صيغة التشهد في المذهب المالكي

صيغة التشهد عند المالكية

يعد التشهد من الأركان الأساسية في الصلاة، فهو جزء لا يتجزأ من عبادات المسلم اليومية التي تُؤدى في مختلف الصلوات المفروضة. التشهد هو ذلك الدعاء الذي يقال في الصلاة، ويمثل اعترافًا بشهادتين أساسيتين في الإسلام: شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) وشهادة الرسالة (محمد رسول الله). وبالنظر إلى اختلاف المذاهب الإسلامية، نجد أن صيغة التشهد تختلف بين المذهب المالكي وغيره من المذاهب، ولكل مذهب صيغته الخاصة في التشهد.

في هذا المقال، سنتناول بالشرح صيغة التشهد عند المالكية، مبينين أهم التفاصيل حول كيفية أداء التشهد وفقًا لهذا المذهب، وموضحين المعاني المرتبطة بهذه الصيغة، مع تسليط الضوء على الأدلة الفقهية التي تدعم هذه الصيغة، وكيفية تطبيقها في الصلاة.

1. تعريف التشهد في الصلاة

التشهد هو ذلك الدعاء الذي يُقال في الصلاة بعد الركعة الثانية أو الرابعة (حسب نوع الصلاة)، ويتضمن ذكر التوحيد والرسالة مع الدعاء بالسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهو يعبر عن تجديد العهد بين العبد وربه، واعتراف المسلم بتوحيد الله سبحانه وتعالى وبنبوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

تتعدد صيغ التشهد بين المذاهب الفقهية، كما أن لكل مذهب أسانيد وأدلة تستند إليها في تحديد هذه الصيغ، ويختلف ذلك من مذهب لآخر في بعض التفاصيل. في المذهب المالكي، تتسم صيغة التشهد بالبساطة والوضوح.

2. صيغة التشهد عند المالكية

الصيغة المعتمدة للتشهد في المذهب المالكي هي:

“التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.”

هذه الصيغة تتكون من عدة أجزاء، نستعرض كل جزء منها على حدة لفهم معناها وتفسيرها وفقًا لآراء العلماء المالكية.

3. تفصيل الصيغة ومعانيها

• “التحيات لله”:
  كلمة “التحيات” تشير إلى كافة أنواع التحيات والتعظيمات التي تُقدم لله سبحانه وتعالى. وهي كلمة شاملة لجميع أشكال التقديس والاحترام. وفي الصلاة، تأتي هذه الكلمات للتأكيد على أن جميع أشكال التقدير والإجلال موجهة إلى الله وحده، لا شريك له.

• “والصلوات”:
  كلمة “الصلاة” هنا لا تعني الصلاة اليومية التي يؤديها المسلم، وإنما تشير إلى الدعاء والبركة التي تُرسل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهي تُعبّر عن إرسال السلامات والبركات من الله على نبيه الكريم.

• “والطيبات”:
  الطيبات تعني كل ما هو طاهر وحسن في الحياة الدنيا. وهذه الكلمة تشير إلى كل ما يُحب الله ويرضى، وكل ما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم.

• “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”:
  هذه العبارة تأتي كردٍّ من المصلي على التحية التي وجهها الله للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، حيث قال: “إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (الأحزاب: 56). وهذه الكلمات تعني طلب السلام والرحمة والبركة على النبي.

• “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”:
  يُعد هذا الجزء من التشهد توسعة تشمل جميع المؤمنين. فبعد أن يقدم المصلي السلام على النبي، يرسل السلام على نفسه وعلى كافة عباد الله الصالحين، أي المؤمنين المتقين المخلصين لله. وهي دعوة لجميع المسلمين بالسلام والأمان.

• “أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له”:
  هذا هو الجزء الذي يُعبّر عن شهادة التوحيد، أي أن المسلم يُؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الإله الوحيد المستحق للعبادة، وأنه لا شريك له في هذا.

• “وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله”:
  هذه العبارة تتضمن شهادة الرسالة، أي أن المسلم يقر بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى البشرية، وأنه عبده المختار الذي أرسله الله بالدين القويم.

4. الدليل الفقهي لصيغة التشهد عند المالكية

تعتمد الصيغة التي ذكرناها على العديد من الأحاديث النبوية التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيما يلي بعض الأحاديث التي تدعم هذه الصيغة:

• قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن” (رواه مسلم). هذا الحديث يشير إلى أن التشهد كان يُعلم الصحابة بشكل خاص، ويؤكد على أهمية تعليمه بدقة.

• روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: “التشهد في الصلاة كان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “التحيات لله، والصلوات، والطيبات…” وهذا الحديث يثبت صحة الصيغة التي ذكرناها في المذهب المالكي.

5. الاختلافات بين المذاهب في صيغة التشهد

بينما تعتمد المذاهب الأخرى، مثل المذهب الحنفي والشافعي، على صيغة تشهد مشابهة، فإن هناك بعض الفروق في التعبير، لا سيما في التفاصيل الدقيقة حول الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم. في المذهب المالكي، نجد أن الدعاء على نحو “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين” يُعد من السمات المميزة لهذا المذهب، بينما قد تقتصر بعض المذاهب الأخرى على تحية للنبي فقط.

6. كيفية أداء التشهد عند المالكية

يُؤدى التشهد في الصلاة بعد الركعة الثانية أو الرابعة (حسب نوع الصلاة)، حيث يجلس المسلم في الركعة الأخيرة أو في الركعة الثانية قبل السجود. عند الجلوس، يُشير المصلي بإصبعه السبابة نحو القبلة، ويُحركها بشكل طفيف أثناء ذكر الشهادتين، في حركة رمزية تمثل توحيد الله والإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

7. خاتمة

التشهد في المذهب المالكي يمثل جزءًا أساسيًا من أركان الصلاة، وهو يُعبّر عن اعتراف العبد بتوحيد الله ورسالة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. الصيغة التي يذكرها المالكية تتسم بالتفصيل والوضوح، مع مراعاة شمولية الدعاء لجميع المؤمنين بالسلام، وهو ما يعكس الرحمة الشاملة التي يحث الإسلام عليها.