صوم الأطفال: الفرض والواجب عند البلوغ في الإسلام

يُعد الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة التي تميز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان، وهو فريضة شرعية على كل مسلم بالغ عاقل، قادر على تحمل مشقة الصيام. لكن ما يتعلق بصيام الأطفال يثير الكثير من النقاشات الفقهية والتربوية والاجتماعية، خاصة من حيث التوقيت المناسب لبدء تعليمهم الصيام، وكيفية التعامل معهم خلال هذه المرحلة. هذا المقال يعرض بالتفصيل مفهوم صوم الأطفال، حكمه الشرعي، وكيفية التهيئة لصيامهم بشكل تدريجي حتى بلوغهم، بالإضافة إلى أهمية الصيام في بناء الشخصية الإسلامية وتعزيز القيم الدينية والاجتماعية.

مفهوم الصيام وواجبية الصيام عند البلوغ

الصيام في الإسلام هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع نية التقرب إلى الله، وأداء هذا الفرض وفق ما شرعه الله تعالى في شهر رمضان المبارك. وفرض الصيام مشروط ببلوغ الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى جعل الصيام عبادة مكلفة ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها، فلا يُطلب من الطفل الصيام قبل بلوغه لأنه غير مكلف شرعاً.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)

وهذا دليل على أن الصيام فريضة شرعية، ولكنها موجهة للبالغين من المسلمين.

أما الأطفال في المرحلة ما قبل البلوغ، فهم في مرحلة التجربة والتعليم، ولم يُفرض عليهم الصيام، ولكن يُستحب تدريبهم على الصيام تدريجياً حتى يتمكنوا من القيام به عند بلوغهم.

تعريف البلوغ وارتباطه بواجب الصيام

في الفقه الإسلامي، يعتبر البلوغ هو الحد الفاصل الذي يبدأ فيه المكلف بتحمل المسؤولية الشرعية، ومنها وجوب الصيام. ويُعرف البلوغ بالعلامات الظاهرة أو السنّ المحددة في الشريعة:

1. علامات البلوغ الظاهرية: مثل الحيض للبنت، أو البلوغ الجنسي عند الذكر، أو حدوث الاحتلام، أو نمو الشعر في مناطق معينة.

2. السنّ المحدد: وهو سن الخامسة عشر قمريًا إذا لم تظهر العلامات السابقة.

عندما يبلغ الطفل هذا الحد، يصبح مكلفًا بالفرائض، ومن ضمنها الصيام، ويبدأ عليه الواجب الشرعي أن يصوم رمضان كاملاً ما لم يكن هناك عذر شرعي يمنعه كالسفر أو المرض.

أهمية تعليم الأطفال الصيام قبل البلوغ

على الرغم من أن الصيام ليس واجبًا على الطفل قبل البلوغ، إلا أن الإسلام يشجع على تعليم الأطفال الصيام منذ الصغر، حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوصي بتعويد الأطفال الصيام تدريجياً. فقد قال عائشة رضي الله عنها:

“كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرّب الحسن والحسين على الصيام قبل أن يبلغا” (رواه البخاري).

هذا التدريب لا يهدف إلى فرض عبء الصيام الكامل، وإنما إلى تعويد الطفل على الصيام بطريقة تناسب قدراته الجسدية والنفسية، مما يجعل الانتقال إلى الصيام الكامل عند البلوغ أمراً سلساً وميسراً.

طرق تربية الطفل على الصيام تدريجياً

التدريب التدريجي لصيام الأطفال يتطلب صبرًا وحكمة من الوالدين، ويشمل عدة خطوات عملية يمكن أن تتبع لتعويد الطفل على هذه العبادة العظيمة، منها:

• التدريب على صيام ساعات محدودة: يبدأ الطفل بالصيام لبضع ساعات خلال النهار، مثل الصيام من الفجر حتى الظهر، ثم يُزاد تدريجياً حتى يصل إلى الصيام الكامل.

• تعزيز الروح الدينية: من خلال تعليم الطفل معنى الصيام وفوائده الروحية والاجتماعية، وربطه بحب الله واتباع سنة النبي.

• تشجيع الطفل بالمكافآت: لتثبيت السلوك وتعزيز حماسه للصيام، مثل الثناء والاهتمام، وربما تقديم مكافآت بسيطة.

• الصبر والتفهم: يجب أن يكون الوالدان صبورين مع الطفل، ولا يفرضا عليه الصيام بطريقة قسرية قد تخلق نفوراً.

• المراقبة الصحية: مراعاة الحالة الصحية للطفل لتجنب الضرر الجسدي الناتج عن الصيام المبكر.

الآثار الإيجابية لصيام الأطفال على المستوى النفسي والاجتماعي

تعويد الطفل على الصيام قبل البلوغ له تأثيرات إيجابية عديدة تتعلق بشخصيته ونموه العقلي والاجتماعي، منها:

• تعزيز الصبر والتحمل: الصيام يعلم الطفل كيفية الصبر والتحكم في رغباته، وهذا يؤثر إيجابياً على تصرفاته اليومية.

• تعزيز المسؤولية: يتعلم الطفل معنى المسؤولية والتزام الواجبات الدينية، مما ينعكس على انضباطه في الدراسة والسلوك.

• تعزيز الانتماء الديني: يساهم الصيام في غرس شعور الانتماء للأمة الإسلامية، والشعور بالفرح والاحتفال مع الأسرة والمجتمع.

• تعزيز الانضباط الذاتي: من خلال الالتزام بمواعيد الأكل والشرب، يتعلم الطفل تنظيم وقته وحياته.

أحكام الفقه الإسلامي المتعلقة بصوم الأطفال

يرى الفقهاء أن الطفل غير مكلف بالصيام حتى يبلغ، ولكن هناك بعض الأحكام المرتبطة بهذه المرحلة:

• التشجيع على الصيام التطوعي: يجوز للأطفال أن يصوموا تطوعًا إذا أرادوا، وهو أمر محمود.

• عدم إثم على الطفل الذي يفطر: لأنه غير مكلف شرعاً، فلا يعاقب إذا لم يصم.

• الامتناع عن إكراه الطفل: لا يجوز إجبار الطفل على الصيام القسري، لأن ذلك قد يسبب له ضررًا.

الفرق بين الصيام الفرضي والنافلة عند الأطفال

الصيام المفروض هو صيام شهر رمضان، وهو واجب على كل مسلم بالغ عاقل، أما الصيام النافلة فهو أي صيام غير رمضان، مثل صيام الأيام البيض، أو صيام الإثنين والخميس، وهنا يُسمح للأطفال بصيام النافلة إذا رغبوا، لكن مع مراعاة قدرتهم الصحية والبدنية.

أثر الصيام على الصحة الجسدية للأطفال

الصيام يمثل تحديًا جسديًا للأطفال، خاصة في مراحل نموهم التي تحتاج إلى تغذية متوازنة. لذلك يجب مراقبة صحة الطفل وعدم إرهاقه بالصيام المطول قبل أن يصبح قادرًا على تحمله، لأن الصيام قد يؤثر على:

• مستوى السكر في الدم: قد يؤدي إلى انخفاض حاد إذا لم يتناول الطفل غذاءً متوازنًا بعد الإفطار.

• نمو الجسم: يحتاج الطفل إلى عناصر غذائية مهمة، والصيام قد يقلل من تناوله لها إذا لم يتم بشكل مناسب.

• النشاط والحيوية: الأطفال يحتاجون إلى طاقة مستمرة للنشاط الذهني والبدني، والصيام قد يحد من هذا إذا لم يُدار بشكل صحيح.

لذلك، من الضروري أن يكون الصيام تدريجياً ومتوازناً مع التغذية الجيدة والراحة الكافية.

الجدول التالي يوضح مراحل الصيام المقترحة للأطفال:

دور الأسرة والمجتمع في دعم صيام الأطفال

تعتبر الأسرة والبيئة الاجتماعية المحيطة من العوامل الأساسية في نجاح تعليم الطفل الصيام:

• القدوة الحسنة: يجب أن يكون الوالدان وأفراد الأسرة قدوة في الصيام، لأن الطفل يتعلم بالمشاهدة أكثر من التعليم النظري.

• التشجيع الإيجابي: تشجيع الطفل على الصيام عبر المكافآت العاطفية والمادية البسيطة.

• تنظيم النشاطات الدينية: مثل حضور دروس تحفيظ القرآن أو دروس فقهية بسيطة تشجع الطفل على حب الدين.

• تهيئة الجو المناسب: توفير بيئة هادئة تساعد الطفل على تحمل الصيام، خاصة في ساعات النهار الحارة.

الصيام وبناء الشخصية الإسلامية عند الطفل

الصيام ليس مجرد الامتناع عن الأكل والشرب، بل هو تدريب روحي وأخلاقي يساهم في بناء شخصية الطفل:

• تعزيز التقوى والورع: يكتسب الطفل حب الله والخوف منه من خلال الصيام.

• تنمية روح التضامن: مع الفقراء والمحتاجين عبر الشعور بالجوع والعطش.

• تطوير ضبط النفس: القدرة على السيطرة على الغضب والرغبات والشهوات.

• غرس قيم الانضباط: التي تنعكس على سلوك الطفل في حياته اليومية.

الخلاصة

صيام الأطفال قبل البلوغ ليس فرضًا شرعيًا عليهم، لكنه سنة مستحبة وأداة تربوية مهمة في التربية الإسلامية، تهدف إلى تهيئتهم للصيام الكامل عند بلوغهم. الصيام عند البلوغ يصبح واجبًا شرعيًا لا يجوز التفريط فيه إلا بعذر شرعي. إن تعليم الأطفال الصيام تدريجياً يعزز من قدرتهم على الالتزام بهذه الفريضة دون ضرر صحي أو نفسي، كما أنه يبني شخصياتهم الإسلامية ويغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم. ويجب على الأسرة والمجتمع أن يكونوا شركاء فاعلين في هذه العملية من خلال توفير الدعم، التشجيع، والبيئة المناسبة لنمو الطفل روحياً وجسدياً.

المصادر:

• القرآن الكريم

• صحيح البخاري، كتاب الصوم

• “فقه الطهارة والصيام” للدكتور وهبة الزحيلي