الأمور الواجب مراعاتها مع الأطفال لإطاعة الأوامر

إن التعامل مع الأطفال يتطلب قدرة كبيرة على الفهم والصبر، حيث أن إطاعة الأوامر ليست مجرد مسألة توجيه وتحقيق تنفيذ، بل هي عملية معقدة تتداخل فيها الجوانب النفسية والعاطفية والتعليمية والتربوية. إن النجاح في جعل الطفل يطيع الأوامر ينبع من فهم عميق لطبيعة الطفل النفسية، قدراته الإدراكية، ومراحل نموه المختلفة، بالإضافة إلى استخدام أساليب تربوية مناسبة تراعي الفروق الفردية بين الأطفال.

في هذا المقال سوف نستعرض بالتفصيل أهم الأمور التي يجب مراعاتها عند توجيه الأوامر للأطفال، والتي تضمن تجاوبهم الإيجابي مع التوجيهات، وتحقيق الانضباط الذاتي لديهم بشكل فعال، بالإضافة إلى بناء علاقة ثقة ومحبة بين الوالدين أو المعلمين والأطفال.

1. فهم طبيعة نمو الطفل وقدراته العقلية

الطفل في مراحل نموه المختلفة يمتلك قدرات عقلية ونفسية متغيرة، وهذه القدرات تحدد مدى استيعابه للأوامر ونجاحه في تنفيذها. فالطفل في عمر السنة الثانية مثلاً لا يستطيع فهم تعليمات معقدة أو طويلة، بل يحتاج إلى أوامر واضحة وبسيطة تتناسب مع مستوى نموه.

يجب مراعاة أن قدرة الطفل على التركيز والاستيعاب تزيد تدريجياً مع تقدمه في العمر، ومن ثم يمكن زيادة تعقيد وتفصيل الأوامر بحسب عمره. وفي هذا الصدد، فإن صياغة الأوامر يجب أن تكون بسيطة وواضحة، ويفضل أن تكون قصيرة ومحددة.

2. استخدام لغة مناسبة وواضحة

يعد استخدام لغة تناسب عمر الطفل من أهم عوامل نجاح تنفيذ الأوامر. فاللغة المبسطة والمباشرة تساعد الطفل على فهم المطلوب دون لبس أو غموض. لذلك، يُنصح بالابتعاد عن العبارات المعقدة أو الجمل الطويلة التي قد تشتت انتباه الطفل.

على سبيل المثال، بدلاً من القول: “من فضلك حاول ترتيب ألعابك قبل أن نخرج”، يمكن القول: “رتب ألعابك الآن”. هذه الطريقة تجعل الطفل يدرك الأوامر بسهولة ويستطيع تطبيقها بشكل أسرع.

3. الابتعاد عن التكرار والإلحاح المفرط

غالباً ما يميل بعض الكبار إلى تكرار الأوامر بشكل مستمر أو الإلحاح عليها، ظناً منهم أن ذلك سيحفز الطفل على التنفيذ. لكن في الحقيقة، فإن التكرار المفرط قد يؤدي إلى مقاومة الطفل، أو تجاهل الأمر، بل أحياناً يخلق شعوراً بالضيق والملل لديه.

من الأفضل توجيه الأمر مرة واحدة بوضوح، ثم منح الطفل فرصة للتنفيذ، مع توفير الدعم والتشجيع اللازمين. وفي حال لم يتم التنفيذ، يمكن استخدام أسلوب التذكير بلطف أو التوضيح حول أهمية تنفيذ الأمر.

4. الحفاظ على هدوء النفس وعدم الانفعال

التعامل مع الأطفال يتطلب ضبط النفس وهدوء الأعصاب، خاصة عند توجيه الأوامر. الانفعال والغضب قد يثير ردود فعل سلبية من الطفل، مثل التمرد أو الصراخ أو البكاء. لذا، من الضروري أن يبقى الكبار هادئين عند طلب تنفيذ الأمر، فذلك يعكس ثقة الطفل ويشعره بالأمان، مما يزيد من احتمالية طاعته.

الهدوء في توجيه الأوامر يبعث رسالة للطفل أن الأمر مهم ولا يحتاج إلى رد فعل عنيف، بل إلى تعاون وفهم.

5. توضيح سبب الأمر أو الهدف منه

الطفل يملك فضولاً طبيعياً، ويرغب في معرفة السبب وراء كل ما يطلب منه. لذا، عند توجيه أمر، من المفيد شرح سبب هذا الأمر بشكل مبسط. فمثلاً عند الطلب منه تنظيف غرفته، يمكن توضيح أن النظافة تساعد في الحفاظ على صحته وراحة أسرته.

فهم الطفل للهدف من الأمر يجعله يشعر بالمشاركة ويزيد من دافعيته لتنفيذه، بدلاً من جعله يشعر بأنه مجرد أمر فرض عليه بلا معنى.

6. استخدام المكافآت والتشجيع الإيجابي

المكافآت لا تعني بالضرورة الهدايا المادية، بل قد تكون كلمات تشجيع، عناق، ابتسامة، أو منح الطفل المزيد من الحرية في فعل ما يحب. هذه الطريقة تعزز العلاقة الإيجابية بين الطفل والكبار، وتحفز الطفل على الطاعة.

يجب أن تكون المكافآت متناسبة مع الجهد المبذول، ويفضل أن تكون فورية أو قريبة زمنياً من تنفيذ الأمر، حتى يشعر الطفل بالارتباط بين طاعته والنتيجة الإيجابية.

7. وضع قواعد واضحة ومتسقة

من الأمور الضرورية التي تعزز من طاعة الطفل للأوامر هي وجود قواعد واضحة ومتسقة في البيت أو المدرسة. القواعد يجب أن تكون معروفة للطفل مسبقاً، وأن يتم تطبيقها بشكل ثابت دون تفاوت أو استثناءات متكررة.

الاستمرارية في تطبيق القواعد تجعل الطفل يشعر بالأمان والوضوح، ولا يحدث لديه ارتباك أو تناقض بين ما يقال له وبين ما يُطبق فعلاً.

8. الاستماع للطفل واحترام مشاعره

من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الكبار هي فرض الأوامر دون إبداء أي اهتمام لمشاعر الطفل أو رغبته. إن الاستماع للطفل يعزز شعوره بالقيمة والاحترام، ويزيد من رغبته في التعاون.

يمكن السماح للطفل بالتعبير عن رأيه أو أسباب رفضه للأمر، مع محاولة التفاهم وتقديم البدائل إن أمكن. هذه الطريقة تقوي العلاقة وتزيد من قدرة الطفل على الطاعة الطوعية، بعيداً عن الإكراه.

9. التدرج في الأوامر وعدم المطالبة بتنفيذ كل شيء دفعة واحدة

الطفل يحتاج إلى وقت للتكيف مع الأوامر الجديدة، خاصة إذا كانت كثيرة أو معقدة. لذلك، من الأفضل تقديم الأوامر بشكل تدريجي، بحيث تبدأ بالأوامر السهلة والبسيطة، ثم تتدرج إلى الأوامر الأصعب.

هذا التدرج يساعد الطفل على بناء الثقة في نفسه، وفهم أهمية النظام والانضباط، ويقلل من احتمال شعوره بالضغط أو الفشل.

10. التزام الكبار بالمثال الحي

الأطفال يتعلمون كثيراً من خلال الملاحظة والتقليد. لذلك فإن الكبار يجب أن يكونوا نموذجاً يحتذى به في الالتزام بالقواعد والطاعة. عندما يرى الطفل أن والديه أو معلميه يطيعون القواعد ويؤدون واجباتهم، يزداد احتمال تقليده لهم.

عدم الالتزام من الكبار يبعث رسالة متناقضة للطفل، مما يؤدي إلى تقليل احترامه للأوامر التي تُطلب منه.

تأثير البيئة المحيطة على طاعة الطفل للأوامر

البيئة التي يعيش فيها الطفل تلعب دوراً أساسياً في تعزيز أو تقليل قدرة الطفل على الاستجابة للأوامر. بيئة هادئة، منظمة، ومشجعة تساعد الطفل على الشعور بالأمان والاستقرار النفسي، وهما عاملان مهمان لتعزيز الطاعة.

على العكس، البيئات المضطربة، التي تفتقر إلى الثبات أو الحنان، قد تؤدي إلى مشكلات سلوكية، مقاومة للأوامر، وضعف في القدرة على التركيز والتعاون.

كما أن التواصل الفعّال بين أفراد الأسرة، وتعزيز القيم المشتركة، يوفر بيئة داعمة تساعد في تكوين شخصية الطفل بشكل سليم.

دور الفهم النفسي في زيادة طاعة الأطفال

الدراسات النفسية تشير إلى أن فهم دوافع الطفل، ومشاعره، واحتياجاته، يمكن أن يغير الطريقة التي نتعامل بها معه. الطفل الذي يشعر بأنه مفهوم ويحظى بالاهتمام يكون أكثر استعداداً للاستماع والطاعة.

كما أن بناء علاقة ثقة ومحبة بين الطفل والكبار تجعله يشعر بالأمان النفسي، الأمر الذي يعزز قدرته على التحكم في نفسه والالتزام بالقواعد.

التعامل مع مقاومة الطفل للأوامر

في بعض الحالات، قد يقاوم الطفل الأوامر لأسباب متعددة مثل التعب، الجوع، الرغبة في الاستقلال، أو حتى مشاكل نفسية. من الضروري في هذه الحالات التعامل بحكمة، بمعنى:

• التحقق من حالة الطفل الصحية والنفسية.

• توفير بيئة مريحة ومحفزة.

• تقديم الدعم العاطفي والنفسي.

• استخدام أساليب تعديل السلوك الإيجابي بدلاً من العقاب.

الجدول التالي يوضح أهم النصائح الأساسية مع توضيح السبب والأثر المتوقع:

الخلاصة

التعامل مع الأطفال لإطاعتهم للأوامر ليس مجرد إصدار تعليمات بل هو فن يتطلب فهمًا دقيقًا وشاملاً لاحتياجات الطفل النفسية والعقلية، بالإضافة إلى أساليب تواصل فعالة تحترم طبيعة الطفل وتراعي مراحل نموه. من خلال استخدام لغة واضحة، الهدوء في التوجيه، توضيح الأهداف، التشجيع المستمر، والاحترام المتبادل، يمكن بناء علاقة صحية تؤدي إلى تعاون طوعي ومنضبط.

النجاح في هذا المجال يعود إلى تكامل عوامل عدة منها البيئة الداعمة، التدرج في الأوامر، والصبر، مع ضرورة أن يكون الكبار نموذجاً حياً للسلوك الذي يريدونه لدى الطفل.

المصادر والمراجع

• الدليل النفسي لتربية الأطفال، تأليف د. إبراهيم الفقي.

• علم نفس الطفل ونموه، تأليف جين بيرجمان.