أهمية ديوان المحاسبة الأردني
يُعد ديوان المحاسبة الأردني من أهم الأجهزة الرقابية في المملكة الأردنية الهاشمية، لما له من دور محوري في تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة في الإدارة العامة، وتحقيق الاستخدام الأمثل للمال العام ضمن منظومة الحوكمة الرشيدة. تأسس هذا الديوان وفقًا لأحكام الدستور الأردني، ويُعتبر أحد أبرز أعمدة الرقابة المالية على مؤسسات الدولة، حيث يؤدي دورًا استراتيجيًا في حماية المال العام وضمان التزام الجهات الخاضعة لرقابته بالقوانين والأنظمة والتعليمات المعمول بها.
الخلفية التاريخية والتشريعية لتأسيس ديوان المحاسبة
أُسس ديوان المحاسبة بموجب الدستور الأردني الصادر عام 1952، وتحديدًا في المادة (119) التي نصت على إنشاء ديوان للمراقبة المالية والإدارية، وتولت التشريعات المتعاقبة تطوير مهامه واختصاصاته. وفي عام 1952 صدر قانون ديوان المحاسبة رقم (28)، ثم جرى تعديله عدة مرات لمواكبة المستجدات في العمل الرقابي وتوسيع صلاحياته بما ينسجم مع متطلبات الرقابة المالية الحديثة، وصولًا إلى القانون رقم (11) لسنة 2018 الذي عزز استقلاليته وفعاليته.
الدور الرقابي والمهام الأساسية
يتولى ديوان المحاسبة الرقابة على الإيرادات والنفقات العامة، ومراقبة حسن استخدام الموارد المالية للدولة. وتشمل اختصاصاته جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية والهيئات المستقلة والبلديات، بالإضافة إلى الشركات التي تملك الحكومة حصة فيها تزيد عن 50%. ومن بين أبرز مهامه:
-
تدقيق الحسابات الختامية للوزارات والمؤسسات الرسمية.
-
مراجعة السجلات المالية والتقارير المحاسبية للتحقق من مدى دقتها وتوافقها مع القوانين والأنظمة.
-
رصد المخالفات المالية والإدارية وتوثيقها، وتقديم تقارير دورية إلى مجلس النواب.
-
رفع التوصيات المتعلقة بالإجراءات التصحيحية والمساءلة الإدارية.
-
التفتيش الميداني للتأكد من تنفيذ المشاريع الحكومية وفق الأطر القانونية والمخصصات المالية المحددة.
الاستقلالية والشفافية
تُعد استقلالية ديوان المحاسبة من أبرز المقومات التي تضمن فعاليته في أداء دوره الرقابي، حيث يُرفع مباشرة إلى السلطة التشريعية (مجلس النواب) ويُعيّن رئيسه بإرادة ملكية سامية، ما يُبعده عن تأثير السلطة التنفيذية. ويمثل هذا الهيكل ضمانًا لاستقلال قراراته وموضوعيته في كشف الانحرافات والمخالفات، دون تدخل سياسي أو إداري. ويُعد ذلك أحد المتطلبات الأساسية في المعايير الدولية للأجهزة العليا للرقابة.
تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية
يُسهم ديوان المحاسبة في تعزيز مبدأ الشفافية المالية من خلال تقاريره السنوية التي تتضمن ملاحظاته ومخالفات الجهات الخاضعة لرقابته، كما يُعزز مبدأ المساءلة عبر الإحالة إلى الجهات القضائية عند الضرورة، أو المطالبة باسترداد المبالغ المالية المصروفة بغير وجه حق. وتمثل هذه الإجراءات جزءًا لا يتجزأ من جهود مكافحة الفساد، إذ يعد الديوان شريكًا أساسيًا لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد في متابعة قضايا الهدر المالي وسوء الإدارة.
الأثر الاقتصادي والمالي لأعمال الديوان
يمتد تأثير ديوان المحاسبة ليشمل الأبعاد الاقتصادية، حيث تساهم تقاريره وملاحظاته في ضبط الإنفاق العام وترشيد استخدام الموارد المالية للدولة، ما يؤدي إلى تقليص العجز المالي وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي. كما تعمل الرقابة المستمرة التي يمارسها الديوان على تحقيق الانضباط المالي وتحفيز الجهات الحكومية على تحسين الأداء المالي وتبني معايير التخطيط السليم.
ويُبرز الجدول التالي مقارنة بين بعض المؤشرات المالية المرتبطة بأداء ديوان المحاسبة خلال السنوات الأخيرة:
| السنة | عدد الملاحظات المكتشفة | المبالغ المستردة (مليون دينار) | القضايا المحالة للقضاء |
|---|---|---|---|
| 2020 | 6200 | 35.7 | 88 |
| 2021 | 6750 | 42.1 | 97 |
| 2022 | 7090 | 47.3 | 104 |
تُظهر هذه الأرقام مدى فاعلية الدور الرقابي للديوان في حماية المال العام، إذ ترتفع سنويًا مؤشرات الأداء في الكشف والاسترداد، ما يدل على تطور في آليات التدقيق وجودة العمليات الرقابية.
العلاقة مع البرلمان وأثرها في تعزيز الرقابة
يُرفع التقرير السنوي لديوان المحاسبة إلى مجلس النواب وفقًا لأحكام الدستور، مما يُمكّن المجلس من أداء دوره التشريعي والرقابي بفعالية. وغالبًا ما تستند لجان التحقيق البرلمانية إلى ملاحظات وتقارير ديوان المحاسبة لاتخاذ إجراءات المساءلة أو التوصية باتخاذ قرارات تصحيحية. ويعكس هذا التنسيق بين الديوان والبرلمان تكامل الأدوار بين السلطات في خدمة الصالح العام وضمان الإدارة السليمة.
تحديث الأدوات والمنهجيات
يواكب ديوان المحاسبة التطورات التكنولوجية والإدارية من خلال تبني أنظمة الرقابة الإلكترونية وربط قواعد البيانات الحكومية، مما ساعد في رفع كفاءة الأداء واختصار الزمن اللازم لإنجاز عمليات التدقيق. كما اعتمد الديوان على منهجيات التدقيق المبني على المخاطر التي تسمح بتوجيه الرقابة نحو المجالات ذات التأثير المالي الأكبر، بما يعزز فعالية استخدام الموارد الرقابية.
وفي هذا السياق، تم تدريب الكوادر الرقابية وتأهيلها عبر برامج تدريب متخصصة، بالتعاون مع مؤسسات دولية كـ المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (الإنتوساي)، ما ساعد في رفع مستوى المهنية والاحتراف في أداء المهام.
ديوان المحاسبة ومكافحة الفساد
يلعب ديوان المحاسبة دورًا حيويًا في مكافحة الفساد، عبر رصد المخالفات التي تُشكل اختلالًا في الالتزام بالقوانين المالية، أو تُعد تجاوزًا للصلاحيات. وقد ساهم التعاون الوثيق بين الديوان وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد في تعقب قضايا الفساد المالي، وتحويلها إلى السلطات القضائية المختصة، مما عزز من ثقة المجتمع المحلي والدولي في منظومة الرقابة الأردنية.
وتجدر الإشارة إلى أن ديوان المحاسبة يشارك كذلك في حملات التوعية بمخاطر الفساد، ويُصدر نشرات دورية لتثقيف العاملين في القطاع العام حول أسس الإدارة المالية السليمة.
التحديات التي تواجه ديوان المحاسبة
رغم أهمية الدور الذي يؤديه ديوان المحاسبة، إلا أنه يواجه عددًا من التحديات، من أبرزها:
-
الحجم الكبير للجهات الخاضعة للرقابة مقابل عدد محدود من الكوادر المؤهلة.
-
التعقيد في الأنظمة المالية والإدارية لبعض الجهات، مما يتطلب مهارات رقابية متخصصة.
-
بطء الاستجابة من بعض الجهات الخاضعة للرقابة في تنفيذ التوصيات أو تصحيح الأخطاء.
-
الحاجة لتطوير مستمر في أدوات التحليل والمراجعة لمواكبة المستجدات المالية والتقنية.
التطلعات المستقبلية
يتطلع ديوان المحاسبة إلى توسيع نطاق رقابته ليشمل أداء الجهات الرسمية وليس فقط رقابة الالتزام، ما يُعرف بـ الرقابة على الأداء (Performance Audit)، والتي تُعنى بتقييم مدى تحقيق الأهداف وفعالية الإنفاق وجودة الخدمات العامة. كما يسعى إلى زيادة التفاعل مع المواطنين عبر نشر التقارير وملاحظاته للعموم، وتقديم قناة لتلقي الشكاوى والبلاغات.
ومن أبرز الخطط المستقبلية:
-
تطوير البنية التحتية الرقمية للديوان.
-
تعزيز التعاون مع الهيئات الرقابية الدولية.
-
رفع عدد المفتشين المؤهلين في مجالات التدقيق المتخصص.
-
إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي في التحليل المالي والتنبؤ بالمخاطر.
الخاتمة
يمثل ديوان المحاسبة الأردني أحد أعمدة الحوكمة المالية الرشيدة في المملكة، ويؤدي دورًا بالغ الأهمية في تعزيز النزاهة والشفافية، وضمان الاستخدام الفعال والعادل للموارد العامة. وبفضل استقلاليته وصلاحياته الواسعة، فإن الديوان يُعد حجر الزاوية في نظام الرقابة الوطنية، ما يُساهم في دعم التنمية المستدامة وترسيخ مبادئ العدالة المالية في مؤسسات الدولة.
المراجع
-
ديوان المحاسبة الأردني، الموقع الرسمي: www.audit-bureau.gov.jo
-
قانون ديوان المحاسبة الأردني رقم 11 لسنة 2018
