كيفية الحصول على ماء صالح للشرب

الماء هو أساس الحياة وأحد أهم الموارد الطبيعية التي يحتاجها الإنسان يومياً. الوصول إلى ماء صالح للشرب يمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات، خاصة في ظل التغيرات المناخية والزيادة السكانية والتلوث البيئي. لذلك، فإن معرفة كيفية الحصول على ماء نقي وآمن للشرب هو أمر ضروري لضمان صحة الإنسان والحفاظ على حياته. يتناول هذا المقال بشكل مفصل العمليات والطرق المختلفة للحصول على مياه صالحة للشرب، بدءاً من مصادر المياه الطبيعية، مروراً بطرق المعالجة، وانتهاءً بوسائل الحفظ والتخزين.

1. مصادر المياه الصالحة للشرب

تتنوع مصادر المياه التي يمكن استخدامها للشرب، وتنقسم إلى قسمين رئيسيين:

1.1 المياه السطحية

تأتي المياه السطحية من الأنهار، والبحيرات، والخزانات المائية. وتتميز بسهولة الوصول إليها، لكنها غالباً ما تتعرض للتلوث الناتج عن الأنشطة البشرية مثل الزراعة، والصناعة، والصرف الصحي، مما يجعلها غير صالحة للشرب قبل المعالجة.

1.2 المياه الجوفية

توجد المياه الجوفية تحت سطح الأرض في طبقات المياه الجوفية التي تُعرف بالأكواميفير. تكون هذه المياه عادة أنقى نسبياً من المياه السطحية، لكنها قد تحتوي على معادن ذائبة أو ملوثات طبيعية أو صناعية. يُعتمد عليها في العديد من المناطق التي تفتقر إلى مصادر مياه سطحية.

2. ملوثات المياه وتأثيرها على الصحة

قبل الحديث عن طرق معالجة المياه، من الضروري التعرف على الملوثات التي قد توجد في الماء والتي تؤثر على صلاحيته للشرب، وتشمل:

• الملوثات البيولوجية: مثل البكتيريا (كالبكتيريا القولونية والسل)، الفيروسات (كالروتا والهيباتيتيس)، والطفيليات (كالجيارديا والأميبيا).

• الملوثات الكيميائية: مثل المعادن الثقيلة (الرصاص، الزئبق، الكادميوم)، المبيدات الحشرية، الملوثات الصناعية، والمواد العضوية المتحللة.

• الملوثات الفيزيائية: تشمل الجزيئات الصلبة العالقة مثل الطمي والرمال، التي تؤثر على وضوح الماء وجودته.

وجود هذه الملوثات قد يسبب أمراضاً خطيرة مثل الإسهال، والتهابات الأمعاء، والتسمم، وأمراض مزمنة أخرى، مما يجعل من الضروري معالجة المياه قبل استهلاكها.

3. مراحل معالجة المياه لجعلها صالحة للشرب

تتم معالجة المياه عبر سلسلة من العمليات التقنية التي تهدف إلى إزالة الملوثات وضمان نقاء الماء. تمر عملية المعالجة بعدة مراحل رئيسية تشمل:

3.1 التهيئة الأولية (الترسيب والغربلة)

تبدأ عملية معالجة المياه بإزالة الجسيمات الكبيرة والشوائب من خلال عمليات الترسيب والغربلة. تمر المياه عبر شباك أو مصافي لإزالة المواد الكبيرة مثل الأعشاب والأوساخ، ثم تُترك المياه في أحواض ترسيب لتسقط الجسيمات الصلبة الكبيرة في قاع الأحواض.

3.2 التخثير والتلبيد

في هذه المرحلة تُضاف مواد كيميائية تُعرف بالمخثرات (مثل كبريتات الألومنيوم أو كلوريد الحديد الثلاثي) إلى الماء، بهدف تجميع الجسيمات الدقيقة العالقة في الماء إلى كتل أكبر تسمى “الراسبات” أو “التلبيدات”، والتي يسهل ترسيبها وإزالتها.

3.3 الترشيح

بعد الترسيب، تمر المياه عبر مرشحات خاصة مكونة من طبقات من الرمل والحصى والفحم النشط. تساعد هذه الطبقات في إزالة الجسيمات الصغيرة والمواد العضوية وبعض الملوثات الكيميائية، كما تحسن من وضوح الماء ورائحته.

3.4 التعقيم

يعتبر التعقيم الخطوة الأهم لضمان سلامة المياه، ويتم باستخدام عدة طرق:

• الكلور: يُضاف الكلور إلى الماء لقتل البكتيريا والفيروسات والطفيليات. الكلور هو أكثر وسائل التعقيم استخداماً بسبب فعاليته وانخفاض تكلفته.

• الأشعة فوق البنفسجية: تُستخدم الأشعة فوق البنفسجية لقتل الميكروبات دون إضافة مواد كيميائية.

• الأوزون: غاز الأوزون يمتلك خصائص مطهرة قوية، ويستخدم لتعقيم المياه، مع تقليل بقايا المواد الكيميائية.

3.5 الضبط النهائي (التعديل الكيميائي)

في بعض الأحيان، تحتاج المياه إلى تعديل درجة الحموضة أو إضافة مواد معدنية ضرورية مثل الكالسيوم والمغنيسيوم للحفاظ على توازن الماء وجعله آمناً وصالحاً للشرب.

4. طرق الحصول على مياه صالحة للشرب في المنزل

لا يتوفر دائماً مياه معالجة جاهزة، لذا يلجأ الناس في البيوت إلى طرق متعددة لتحسين جودة الماء وجعله صالحاً للشرب، منها:

4.1 الغليان

يعتبر الغليان من أبسط وأقدم طرق تعقيم المياه، حيث يقتل الغليان معظم الميكروبات الممرضة، خصوصاً البكتيريا والفيروسات. يُغلى الماء لمدة 5 إلى 10 دقائق ليصبح آمناً للاستهلاك.

4.2 الفلاتر المنزلية

تتوفر أنواع مختلفة من الفلاتر المنزلية التي تعمل على تنقية المياه مثل فلاتر الكربون النشط، فلاتر التناضح العكسي، وأجهزة التنقية بالأشعة فوق البنفسجية. تقوم هذه الفلاتر بإزالة الجسيمات والملوثات الكيميائية والبيولوجية.

4.3 التناضح العكسي

نظام التناضح العكسي يعتمد على غشاء شبه نفاذ يسمح بمرور الماء ويمنع مرور الملوثات. يُعد من أفضل الأنظمة لتنقية المياه من الأملاح والمعادن الثقيلة والمواد العضوية.

5. تقنيات حديثة في معالجة المياه

تتطور تقنيات معالجة المياه باستمرار لتلبية احتياجات السكان المتزايدة وتحديات التلوث. من أبرز التقنيات الحديثة:

5.1 تحلية مياه البحر

تحلية مياه البحر أصبحت حلاً حيوياً في المناطق التي تعاني من نقص المياه العذبة. تستخدم تقنيات تحلية مثل التناضح العكسي وإزالة الملح بالحرارة لتحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب.

5.2 المعالجة بالأشعة فوق البنفسجية المتقدمة

تستخدم هذه التقنية للأغراض الصناعية والمنزلية، وهي فعالة في قتل الجراثيم دون الحاجة لاستخدام مواد كيميائية، مما يحافظ على جودة الماء دون تغييره.

5.3 المعالجة الحيوية

تعتمد على استخدام كائنات دقيقة مفيدة لتحليل الملوثات العضوية في المياه، مما يجعلها نظيفة وخالية من الملوثات البيولوجية.

6. أهمية التخزين السليم للمياه الصالحة للشرب

بعد الحصول على ماء صالح للشرب، يجب تخزينه بطريقة صحية للحفاظ على نقاوته وجودته. ينصح باستخدام حاويات نظيفة ومعقمة مصنوعة من مواد آمنة مثل البلاستيك الخالي من BPA أو الزجاج، وتجنب تعريض الماء للحرارة أو أشعة الشمس المباشرة التي قد تؤدي إلى نمو البكتيريا.

7. جدول مقارنة طرق معالجة المياه

8. الخلاصة

الحصول على ماء صالح للشرب يتطلب معرفة دقيقة بمصادر المياه، الملوثات التي قد تؤثر على جودتها، واتباع سلسلة من عمليات المعالجة لضمان نقاوتها وسلامتها. تعتمد هذه العمليات على مجموعة من الطرق الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية التي تهدف إلى إزالة الشوائب والميكروبات والمواد الضارة. بالإضافة إلى ذلك، يجب الاهتمام بطرق التخزين السليم للحفاظ على جودة المياه بعد معالجتها. التطورات التكنولوجية الحديثة مثل تحلية مياه البحر وتقنيات الأشعة فوق البنفسجية تسهم بشكل كبير في توفير مياه نظيفة وآمنة في جميع أنحاء العالم. تعد المياه الصالحة للشرب من العوامل الأساسية للصحة العامة والتنمية المستدامة، ولذلك يجب الاستثمار في البنية التحتية للمياه وتوعية المجتمعات بأهمية الحفاظ على جودة المياه.

المصادر والمراجع

1. منظمة الصحة العالمية، “المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة”، تقرير 2022.

2. وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، “معالجة المياه المنزلية”، 2023.