كيفية عمل غاز الهيليوم:
يعد غاز الهيليوم من الغازات الخفيفة والغير قابلة للاحتراق، ويعتبر ثاني أكثر العناصر انتشارًا في الكون بعد الهيدروجين. على الرغم من كونه غازًا نادرًا في الأرض، إلا أن له العديد من التطبيقات الصناعية والعلمية التي جعلت منه مادة حيوية في العديد من المجالات. في هذا المقال، سنتناول كيفية إنتاج غاز الهيليوم وأهمية هذه العملية في مجالات متعددة، بدءًا من اكتشافه وصولًا إلى الطرق الحالية لاستخراجه وتحضيره.
اكتشاف غاز الهيليوم:
تم اكتشاف غاز الهيليوم في البداية في عام 1868، وذلك عندما اكتشف علماء الفلك وجوده في الطيف الشمسي. تم التعرف على الهيليوم لأول مرة عن طريق التحليل الطيفي للضوء المنبعث من الشمس بواسطة عالم الفلك الفرنسي بيرتييه. حيث لاحظ وجود خط طيفي في الأشعة الصفراء لم يكن معروفًا في تلك الفترة، مما دفع العلماء إلى استنتاج أن هناك عنصراً جديدًا في الشمس لم يكن قد اكتشف بعد على الأرض.
وفي عام 1895، تم اكتشاف الهيليوم على الأرض من قبل الكيميائي البريطاني السير وليام رامزي الذي قام بعزل الهيليوم لأول مرة من الغاز الطبيعي، الذي كان يحتوي على نسبة ضئيلة من الهيليوم. وقد وجد أنه غاز غير قابل للاحتراق وخفيف جدًا، وهذا جعله مناسبًا للعديد من التطبيقات الصناعية والعلمية.
الخواص الكيميائية والفيزيائية للهيليوم:
يمتلك الهيليوم مجموعة من الخصائص الفريدة التي تميزه عن باقي الغازات. فهو غاز خفيف جدًا، حيث يعد العنصر الثاني الأقل كثافة بعد الهيدروجين. لا يتفاعل الهيليوم مع معظم المواد الكيميائية الأخرى، مما يجعله غازًا غير قابل للاحتراق ولا يسبب تفاعلات خطرة عند استخدامه في التطبيقات المختلفة. يتميز الهيليوم أيضًا بدرجة غليانه المنخفضة جدًا (حوالي -268.9 درجة مئوية)، مما يجعله ضروريًا في تطبيقات درجات الحرارة المنخفضة مثل التبريد السائل.
من الناحية الفيزيائية، لا يمكن للهيليوم أن يتحول إلى سائل عند الضغط الجوي العادي إلا إذا تم تبريده إلى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق. كما يتمتع الهيليوم بخاصية فريدة وهي أنه لا يتجمد حتى في درجات الحرارة المنخفضة جدًا، وهو ما يجعله عنصرًا رئيسيًا في أنظمة التبريد الفائقة الكفاءة.
عملية استخراج غاز الهيليوم:
إنتاج غاز الهيليوم يتطلب عمليات دقيقة ومعقدة، تتضمن استخراج الغاز من المصادر الطبيعية، التي تتوفر بشكل رئيسي في الغاز الطبيعي والمصادر الجيولوجية تحت سطح الأرض. يعتبر الغاز الطبيعي المصدر الأساسي للهيليوم على كوكب الأرض، حيث يحتوي بعض حقول الغاز الطبيعي على كميات صغيرة من الهيليوم. وقد يُستخلص الهيليوم من الغاز الطبيعي من خلال عملية تعرف باسم “الفصل الغازي”.
الخطوة 1: استخراج الغاز الطبيعي:
أول خطوة في استخراج الهيليوم تبدأ بالحفر في حقول الغاز الطبيعي. يتم استخراج الغاز الطبيعي من تحت سطح الأرض باستخدام تقنيات الحفر الحديثة. يحتوي الغاز الطبيعي المستخرج من باطن الأرض على خليط من الغازات بما في ذلك الميثان، والإيثان، والبروبان، بالإضافة إلى نسبة صغيرة من الهيليوم. لا يمكن استخدام الغاز الطبيعي بشكل كامل قبل فصل الهيليوم عن باقي الغازات.
الخطوة 2: فصل الهيليوم عن الغازات الأخرى:
يتم فصل الهيليوم عن الغازات الأخرى باستخدام تقنيات عدة، مثل:
-
التجزئة بالتبريد: يتم تبريد الغاز الطبيعي حتى يصل إلى درجات حرارة منخفضة جدًا، حيث تتجمد معظم الغازات الأخرى، بينما يبقى الهيليوم في حالته الغازية بسبب خصائصه الفيزيائية.
-
الامتصاص بواسطة المواد الصلبة: يتم تمرير الغاز الطبيعي عبر مواد معينة مثل الفحم المنشط أو الجزيئات التي تمتص الغازات الأخرى وتسمح للهيليوم بالمرور.
-
الفصل باستخدام الغشاء: في هذه العملية، يتم استخدام أغشية خاصة لتمرير الغازات عبرها، مما يسمح بفصل الهيليوم عن المكونات الأخرى.
الخطوة 3: التنقية:
بعد فصل الهيليوم عن الغاز الطبيعي، يتم تنقيته من الشوائب الأخرى مثل النيتروجين أو الميثان. يتطلب هذا غالبًا استخدام أساليب مثل التكرير أو الفلترة باستخدام أغشية دقيقة. يمر الهيليوم من خلال عدة مراحل من الفحص والتصفية للوصول إلى نقاء يصل إلى أكثر من 99.9%، مما يجعله مناسبًا للاستخدام في التطبيقات الدقيقة مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.
الخطوة 4: التعبئة:
بعد تنقية الهيليوم، يتم تعبئته في أسطوانات تحت ضغط عالٍ ليكون جاهزًا للاستخدام في الصناعات المختلفة. قد يتم تخزين الهيليوم في خزانات مخصصة أو توزيعها عبر أنابيب لنقل الغاز إلى الأماكن التي يحتاجها. في بعض الحالات، يتم تخزين الهيليوم في حالة سائلة باستخدام تقنيات التبريد العميق.
استخدامات غاز الهيليوم:
غاز الهيليوم له العديد من الاستخدامات المهمة التي تساهم في تطور العديد من الصناعات. فيما يلي بعض أبرز استخداماته:
-
في صناعة الطيران والفضاء: يُستخدم الهيليوم في ملء البالونات الهوائية والغازات التي يتم إطلاقها في الفضاء. كما أنه يستخدم في تقنيات التبريد التي تعتمد عليها محركات الصواريخ والأقمار الصناعية، حيث يوفر الهيليوم القدرة على التبريد السريع.
-
في الطب: يستخدم الهيليوم في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، حيث يعمل على تبريد المغناطيسات الفائقة التوصيل في هذه الأجهزة. الهيليوم أيضًا ضروري في إجراء بعض أنواع الجراحة التي تتطلب استخدام أنابيب باردة للغاية.
-
في الصناعات الإلكترونية: يُستخدم الهيليوم في صناعة أشباه الموصلات وتبريد المعدات الإلكترونية المتطورة. فهو يعمل على الحفاظ على درجة الحرارة المثلى للعديد من أجهزة الكمبيوتر والتقنيات الحديثة.
-
في تجارب الفيزياء: بسبب خصائصه الفريدة، يُستخدم الهيليوم في العديد من تجارب الفيزياء، بما في ذلك تجارب السرعة العالية والانزياح الموجي في المجالات الجزيئية.
-
في غاز النفخ: يعد الهيليوم أحد الغازات المفضلة في صناعة النفخ، مثل البالونات والمناطيد، بفضل خفته وسلامته في التعامل معها مقارنةً بغاز الهيدروجين القابل للاحتراق.
-
في صناعة الليزر: يُستخدم الهيليوم كمادة أساسية في العديد من أنواع الليزر التي تُستخدم في الصناعات الطبية والعسكرية.
-
في التطبيقات الصوتية: غالبًا ما يُستخدم الهيليوم لتغيير نبرة الصوت، حيث يؤدي استنشاقه إلى تغيير حدة الصوت، وهو أمر شائع في العروض الترفيهية.
التحديات المستقبلية في إنتاج الهيليوم:
رغم أن الهيليوم مادة حيوية في العديد من التطبيقات، إلا أن الحصول عليه يواجه تحديات كبيرة. أحد أكبر التحديات هو توفر الهيليوم في الطبيعة. تعتبر مصادر الهيليوم على الأرض محدودة، ومع استمرار استخدامه في الصناعات المختلفة، فإن الاحتياطيات التي يمكن استخراجها تبدأ في التناقص. من هنا، فإن تطوير تقنيات جديدة لاستخراج الهيليوم من مصادر أخرى أو من إعادة تدوير الهيليوم المستخدم يعد من الأولويات التي تتبناها العديد من الدول والشركات في الوقت الحالي.
خاتمة:
غاز الهيليوم هو عنصر فريد ذو خصائص استثنائية تجعله أساسيًا في العديد من التطبيقات في حياتنا اليومية، من الطب إلى الفضاء. وعلى الرغم من أنه لا يشكل تهديدًا بيئيًا كما يفعل بعض الغازات الأخرى، فإن استدامته تتطلب إدارة دقيقة للموارد وتقنيات متطورة لضمان استمرارية إنتاجه بشكل مستدام.
