صفات المؤمنين والمنافقين
في ضوء التعاليم الإسلامية، يُعتبر تمييز صفات المؤمنين عن صفات المنافقين من الأمور الأساسية لفهم طبيعة السلوك الإنساني في ضوء الإيمان والاعتقاد. فالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قدّما وصفاً دقيقاً ومفصلاً لكل من المؤمن الصادق والمنافق المخادع، بغية تمييز الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والإخلاص من الرياء. تكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يمس جوهر العقيدة الإسلامية، ويساهم في بناء الفرد والمجتمع على أسس من الإيمان الصادق والعمل الصالح، مع التحذير من مظاهر النفاق وخطرها على الأمة.
أولاً: صفات المؤمنين
المؤمن في الاصطلاح الشرعي هو من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصدّق بقلبه، ونطق بلسانه، وعمل بجوارحه وفق هذه المعتقدات. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين في غير موضع في القرآن الكريم، وذكر صفاتهم بشكل مفصل لتكون دليلاً لكل من أراد أن يسلك طريق الحق والاستقامة.
1. الإيمان بالغيب
قال الله تعالى في وصف المؤمنين في سورة البقرة:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، أي أنهم يصدقون بما لم تَرَه أعينهم، ويثقون بوعد الله ووعيده. فالإيمان بالغيب من أهم صفات المؤمن، حيث لا يقتصر إيمانه على المحسوسات، بل يتعدى ذلك إلى التسليم بما جاء به الوحي.
2. إقامة الصلاة
إقامة الصلاة لا تعني مجرد أدائها، بل تأديتها بشروطها وأركانها وخشوعها، فهي صلة دائمة بين العبد وربه، وعماد الدين الذي لا يقوم الإيمان بدونه. قال تعالى:
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾.
3. إيتاء الزكاة
الزكاة تطهّر النفس وتزكي المال، وهي تعبير عملي عن الإيمان، ومظهر من مظاهر التضامن الاجتماعي في الإسلام، ولذلك اقترنت الصلاة بها في كثير من الآيات:
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.
4. الإيمان بالرسل والكتب
من صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بكل ما جاء به الله من الكتب والرسل دون تفريق:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾.
5. الخشوع في الصلاة
قال تعالى في مطلع سورة المؤمنون:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، والخشوع هو التواضع القلبي والجسدي أثناء أداء الصلاة، وهو علامة على صدق العلاقة مع الله.
6. البعد عن اللغو
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾، أي أنهم يترفعون عن الكلام الباطل والعبث الذي لا يعود بالنفع في الدنيا أو الآخرة.
7. الأمانة والوفاء بالعهد
قال الله تعالى في وصفهم:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾. فالمؤمن صادق في معاملاته، وفي وعده ووفائه، ويؤتمن على الأسرار والأموال.
8. الحياء والتواضع
النبي محمد ﷺ قال:
“الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” (رواه مسلم).
9. الإنفاق في السراء والضراء
قال الله في سورة آل عمران:
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾، أي أنهم لا يربطون الإنفاق بحالتهم المادية فقط، بل هو خلق دائم لديهم.
ثانياً: صفات المنافقين
المنافق هو من يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، ويعد النفاق من أعظم الذنوب التي تُهلك صاحبها، إذ قال تعالى في سورة النساء:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾. وقد فصّل القرآن الكريم والسنة صفات المنافقين ليتجنبها المسلمون ويحذروا منها.
1. الكذب
قال رسول الله ﷺ:
“آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب…” (رواه البخاري ومسلم). فالكذب سمة متأصلة في شخصية المنافق، فهو يستعمل الكذب وسيلة لتحقيق أغراضه الشخصية.
2. الغدر
“…وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” (الحديث نفسه)، فالمنافق لا يحترم العهود ولا يحفظ الأمانة، ويستغل الثقة لمآربه الخاصة.
3. الرياء
قال الله تعالى في وصفهم:
﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (النساء: 142)، أي أن عباداتهم وأفعالهم لا تُرجى بها مرضاة الله، وإنما تُؤدى ليُمدحوا أمام الناس.
4. التثاقل عن الصلاة
قال تعالى:
﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾، فلا يؤدون الصلاة بحب ولا بإخلاص، بل يتثاقلون عنها، وربما يؤدونها أمام الناس فقط.
5. إفساد في الأرض
قال الله تعالى عنهم:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة: 11)، أي أنهم يظهرون الإصلاح ويعملون على التخريب والفساد.
6. الشك في الدين
قال تعالى:
﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ﴾ (النساء: 143)، فالمنافق لا يملك موقفاً ثابتاً، بل هو متردد متلون بحسب المصالح.
7. التشكيك في وعود الله
قال الله:
﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ (المنافقون: 4)، فالمنافق دائم القلق والريبة، لا يثق في وعد الله ونصره، ويظن أن كل مصيبة ستفضح نفاقه.
8. الإعراض عن ذكر الله
من أبرز سماتهم عدم تعلقهم بالله وذكره، فهم لا يقرؤون القرآن ولا يذكرون الله إلا قليلاً، إن فعلوا ذلك فهو مجرد مظاهر.
جدول مقارنة بين صفات المؤمنين والمنافقين
| الصفة | المؤمن | المنافق |
|---|---|---|
| الإيمان | إيمان راسخ بالغيب | شك وتذبذب |
| الصدق | صادق في القول والعمل | كذاب ومخادع |
| الصلاة | يؤديها بخشوع واستمرار | يتثاقل عنها ويرائي بها |
| الإنفاق | ينفق في السراء والضراء | بخيل أو ينفق للرياء |
| الأمانة | أمين في العهود والمعاملات | خائن للأمانة |
| الذكر | يكثر من ذكر الله | لا يذكر الله إلا قليلاً |
| المظهر الديني | باطنه كظاهره | يظهر غير ما يبطن |
| التعامل مع الناس | متواضع رحيم | متكبر ومصلحي |
| الثبات على المبدأ | ثابت على دينه | متقلب بحسب المصلحة |
أثر صفات كل من المؤمن والمنافق على الفرد والمجتمع
تؤدي صفات المؤمن إلى صلاح الفرد وبنائه الروحي والأخلاقي، كما تثمر في ترابط المجتمع وتقدمه؛ فالأمانة والصدق والتعاون والرحمة تبني مجتمعات متماسكة ومزدهرة. أما النفاق، فإنه يزعزع الثقة ويؤدي إلى الانقسام والعداوة، ويزرع الفتنة في صفوف الناس.
وقد كان المنافقون من أخطر أعداء الإسلام في المدينة المنورة، إذ كانوا يفتعلون الأزمات ويثيرون الشكوك، ويخططون في الخفاء لضرب الوحدة الإسلامية. لهذا، أفرد الله لهم سورة كاملة في القرآن (سورة المنافقون) بيّن فيها خطورتهم.
الخاتمة
إن التمييز بين صفات المؤمنين والمنافقين ليس مجرد معرفة نظرية، بل هو معيار يُقاس به صدق الإنسان في علاقته بربه وبمجتمعه. لذلك، ينبغي لكل مسلم أن يتفقد نفسه ويقيسها على ميزان الإيمان، ويحرص على اكتساب صفات المؤمنين والابتعاد عن أوصاف المنافقين، رجاء الفوز برضوان الله والفلاح في الدنيا والآخرة.
المراجع:
-
القرآن الكريم
-
“رياض الصالحين” للإمام النووي
