصر إلى مؤسسة ثقافية عامة، واختير ليكون أول مقر رسمي لمتحف اليمن الوطني عند افتتاحه عام 1971.

تميزت القاعات الداخلية للقصر بتفاصيلها المعمارية الفريدة من الزخارف الجصية والخشبية، وهو ما أضفى بعداً فنياً وجمالياً على معروضات المتحف التي شملت مجالات واسعة من التاريخ اليمني. كما تم توزيع المقتنيات داخل القصر وفق منهج علمي يعكس تطور الحضارة اليمنية عبر الزمن.

افتتاح المتحف الجديد في قصر الثقافة

مع تزايد حجم المقتنيات الأثرية وضيق المساحة في دار الشكر، ومع توسع البحث الأثري في عدد من المحافظات اليمنية خلال الثمانينيات والتسعينيات، تقرر نقل المتحف الوطني إلى مبنى جديد أكثر اتساعًا وحداثة. وقد تم ذلك في عام 1991، حيث جرى افتتاح مقر جديد للمتحف الوطني في “قصر الثقافة” وسط العاصمة صنعاء، وتم تجهيزه بقاعات عرض حديثة وأجهزة حفظ وصيانة متقدمة.

هذا الانتقال منح المتحف إمكانيات أكبر لتنظيم المعارض الدائمة والمؤقتة، إضافة إلى تخصيص مساحات لعرض نتائج الحفريات الأثرية الحديثة والمخطوطات النادرة والوثائق التاريخية. كما ساهم في توسيع الدور التعليمي للمتحف من خلال استضافة طلبة المدارس والجامعات وتنظيم الندوات العلمية.

أقسام المتحف ومحتوياته

يضم متحف اليمن الوطني آلاف القطع الأثرية والتاريخية النادرة، والتي تعود إلى مختلف العصور. وتنقسم المعروضات إلى عدة أقسام رئيسية، من أبرزها:

1. قسم ما قبل التاريخ

يشمل هذا القسم الأدوات الحجرية والعظام والحفريات التي تعود إلى العصور الحجرية، والتي تعكس نمط الحياة اليومية للإنسان الأول في الأراضي اليمنية. تم اكتشاف هذه الأدوات في مواقع متعددة مثل محافظة مأرب وشبوة وحضرموت.

2. قسم الممالك القديمة

يعرض هذا القسم آثار الممالك اليمنية القديمة مثل سبأ وقتبان وحضرموت ومعين وحمير، والتي شهدت ازدهارًا تجاريًا وثقافيًا كبيرًا قبل الإسلام. ومن أبرز المعروضات: تماثيل حجرية ونقوش مسندية وعملات ذهبية وفضية ومجسمات معمارية.

3. قسم الفترة الإسلامية

يحتوي هذا القسم على مقتنيات تعود إلى العصور الإسلامية المختلفة، مثل العصر الأموي والعباسي والرسولي والعثماني. وتشمل المعروضات مخطوطات قرآنية نادرة، وأدوات فخارية وزجاجية، ومصاحف مزخرفة، وزخارف معمارية إسلامية.

4. قسم الأسلحة التقليدية

يعرض هذا القسم مجموعة من الأسلحة التقليدية التي استخدمت في اليمن خلال القرون الماضية، مثل السيوف والخناجر اليمنية (الجنابي) والبنادق القديمة، وهي تعكس تقاليد الفروسية والدفاع عن النفس في المجتمع اليمني.

5. قسم الحرف اليدوية

يتضمن هذا القسم منتجات الحرف التقليدية مثل الفخار، والسجاد، والنحاسيات، والمجوهرات، وأدوات الزينة التي تعكس المهارة الفنية العالية للصناع اليمنيين.

6. قسم الوثائق والمخطوطات

يضم هذا القسم عدداً من الوثائق الرسمية والمخطوطات التاريخية في مختلف العلوم، من الطب والفلك إلى القانون والدين، بعضها مكتوب بخط اليد على الرق أو الورق المصنوع محليًا.

دور المتحف في حماية التراث خلال النزاعات

منذ اندلاع الصراع اليمني المسلح في عام 2015، واجه متحف اليمن الوطني تحديات جسيمة تمثلت في تعرّض بعض مقراته للضرر بسبب القصف الجوي، إضافة إلى تهريب بعض القطع الأثرية وسرقتها. غير أن المتحف لعب دورًا مهمًا في حماية ما تبقى من التراث من خلال التعاون مع منظمات دولية مثل “اليونسكو” و”التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع”.

وقد تم نقل بعض المقتنيات النادرة إلى أماكن آمنة لحفظها، كما عملت الكوادر المحلية على توثيق محتويات المتحف إلكترونيًا لتفادي ضياعها في حال تفاقمت الأوضاع. ولا تزال الجهود مستمرة لإعادة ترميم ما تضرر من مقتنيات المتحف.

المتحف الوطني كمركز للبحث والدراسات الأثرية

لم يقتصر دور المتحف على العرض فقط، بل أصبح مركزًا مهمًا للبحث العلمي والتدريب الأثري. فقد تعاون مع عدد من الجامعات المحلية والدولية لإجراء دراسات على القطع الأثرية وتاريخ الحضارات اليمنية، ونُشرت نتائج هذه الأبحاث في دوريات علمية متخصصة. كما نظّم ورش عمل ودورات تدريبية للكوادر المحلية في مجالات علم المتاحف والترميم والصيانة.

جدول يلخص أبرز المراحل الزمنية لمتحف اليمن الوطني:

أهمية المتحف على الصعيدين الوطني والدولي

يُعتبر متحف اليمن الوطني ليس فقط منارة ثقافية داخل اليمن، بل مؤسسة عالمية تسهم في إبراز التراث الإنساني المشترك. فالحضارات اليمنية القديمة ارتبطت بعلاقات تجارية وثقافية مع حضارات أخرى مثل الفرعونية واليونانية والفارسية، والآثار المعروضة في المتحف تشهد على ذلك التفاعل الحضاري.

على المستوى الوطني، يؤدي المتحف دورًا تربويًا وتعليميًا من خلال توعية الأجيال الجديدة بأهمية الحفاظ على التراث، وربطهم بتاريخ بلادهم العريق. وعلى المستوى الدولي، يسهم في الحوار الثقافي العالمي، ويؤكد على أهمية حماية التراث من الاندثار بفعل النزاعات أو الإهمال.

الخاتمة

إن متحف اليمن الوطني يشكل ذاكرةً حيةً للشعب اليمني، ومرآةً تعكس عظمة تاريخه وحضارته. تأسيسه عام 1971 لم يكن مجرد مشروع ثقافي بل كان خطوة استراتيجية لحماية الميراث الإنساني من الزوال. وعلى الرغم من التحديات السياسية والحربية، لا يزال المتحف يحتفظ بمكانته كأحد أهم المؤسسات الثقافية في اليمن والمنطقة العربية، ويواصل أداء رسالته العلمية والتوعوية. ولا شك أن استمرار دعم هذا المتحف وتطويره سيبقى ضرورة ملحّة لصون تراث اليمن العريق.

المصادر:

• الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية

• تقارير منظمة اليونسكو حول التراث الثقافي في اليمن