الفرق بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي
الدافع هو ذلك المحرك الخفي الذي يقود الأفراد نحو تحقيق أهدافهم وتطوير أنفسهم في مختلف جوانب الحياة. يمكن أن يكون الدافع داخليًا، ينبع من داخل الشخص نفسه، أو خارجيًا، يأتي من محيطه الاجتماعي والبيئي. في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل الفرق بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي، مع توضيح تأثير كل منهما على الأفراد، وسبل استخدامهما في الحياة اليومية لتحقيق النجاح والتقدم.
1. تعريف الدافع الداخلي
الدافع الداخلي هو ذلك النوع من الدوافع الذي ينبع من داخل الشخص ذاته. يرتبط هذا النوع من الدوافع بالشغف، الرغبة الشخصية، والقيم الداخلية التي تحفز الفرد للقيام بنشاط معين أو متابعة هدف ما. يتمثل الدافع الداخلي في الاستمتاع الفعلي بالعملية نفسها، وليس فقط في المكافآت أو النتائج التي تترتب عليها.
الأفراد الذين يتحفزوا من الدوافع الداخلية يميلون إلى القيام بالأشياء لأنهم يجدونها ممتعة أو مجزية من الناحية الشخصية، وليس لأنهم ينتظرون مكافآت مادية أو اجتماعية. على سبيل المثال، قد يدرس الطالب مادة معينة لأنه يحبها ويشعر بالشغف تجاهها، وليس فقط لأنه يرغب في الحصول على درجات عالية أو الجوائز.
2. تعريف الدافع الخارجي
الدافع الخارجي، من ناحية أخرى، هو الدافع الذي يأتي من محيط الشخص أو من عوامل خارجية مثل المكافآت المادية أو الاجتماعية. يتأثر الأفراد الذين يتحفزون من الدوافع الخارجية بالنتائج التي ستحصل عليها من جراء القيام بالأنشطة. يمكن أن تكون هذه المكافآت عبارة عن أموال، جوائز، أو حتى تقدير اجتماعي مثل الاعتراف العام أو الشهرة.
على سبيل المثال، يمكن أن يعمل الموظف بجد لأنه يريد الحصول على ترقية أو مكافأة مالية، أو قد يتعلم شخص مهارة معينة لأنه يريد أن يكتسب لقبًا اجتماعيًا أو يكون عضوًا في مجموعة معينة.
3. الفرق الرئيس بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي
الفرق الأساسي بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي يكمن في مصدر التحفيز. الدافع الداخلي يأتي من داخل الشخص، من رغباته واهتماماته الخاصة، بينما الدافع الخارجي يأتي من مصادر خارجية مثل المكافآت أو العواقب المتوقعة.
إضافة إلى ذلك، الأشخاص الذين يعتمدون بشكل أساسي على الدوافع الداخلية يميلون إلى أن يكونوا أكثر استمرارية وتحقيقًا للإنجازات المستدامة، لأنهم يرتبطون بالأهداف بشكل عميق وأصيل. بينما الأشخاص الذين يعتمدون على الدوافع الخارجية قد يحققون نتائج رائعة في الأجل القصير، لكنهم قد يفقدون الحافز في غياب المكافآت أو التحفيزات الاجتماعية.
4. مزايا الدافع الداخلي
-
استدامة الحافز: بما أن الدافع الداخلي ينبع من رغبات الشخص العميقة، فهو غالبًا ما يكون أكثر استدامة على المدى الطويل مقارنة بالدافع الخارجي. على سبيل المثال، قد يستمر شخص يحب الرسم في ممارسته لفترة طويلة حتى في غياب المكافآت الخارجية.
-
زيادة الشعور بالإنجاز الشخصي: الأشخاص الذين يتحفزون من دوافع داخلية يشعرون غالبًا بإنجاز أكبر عند إتمام مهمة أو الوصول إلى هدف، لأنهم يربطون النجاح بالشعور الشخصي بالمتعة أو التطور الذاتي.
-
تحقيق الرضا الشخصي: نظرًا لأن الدافع الداخلي مرتبط بالاهتمامات الشخصية، فإن الأفراد الذين يحفزهم هذا النوع من الدوافع يشعرون برضا داخلي من أداء الأنشطة، مما يساهم في تحسين الصحة النفسية والرفاهية العامة.
-
التطوير الشخصي المستمر: الدافع الداخلي يشجع الأفراد على التعلم والتطور المستمر، لأنه يرتبط بالاهتمام الفعلي بمسألة أو مجال معين. يمكن للأفراد الذين يتحفزون داخليًا أن يصبحوا خبراء في مجالهم بسبب حبهم لهذا المجال.
5. مزايا الدافع الخارجي
-
تحفيز سريع وملموس: في حالات معينة، يمكن أن يكون الدافع الخارجي فعالًا جدًا في تحفيز الأفراد للقيام بمهام سريعة أو لتحقيق أهداف معينة في وقت قصير. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد المكافأة المالية في تحفيز شخص للقيام بمهمة محددة بشكل فعال.
-
إمكانية مراقبة الأداء بشكل مباشر: الدافع الخارجي غالبًا ما يكون مرتبطًا بمكافآت واضحة، مما يجعل من السهل قياس الأداء وتحديد النجاح من خلال النتائج الملموسة.
-
تعزيز الالتزام في بيئات العمل: في بيئات العمل أو المجالات التي تتطلب الإنجازات الجماعية، يمكن أن يكون الدافع الخارجي فعالًا في تحفيز الأفراد لتحقيق أهداف معينة تحت ضغط أو في بيئات تنافسية.
-
إحداث تغييرات سريعة في السلوك: عند الحاجة إلى تغيير سلوك أو تحسين أداء معين بسرعة، يمكن أن يكون الدافع الخارجي أداة قوية لتحقيق هذه التغييرات بسرعة نسبية.
6. الفرق في تأثير الدافع الداخلي والخارجي على الأداء
لقد أظهرت الدراسات أن الدافع الداخلي يميل إلى تحسين الأداء بشكل أكبر على المدى الطويل، بينما الدافع الخارجي قد يؤدي إلى تحفيز مؤقت فقط. على سبيل المثال، في دراسة مشهورة قام بها الباحثان Deci و Ryan في السبعينات حول نظرية الدافع الذاتي، تم التوصل إلى أن الأفراد الذين يتلقون مكافآت خارجية لأداء مهام معينة قد يظهرون تراجعًا في دوافعهم الداخلية تجاه تلك المهام بمجرد إزالة المكافآت الخارجية.
بالتالي، يمكن أن تكون المكافآت الخارجية فعالة في تحفيز الأفراد للقيام بمهمة قصيرة المدى أو للوصول إلى هدف معين، لكنها قد تؤدي إلى تراجع الحافز الذاتي على المدى الطويل. وهذا يشير إلى أهمية توازن الدوافع الداخلية والخارجية في تحقيق أقصى قدر من الأداء.
7. كيف يمكن موازنة الدافع الداخلي والدافع الخارجي؟
العديد من الخبراء يوصون بالجمع بين الدوافع الداخلية والخارجية في الحياة الشخصية والمهنية لتحقيق التوازن المثالي. على سبيل المثال، يمكن استخدام الدافع الخارجي (مثل المكافآت) لتحفيز الأفراد في البداية، بينما يمكن تعزيز هذا الدافع بمكافآت داخلية مثل شعور بالإنجاز أو فخر بالنجاح.
من الجدير بالذكر أن بيئات العمل التي تركز على التقدير والاحترام للأفراد، بالإضافة إلى المكافآت المادية، تساعد على تحفيز الأفراد بشكل أفضل من تلك التي تعتمد فقط على المكافآت الخارجية. الأفراد الذين يشعرون بالتقدير ويعملون في بيئات تحفزهم داخليًا من المرجح أن يكونوا أكثر التزامًا واستمرارية في عملهم.
8. التطبيقات العملية في الحياة اليومية
-
التعليم: في المجال التعليمي، يمكن تحفيز الطلاب باستخدام كلا النوعين من الدوافع. يمكن أن تُستخدم المكافآت الخارجية مثل الجوائز والدرجات المرتفعة لتحفيزهم في البداية، بينما يتم تعزيز هذا الحافز من خلال تعزيز حب التعلم والمعرفة.
-
العمل: في مكان العمل، يمكن للمديرين تحفيز الموظفين باستخدام المكافآت المالية أو الترقيات، وفي الوقت نفسه، يمكنهم تعزيز الدافع الداخلي من خلال توفير بيئة عمل تشجع على التطور الشخصي والشعور بالإنجاز.
-
العلاقات الشخصية: في العلاقات الاجتماعية والعاطفية، يعتبر الدافع الداخلي أساسيًا لبناء علاقة صحية، حيث تكون المحبة والتقدير المتبادل هما المحركان الرئيسيان، بينما يمكن أن تعمل المكافآت الخارجية على تعزيز العلاقات الاجتماعية عندما تكون متوازنة.
9. الخلاصة
الدافع الداخلي والدافع الخارجي هما عاملان مهمان في حياة الأفراد، ولكل منهما دور فريد في تحفيز الناس نحو تحقيق أهدافهم. في حين أن الدافع الداخلي يمكن أن يوفر استدامة ورضا شخصي على المدى الطويل، يمكن أن يكون للدافع الخارجي تأثير سريع ومؤثر في تحفيز الأفراد لتحقيق نتائج ملموسة في وقت قصير. الجمع بين هذين النوعين من الدوافع بشكل متوازن يمكن أن يساعد في تحسين الأداء وتحقيق النجاح الشخصي والمهني على حد سواء.
