صور “فيسبوك” قد تدفع المراهقين للشرب أو التدخين: دراسة نفسية وسوسيولوجية معمّقة

يشهد العصر الرقمي تغيرات جذرية في سلوكيات الأفراد، خصوصاً فئة المراهقين الذين يتأثرون بشكل بالغ بالمحتوى الذي يتعرضون له يومياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. من بين هذه الوسائل، تبرز منصة “فيسبوك” بوصفها إحدى أكثر المنصات استخداماً وتأثيراً في حياة الشباب والمراهقين، حيث تلعب الصور المنشورة عليها دوراً محورياً في تشكيل المواقف والميول النفسية والاجتماعية، وصولاً إلى تبني سلوكيات قد تكون خطرة مثل تعاطي الكحول أو التدخين. تشير دراسات حديثة إلى وجود علاقة بين الصور التي تظهر أشخاصاً يدخنون أو يشربون الكحول على “فيسبوك” وبين اتخاذ بعض المراهقين قرارات متهورة بتقليد تلك التصرفات، ما يفتح الباب أمام نقاش عميق حول الآثار السلبية الكامنة وراء الاستخدام غير المراقب لمنصات التواصل.

الفيسبوك كمجال لبناء الهوية الاجتماعية عند المراهق

يلعب فيسبوك، وغيره من شبكات التواصل، دوراً في تكوين الهوية لدى المراهقين، إذ تتيح هذه المنصات لهم فرصة مراقبة تصرفات الآخرين والمقارنة بين أنماط حياتهم. وفي هذا السياق، تصبح الصور المنشورة من طرف الأصدقاء أو المشاهير مصدراً للمعايير الاجتماعية التي قد تؤثر على سلوك الفرد. فعندما يرى المراهق صوراً لأقرانه وهم يدخنون السجائر أو يشربون الكحول في حفلات ومناسبات تبدو ممتعة، فإن ذلك قد يؤدي إلى شعوره بأن هذه السلوكيات مقبولة اجتماعياً، أو حتى مطلوبة للاندماج ضمن المجموعة.

هذه الظاهرة تعرف في علم النفس الاجتماعي بتأثير “المعيارية الاجتماعية” (Social Norms Influence)، وهو مفهوم يشير إلى أن الفرد يتبنى سلوكاً معيناً عندما يعتقد أن الآخرين يتصرفون به أو أنه متوقع منه أن يتصرف كذلك، خصوصاً إذا كانوا ينتمون إلى دائرته الاجتماعية.

الآليات النفسية المؤدية إلى تقليد الصور المحفزة على التدخين أو الشرب

تتعدد الآليات النفسية التي تفسر كيفية تأثر المراهقين بالصور المنتشرة على فيسبوك، ومن أبرزها:

• النمذجة الاجتماعية (Social Modeling): حيث يقوم المراهق بتقليد السلوكيات التي يراها صادرة عن أفراد يعتبرهم قدوة أو ذوي تأثير، سواء أكانوا أصدقاء أم مشاهير.

• الإشباع الرمزي (Symbolic Gratification): الصور التي تُظهر المتعة والنجاح الاجتماعي مصحوبة بتصرفات مثل الشرب أو التدخين قد توصل رسالة خفية مفادها أن هذه الأفعال تؤدي إلى القبول الاجتماعي أو الاستمتاع بالحياة.

• انخفاض الرقابة الذاتية: خلال فترات المراهقة، يعاني الأفراد من ضعف في السيطرة على الاندفاعات، مما يجعلهم أكثر عرضة لتجريب السلوكيات الجديدة دون تقييم دقيق للعواقب.

• القلق الاجتماعي وحب الانتماء: الضغط من أجل أن يكون المراهق مقبولاً بين أقرانه قد يدفعه إلى تبني سلوكيات محفوفة بالمخاطر فقط ليتماشى مع المعايير الظاهرة على “الفيسبوك”.

التأثيرات البيولوجية للمراهقة وعلاقتها بالاستجابة للصور المحفزة

تشهد فترة المراهقة تغيرات بيولوجية هامة تشمل تطوراً في مناطق الدماغ المسؤولة عن العواطف، الدوافع، والمكافأة، مقابل تأخر نضج الفص الجبهي المرتبط بالتفكير المنطقي واتخاذ القرار. هذه التغيرات تجعل من الدماغ المراهق أكثر عرضة للاستثارة عند مشاهدة صور تبعث على المتعة أو التمرد، مثل الصور التي تبرز مشاهد التدخين أو الشرب في سياق مرح وحرية.

أثر خوارزميات “فيسبوك” في تعزيز السلوكيات السلبية

خوارزميات فيسبوك تعمل على تعزيز المحتوى الذي يتفاعل معه المستخدم، مما قد يؤدي إلى ظهور المزيد من الصور أو المنشورات المشابهة لتلك التي تحتوي على سلوكيات ضارة. فإذا أعجب المراهق بصورة فيها تدخين أو احتفال بالكحول، فإن المنصة قد تعرض له صوراً مشابهة، مما يرسخ لديه فكرة أن هذه السلوكيات شائعة أو محبذة. هذا ما يسمى بـ”غرفة الصدى” الرقمية، حيث يُحاصر الفرد داخل دائرة مغلقة من المحتوى المتجانس.

العوامل الاجتماعية والثقافية المؤثرة في الاستجابة للمحتوى

رغم الطابع العالمي لفيسبوك، إلا أن طبيعة التأثير تختلف باختلاف السياقات الثقافية والاجتماعية. ففي بعض البيئات التي يُنظر فيها إلى التدخين والشرب على أنهما رمزان للتحرر والاستقلالية، قد يكون تأثير الصور أقوى بكثير. كما أن غياب الحوار العائلي أو ضعف الثقافة الصحية في المجتمع يسهم في جعل المراهق فريسة سهلة لتأثيرات الصور الرقمية.

الأبحاث العلمية حول العلاقة بين شبكات التواصل وسلوكيات الإدمان

تشير دراسات نُشرت في المجلة الأمريكية للصحة العامة إلى أن هناك علاقة إيجابية بين كمية المحتوى المرتبط بالكحول على وسائل التواصل، خصوصاً فيسبوك، وزيادة فرص تجريب المراهقين للشرب. كما كشفت دراسات أخرى أن المراهقين الذين يتعرضون بكثرة لصور أقرانهم وهم يدخنون هم أكثر احتمالاً لتجربة السجائر لأول مرة قبل سن الثامنة عشرة.

جدول يوضح العلاقة بين التعرض للصور والسلوكيات الخطرة:

التداعيات النفسية والاجتماعية لسلوكيات التقليد

تتعدى آثار تبني المراهقين لهذه السلوكيات مجرد التجربة العابرة، إذ إن تدخين السجائر أو تناول الكحول في سن مبكرة قد يؤدي إلى:

• الإدمان السريع نتيجة حساسية الدماغ المراهق للمواد المنبهة.

• التراجع الأكاديمي بسبب انخفاض القدرة على التركيز أو التغيب المتكرر عن الدراسة.

• العزلة الاجتماعية نتيجة السلوكيات المرتبطة بالإدمان أو النبذ من بعض الفئات.

• التعرض للمشكلات القانونية في الدول التي تفرض قيوداً على تعاطي المراهقين للمواد المحظورة.

مسؤولية الأسرة والمؤسسات التربوية

تتحمل الأسرة والمدرسة مسؤولية مباشرة في توعية المراهقين حول مخاطر الانسياق وراء صور ومظاهر خادعة على الإنترنت. فالتربية الإعلامية، التي تشمل تعليم الأبناء كيفية تحليل المحتوى الرقمي بشكل نقدي، باتت ضرورة في هذا العصر. كما يجب على الآباء فتح قنوات حوار دائمة وصادقة حول مواضيع مثل التدخين، الكحول، وضغط الأقران.

دور المنصات الرقمية في مكافحة المحتوى المحفّز على السلوكيات الضارة

في السنوات الأخيرة، بدأت بعض المنصات الاجتماعية اتخاذ خطوات للحد من انتشار المحتوى الذي يروّج لسلوكيات ضارة. غير أن هذه السياسات لا تزال غير كافية أو مطبقة بشكل جزئي. يجب على “فيسبوك” وغيره من التطبيقات تبني سياسات واضحة تمنع ترويج مشاهد الشرب أو التدخين، خاصة عندما تستهدف فئة المراهقين، وذلك من خلال:

• تطوير خوارزميات لرصد المحتوى الضار.

• وضع تحذيرات تلقائية على الصور والمقاطع التي تحتوي على سلوكيات خطرة.

• التعاون مع مؤسسات الصحة النفسية لنشر محتوى توعوي بديل.

مقترحات للحد من التأثير السلبي

• تعزيز الرقابة الذاتية: من خلال حملات توعية موجهة للمراهقين.

• تعزيز الوعي الإعلامي الرقمي: ضمن مناهج التعليم المدرسي.

• التشجيع على متابعة المحتوى الإيجابي: مثل القصص التحفيزية أو الأنشطة الرياضية.

• تطوير أدوات للرقابة الأبوية: تُمكّن الآباء من متابعة المحتوى الذي يتعرض له أبناؤهم دون انتهاك خصوصيتهم.

خاتمة تحليلية

تعد الصور التي ينشرها الأصدقاء أو المؤثرون على “فيسبوك” عاملاً غير مباشر لكنه فعّال في توجيه سلوكيات المراهقين نحو مسارات قد تكون خطيرة كالتدخين أو تعاطي الكحول. ويتجلى خطر هذا التأثير في أنه لا يظهر بصورة فورية، بل يتسلل تدريجياً عبر الملاحظة والاعتياد والاندماج في ثقافة رقمية لا تعكس دائماً الواقع الحقيقي. ولا يمكن معالجة هذه الظاهرة بشكل فعّال إلا من خلال تعاون ثلاثي الأبعاد يشمل الأسرة، والمؤسسة التربوية، والمنصات الرقمية، وذلك لخلق بيئة رقمية أكثر وعياً وأماناً.

المراجع:

1. Moreno, M. A., et al. (2011). “A longitudinal study of viewing alcohol-related content on Facebook and its effect on alcohol use behaviors among college students.” Journal of Adolescent Health.

2. Strasburger, V. C., et al. (2010). “Health Effects of Media on Children and Adolescents.” Pediatrics.