كيفية مساعدة الشخص المهموم

يُعد الحزن والهم من المشاعر الإنسانية العميقة التي تمر بكل فرد في مرحلة من مراحل حياته، ولا يمكن إنكار أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحتاج إلى من يقف إلى جانبه في لحظات ضعفه وانكساره. مساعدة الشخص المهموم ليست مجرد لفتة عابرة، بل هي مسؤولية إنسانية تتطلب فهماً عميقاً لنفسية الآخر، وصبراً وتعاطفاً يلامسان جوهر المعاناة التي يعيشها. ولا تقتصر المساعدة على تقديم الحلول العملية، بل تتعداها إلى بناء بيئة من الأمان العاطفي والدعم النفسي المستمر الذي يساعد الشخص على تخطي أزمته بسلام.

فهم طبيعة الهم وأسبابه

الخطوة الأولى لمساعدة الشخص المهموم تكمن في إدراك طبيعة الهم الذي يمر به. الهموم تتعدد وتتنوع ما بين مشاكل مالية، صراعات أسرية، ضغوط نفسية، مشاعر فقدان أو خيبات أمل. كل نوع من هذه الهموم يتطلب تفهماً خاصاً، فالشخص المهموم بأمر مالي ليس كمن يئن تحت وطأة صدمة عاطفية. لذلك من الضروري عدم التسرع في تقديم النصائح أو التقليل من حجم المشكلة التي يمر بها الشخص، بل ينبغي الاستماع بتأنٍ والتعاطي مع الأمر بما يناسب خصوصيته.

الإصغاء الفعّال كأداة للراحة النفسية

الاستماع هو حجر الأساس في تخفيف الهم عن الآخرين. الإصغاء الفعّال يتطلب الانتباه التام وعدم المقاطعة، مع إظهار التعاطف من خلال تعبيرات الوجه ولغة الجسد. يجب أن يشعر الشخص المهموم أن هناك من يقدره ويهتم بما يقول. الشعور بأن شخصاً ما يستمع إليه بصدق قد يكون بحد ذاته بداية الطريق نحو تخفيف العبء النفسي.

الإصغاء ليس مجرد سماع الكلمات بل هو مشاركة وجدانية تتطلب الحضور الذهني الكامل، والتفاعل مع المشاعر التي يعبر عنها الشخص المهموم، سواء بالتأييد اللفظي أو من خلال تعبيرات صامتة تنم عن تعاطف حقيقي.

أهمية التواجد الجسدي والمعنوي

الوجود بجانب الشخص المهموم له أثر بالغ في التخفيف من معاناته. فالتواجد لا يعني فقط الحضور الجسدي بل يشمل الدعم المعنوي المستمر. يتجلى هذا الدعم في تخصيص الوقت له، ومرافقته في بعض الأنشطة اليومية أو الترفيهية التي قد تخرجه من دائرة الهم وتمنحه شعوراً مؤقتاً بالراحة.

في العديد من الحالات، يكفي أن يشعر الشخص المهموم أن هناك من يهتم به بصدق ليبدأ تدريجياً في تجاوز ألمه. الدعم المعنوي يمكن أن يتخذ أشكالاً متعددة مثل إرسال رسائل مشجعة، مشاركة بعض الذكريات الجميلة، أو تقديم هدايا رمزية تترك أثراً طيباً في النفس.

تقديم كلمات الدعم الإيجابي

الكلمة الطيبة لها تأثير عميق في النفس البشرية، وقد تكون السبب في إنقاذ شخص من دائرة الحزن المستمر. يجب الحرص على اختيار العبارات التي تبث الأمل وتشجع الشخص على رؤية الجانب الإيجابي في حياته. إن تحفيز الشخص على التمسك بالثقة بنفسه وبقدرته على تجاوز المحن يعتبر خطوة ضرورية في عملية المساندة النفسية.

من المهم أيضاً الابتعاد عن العبارات السلبية أو التي توحي باللوم أو التقليل من شأن المشكلة التي يعاني منها الشخص. كلمات مثل “لا تبالغ”، أو “الأمر بسيط” قد تزيد من شعور الشخص بالوحدة أو بعدم الفهم.

مساعدته على ترتيب أفكاره ومشاعره

عندما يعاني الشخص من همّ كبير، غالباً ما تختلط أفكاره وتتشابك مشاعره بطريقة تجعله عاجزاً عن التوصل إلى حلول واضحة. يمكن أن تكون المساعدة من خلال الجلوس معه ومحاولة تحليل الموقف بهدوء، وتصنيف الأمور بين ما يمكن تغييره وما لا يمكن التحكم فيه. هذا التمرين يساعد الشخص على تقليل الإحساس بالعجز ويدفعه إلى التركيز على ما هو في متناوله.

يساعد ترتيب الأولويات ووضع خطط صغيرة قابلة للتنفيذ في إعادة الشعور بالسيطرة على مجريات الأمور. كما يمكن تقديم الدعم في تنفيذ هذه الخطط أو متابعته خطوة بخطوة لضمان استمراره في تجاوز الأزمة.

تشجيعه على ممارسة الأنشطة المفيدة

الانخراط في أنشطة يومية مفيدة يسهم بشكل كبير في تخفيف الشعور بالهم. يمكن تشجيع الشخص المهموم على ممارسة الرياضة، القراءة، التطوع في الأعمال الخيرية، أو حتى القيام بجولات قصيرة في الطبيعة. هذه الأنشطة تساعد على تجديد الطاقة النفسية وتحفيز إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين والدوبامين.

عندما يندمج الشخص في نشاط يحبه يشعر تدريجياً بتحسن في مزاجه، وتخف حدة التركيز على المشكلة التي كانت تشغله بالكامل. كما أن ممارسة الرياضة بانتظام تحسن من جودة النوم، وتقلل من مستويات التوتر.

مساعدته على بناء شبكة دعم اجتماعية

الشخص المهموم قد يميل إلى الانعزال، مما يزيد من عمق معاناته النفسية. من المفيد مساعدته على بناء أو استعادة علاقاته الاجتماعية مع أشخاص يمكنهم تقديم الدعم النفسي والمعنوي. العلاقات الاجتماعية الصحية تساهم في تخفيف الهموم عبر المشاركة والتواصل المستمر.

يمكن تشجيعه على الانضمام إلى مجموعات أو أنشطة مجتمعية تسمح له بالاحتكاك بأشخاص إيجابيين يمتلكون تجارب مماثلة، مما يمنحه شعوراً بأنه ليس وحده في معركته مع الهموم.

توجيهه للحصول على المساعدة المتخصصة عند الحاجة

بعض الهموم تتجاوز قدرة الأصدقاء والعائلة على معالجتها، وتحتاج إلى تدخل متخصص من معالج نفسي أو مستشار اجتماعي. من الضروري التعرف على العلامات التي تشير إلى تفاقم الحالة النفسية مثل الاكتئاب العميق، فقدان الرغبة في الحياة، أو التفكير في إيذاء الذات. في هذه الحالات يجب تشجيع الشخص على التوجه إلى مختص يمكنه تقديم الدعم المهني المناسب.

زيارة الطبيب النفسي ليست دليلاً على الضعف كما يعتقد البعض، بل هي خطوة شجاعة نحو التعافي واستعادة التوازن النفسي. الدعم في هذه المرحلة يتجسد في مرافقة الشخص أو مساعدته في البحث عن مختصين موثوقين.

تبني أسلوب حياة صحي مشترك

تبني عادات صحية مثل التغذية السليمة والنوم الكافي يساهم في تحسين الصحة النفسية. يمكن تحفيز الشخص المهموم على اتباع نمط حياة صحي من خلال مشاركته في إعداد وجبات صحية، أو تحديد أوقات للنوم والاستيقاظ بشكل منتظم.

كما أن تقليل تناول المنبهات مثل الكافيين، والابتعاد عن التدخين والكحول له تأثير إيجابي على توازن المزاج والقدرة على التعامل مع الضغوط النفسية بشكل أفضل.

احترام خصوصية الشخص المهموم

أحد أبرز الجوانب الأخلاقية في التعامل مع شخص مهموم هو احترام خصوصيته وعدم إفشاء تفاصيل ما يبوح به. يجب التعامل مع كل ما يقوله بسرية تامة وعدم مشاركته مع الآخرين دون إذنه، لأن الثقة عنصر محوري في العلاقة الداعمة.

فقدان الشخص المهموم للثقة بمن حوله قد يدفعه إلى الانغلاق أكثر على نفسه ويمنعه من طلب المساعدة لاحقاً. الحفاظ على الخصوصية يعزز الشعور بالأمان ويقوي العلاقة بين الطرفين.

تنمية مهارات الصبر والتفهم

الطريق إلى مساعدة الشخص المهموم يتطلب صبراً كبيراً. ليس من المتوقع أن يتغير مزاجه أو يتحسن وضعه في وقت قصير. أحياناً، قد يعود الشخص إلى دائرة الحزن بعد فترة من التحسن، وهنا تظهر أهمية الثبات والاستمرار في تقديم الدعم دون ملل أو تأفف.

التفهم العميق لمشاعر الشخص يقتضي الامتناع عن الأحكام السريعة أو التقييمات القاسية. يجب ترك مساحة كافية له للتعبير عن ذاته بحرية دون أن يشعر بالخوف من التعرض للنقد أو اللوم.

توفير بيئة آمنة وداعمة

البيئة التي تحيط بالشخص المهموم تؤثر بشكل كبير على سرعة تعافيه. من المفيد العمل على خلق جو من الراحة في المنزل أو مكان العمل بحيث يشعر الشخص بالطمأنينة والدعم النفسي. يمكن تهيئة بيئة هادئة من خلال تخفيف الضوضاء، توفير جلسات مريحة، وتعزيز أجواء الهدوء النفسي من خلال النباتات الطبيعية أو الموسيقى الهادئة.

كل هذه العوامل تساهم في منح الشخص المهموم شعوراً بالراحة وتساعده في تجاوز أزمته بشكل أسرع.

تزويده بكتب وموارد مفيدة

المطالعة يمكن أن تكون وسيلة فعالة للخروج من دائرة التفكير السلبي. اختيار كتب تحفيزية أو سير ذاتية لأشخاص تغلبوا على مصاعب حياتية قد يمنح الشخص المهموم دفعة إيجابية لتغيير رؤيته تجاه مشاكله.

يمكن أيضاً تزويده بمقالات علمية أو محاضرات مصورة تتناول مواضيع في التنمية الذاتية أو طرق التعامل مع التوتر والقلق، مما يساعده على تطوير أدوات داخلية للتغلب على ما يمر به.

أهمية الوقت والتدرج في الدعم

الشفاء النفسي عملية تحتاج إلى وقت ولا تتحقق بين ليلة وضحاها. من المهم إدراك أن الشخص المهموم قد يتقدم خطوة ويتراجع أخرى، وأن التحسن قد يكون بطيئاً لكنه يتحقق مع استمرار الدعم. تقديم الدعم على فترات طويلة ومتتابعة يثبت للشخص أن هناك من يهتم به بالفعل وليس لمجرد فترة مؤقتة.

المرونة في التعامل مع مراحل الحزن المختلفة تساهم في خلق بيئة تعافي صحية تمنح الشخص الفرصة لاستعادة توازنه الداخلي وفق إيقاعه الشخصي.

الجدول التالي يوضح استراتيجيات الدعم المناسبة لمختلف أنواع الهموم

مساعدة الشخص المهموم تتطلب حضوراً إنسانياً صادقاً يتخطى مجرد النصائح النظرية ليصل إلى دعم عملي ملموس، يتجلى في الاستماع، التواجد، التحفيز، والحرص على بناء بيئة آمنة تعينه على تجاوز محنته. هذا الدعم ينبغي أن يكون مستمراً وغير مشروط بالزمن أو بالنتائج السريعة، فالمساندة الحقيقية تتطلب صبراً ومحبة خالصة.

المصادر

• الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)

• كتاب “الذكاء العاطفي” لدانيال جولمان