10 طرق لتجعل نفسك تعيساً

تختلف الحياة في تفاصيلها الدقيقة التي تشكل شعور الإنسان بالسعادة أو التعاسة. على الرغم من أن الناس عادةً يسعون إلى تحقيق السعادة والراحة النفسية، فإن هناك سلوكيات وممارسات يمكن أن تؤدي إلى خلق حالة مستمرة من التعاسة، سواء كان ذلك عن وعي أو بدون وعي. في هذا المقال نستعرض عشر طرق واضحة تساهم في جعل الإنسان يعيش حالة من التعاسة المتواصلة، مع تحليل علمي وسلوكي لهذه الطرق، ودراسة أثرها النفسي والاجتماعي.

1. الانشغال المستمر بالتفكير السلبي

يعتبر التفكير السلبي أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى التعاسة. عندما يركز الإنسان على جوانب الحياة السلبية فقط، مثل الأخطاء الماضية أو الفشل المحتمل أو الانتقادات المستمرة، فإنه يعزز من شعوره بالإحباط واليأس. التفكير السلبي المستمر يولد حالة من التوتر والضغط النفسي، كما أنه يعوق قدرة العقل على إيجاد حلول أو رؤى إيجابية للمستقبل.

الدراسات النفسية تشير إلى أن الانغماس في الأفكار السلبية يحفز منطقة في الدماغ تعرف بـ”اللوزة الدماغية” والتي ترتبط بالعواطف السلبية، مما يجعل الشخص يعيش حالة من القلق والاكتئاب. الاستمرار في التفكير السلبي يؤدي إلى اختلال في التوازن الكيميائي للدماغ، خاصة انخفاض مستويات السيروتونين والدوبامين، وهما من المواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالسعادة.

2. العزلة الاجتماعية المتعمدة

العلاقات الاجتماعية تلعب دوراً حاسماً في دعم الصحة النفسية. عند قطع الاتصال بالآخرين أو تجنب التفاعل الاجتماعي بشكل متعمد، فإن الإنسان يحرم نفسه من مصادر الدعم العاطفي والتفاعل الإيجابي. العزلة الاجتماعية المتكررة تؤدي إلى شعور بالوحدة والاكتئاب.

بحسب منظمة الصحة العالمية، الوحدة الاجتماعية لها تأثير مماثل للتدخين من حيث مخاطرها على الصحة العامة. فهي تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب، تدهور الجهاز المناعي، ومشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق. لذلك، اختيار العزلة يسرّع في وصول الإنسان إلى حالة تعاسة مستمرة.

3. رفض التغيير والتكيف مع الواقع

التمسك الصارم بالأفكار والمعتقدات القديمة، ورفض التكيف مع الظروف الجديدة، من أهم عوامل التعاسة. الحياة مليئة بالتغيرات سواء على المستوى الشخصي، المهني، أو الاجتماعي. مقاومة التغيير تولد صراعاً داخلياً مستمراً، وهو ما يخلق توتراً نفسياً يجعل الإنسان يشعر بعدم الرضا والضغط.

الباحثون في علم النفس يشيرون إلى أن المرونة النفسية هي مفتاح التكيف مع الحياة. الأشخاص الذين يرفضون التغيير يواجهون صعوبة في تجاوز الأزمات، مما يؤدي إلى الشعور بالإحباط والاستسلام.

4. التعلق الزائد بالماديات

السعي المحموم وراء المال والممتلكات المادية دون الاهتمام بالجوانب العاطفية والروحية قد يؤدي إلى الشعور بالفراغ الداخلي. التعلق المفرط بالماديات يجعل الإنسان يعتمد سعادته على الأشياء الخارجية، التي يمكن أن تتغير أو تزول في أي لحظة.

هذا التعلق يؤدي إلى حالة من القلق المستمر والخوف من فقدان هذه الممتلكات، مما يغذي شعور التعاسة. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يركزون على القيم المادية فقط يكونون أكثر عرضة للاكتئاب والقلق مقارنة بمن يركزون على القيم الإنسانية والاجتماعية.

5. قلة ممارسة النشاط البدني

الجسد السليم هو أحد أعمدة الصحة النفسية. عند تجاهل ممارسة الرياضة والنشاط البدني، تقل إفرازات الهرمونات التي تعزز المزاج مثل الإندورفين والسيروتونين. قلة الحركة تؤدي إلى تراكم التوتر والضغط النفسي، وهذا بدوره يسبب الشعور بالتعب والإرهاق النفسي المستمر.

البحث العلمي يثبت أن النشاط البدني المنتظم يخفف من حدة الاكتئاب ويحسن المزاج العام. لذا، الامتناع عن ممارسة الرياضة يسرّع من حالة التعاسة ويجعلها متجذرة.

6. الانخراط في علاقات سامة

وجود علاقات إنسانية سامة أو ضارة يجعل الفرد يعيش تحت ضغط نفسي مستمر. الأشخاص الذين يعانون من الإيذاء النفسي، الانتقادات المستمرة، أو الاستغلال العاطفي، يشعرون بالإحباط والتوتر، مما ينعكس سلباً على حالتهم النفسية.

العلاقات السامة تضعف من احترام الذات، وتولد شعوراً بالذنب والخجل. هذا يؤدي إلى دورة مستمرة من التعاسة التي يصعب الخروج منها دون تدخل إيجابي.

7. تجاهل الصحة النفسية ورفض طلب المساعدة

عدم الاعتراف بالمشكلات النفسية وعدم طلب المساعدة المهنية يؤدي إلى تفاقم الحالة. من الطبيعي أن يمر الإنسان بفترات من الضيق أو التوتر، لكن تجاهل هذه المشاعر ومحاولة التعامل معها بدون دعم مناسب يعمق الشعور بالعزلة والضعف.

العلاج النفسي والدعم الاجتماعي مثبتان علمياً كوسائل فعالة لتحسين الصحة النفسية. الامتناع عن ذلك يجعل الحالة النفسية تتدهور بشكل مستمر.

8. الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون مصدراً للتوتر والضغط النفسي، خصوصاً عند استخدامها بشكل مفرط. المقارنات الاجتماعية، التعرض للأخبار السلبية، والتنمر الإلكتروني، كلها عوامل تزيد من شعور الإنسان بالنقص وعدم الرضا عن الذات.

العديد من الدراسات ربطت بين الاستخدام المفرط لوسائل التواصل وزيادة مستويات القلق والاكتئاب، مما يوضح كيف يمكن لهذا السلوك أن يسهم في خلق حالة مستمرة من التعاسة.

9. التسرع في الحكم على الآخرين ونقدهم باستمرار

التركيز على عيوب الآخرين والنقد المستمر يعكس عادة ضعف في النفسية ويخلق طاقة سلبية تعود على صاحبها. هذا السلوك يزرع الحقد والضغينة داخلياً، ويزيد من الشعور بعدم الرضا عن النفس.

علاقة الإنسان بالآخرين تؤثر بشكل مباشر على حالته النفسية، والنقد المستمر يولد بيئة مليئة بالتوتر والصراعات التي تعيق الشعور بالسلام الداخلي.

10. تجاهل النوم الكافي والراحة الجسدية

النوم الجيد والراحة الكافية هما أساسان ضروريان للحفاظ على التوازن النفسي والعقلي. عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يؤدي إلى ضعف التركيز، زيادة التوتر، وتقلبات مزاجية حادة.

الأبحاث العلمية أظهرت أن الحرمان من النوم يرفع من مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، مما يساهم في زيادة التعاسة والاضطرابات النفسية المزمنة.

جدول يوضح تأثير بعض العوامل على الصحة النفسية

الخلاصة

التعاسة ليست مجرد شعور عابر، بل هي حالة نفسية واجتماعية تتأثر بعدد كبير من العوامل السلوكية والنفسية والجسدية. الابتعاد عن التفكير السلبي، بناء علاقات صحية، التكيف مع التغيرات، الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية، كلها أمور تعزز من جودة حياة الإنسان. بالمقابل، اتباع السلوكيات التي سبق ذكرها يشكل طريقاً مباشراً لتعميق التعاسة وجعلها جزءاً من الحياة اليومية. الاهتمام بالنفس وبالعلاقات وبالصحة العامة يمكن أن يغير مسار الحياة نحو الأفضل ويخلق حالة من الرضا والسعادة المستدامة.

المصادر والمراجع

• Martin Seligman, “Learned Optimism: How to Change Your Mind and Your Life,” 1990.

• World Health Organization (WHO), “Loneliness and Social Isolation as Risk Factors for Mortality,” 2020.