صفات الحور العين في الجنة
تشكل الحور العين أحد الجوانب البارزة في ما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين في الجنة، وقد جاء ذكرهن في مواضع متعددة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مما جعلهن جزءاً من عقيدة المسلم التي يستبشر بها ويأنس بها قلبه في مسيرة الإيمان والجهاد والصبر على الطاعات وترك الشهوات. إن الحديث عن الحور العين لا يتعلق فقط بجمالهن الظاهري، بل يمتد إلى دقة الخلق، وكمال الصفات، وسموّ المكانة، في إطار وعد إلهي يتجاوز الخيال البشري.
مفهوم الحور العين في اللغة والشرع
كلمة “حور” مأخوذة من “الحور” وهو شدة بياض العين في شدة سوادها، وهي سمة جمالية فائقة. أما “العين” فهي جمع “عيناء”، وهي المرأة الواسعة العينين. ومن ثم فالحور العين هنّ نساء الجنة اللاتي خلقهن الله تعالى لعباده المؤمنين جزاءً لهم، يتمتعن بجمال أخّاذ وخصال لا توجد في نساء الدنيا، بل يفوقن في الحسن والكمال كل وصف.
أما في الشرع، فقد ورد ذكر الحور العين في عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مما يدل على أنهن خلق خاص بالجنة، لا يشبهن نساء الدنيا في الخلق أو الطبع أو الصفة، بل تفوقنهن في الجمال والعفاف والتكريم.
الصفات الجمالية للحور العين
جاء وصف الحور العين في النصوص الدينية مشتملاً على عناصر متعددة من الجمال الحسي، نذكر أبرزها:
1. شدة البياض وشدة السواد في العين
قال الله تعالى:
﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: 22]
قال المفسرون إن هذا الجمع بين “الحور” و”العين” يشير إلى شدة بياض أعينهن في سوادها، وهي سمة جمالية نادرة.
2. الطول الفائق والجمال المُبهر
روى الطبراني عن النبي ﷺ أنه قال في وصف الحور:
“ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها (أي خمارها) خير من الدنيا وما فيها.”
3. الطهارة والنقاء
قال تعالى:
﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 58]
يشبهن الياقوت في الصفاء والمرجان في الحسن، والياقوت والمرجان من الأحجار الكريمة النادرة ذات الألوان النقية التي لا تشوبها شائبة.
4. اللون المشرق
قال تعالى:
﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: 56]
ومعنى قاصرات الطرف أنهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن، وهذا يدل على العفة والجمال مقرونين بالطاعة والولاء.
الصفات الخُلقية والسلوكية
1. الحياء والعفة
من أبرز ما يميز الحور العين هو الحياء الشديد، وقد جاء هذا في قوله تعالى:
﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ [الرحمن: 70]
قال ابن كثير في تفسيره إن “خيرات” أي في الأخلاق، و”حسان” أي في الخَلق. وهذا الجمع بين حسن الأخلاق وحسن الشكل يشير إلى الكمال الحقيقي الذي يمنحه الله لعباده.
2. الحب والود لأزواجهن
قال النبي ﷺ في حديث رواه الترمذي وصححه الألباني:
“ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لملأت ما بينهما نوراً، ولوجد ريحها ما بين الخافقين، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ولن تكون إلا لزوجها.”
يشير هذا إلى ارتباطهن الشديد بأزواجهن وحبهن لهم، وحرصهن على رضى أزواجهن في الجنة.
3. الرضا الدائم والطاعة
قال تعالى:
﴿عُرُبًا أَتْرَابًا﴾ [الواقعة: 37]
“عُرُبًا” أي المتحببات إلى أزواجهن، كما فسرها ابن عباس رضي الله عنه، “أترابًا” أي متساويات في السن، وهذا يدل على انسجام تام وروحي عميق بين الزوج وزوجه في الجنة.
صفاتهن الجسدية الخاصة
لقد فصّلت النصوص صفات الحور العين بدقة تفوق ما يتخيله الإنسان، وذكرت أوصافًا تدل على الإبداع الإلهي في الخلق، نذكر منها:
| الصفة | الوصف في النصوص |
|---|---|
| بياض البشرة | كأنهن الياقوت والمرجان |
| اتساع العينين | عِين، أي واسعات الأعين |
| العذرية الدائمة | لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان |
| الرقة والنعومة | كأنهن بيض مكنون |
| الصوت العذب | يغنين بأجمل الأصوات لأزواجهن في الجنة |
| السن الموحد | أترابًا، أي متقاربات في العمر |
| قوام الجسد | خلقهن الله في أكمل صورة، لا يعانين من نقص أو عيب |
الحور العين في السنة النبوية
توسعت السنة النبوية في ذكر صفات الحور العين، ومما ورد فيها:
-
في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال:
“إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءةً في السماء، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألَوَّة، أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء.”
وفي هذا الحديث إشارة إلى تساوي نساء الجنة في الحسن، ومساواة الرجال كذلك، مما يشير إلى تمام الكمال. -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
“لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن.” [رواه البخاري]
عدد الحور العين لكل رجل
ورد في بعض الأحاديث أن أدنى أهل الجنة منزلة له زوجتان، وقد يزداد العدد لمن هم أعلى درجة. قال النبي ﷺ:
“إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً.” [رواه البخاري ومسلم]
منزلة الحور العين وفضل نساء الدنيا الصالحات
رغم ما وُصف به الحور من جمال وجلال، فإن نساء الدنيا الصالحات لهن فضل يفوق الحور العين، إذا كنّ من الصالحات. فقد قال النبي ﷺ:
“أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم.”
وجاء في الأثر أن المرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة كانت خيراً من الحور العين، لأنها صبرت على الطاعات والعبادات، وتحملت في سبيل الله.
من هم الذين ينالون الحور العين
الحور العين جزء من نعيم الجنة، ومن ينلن هذا النعيم هن من نصيب المؤمنين الصادقين الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا الصالحات. قال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍفِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍيَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَكَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الدخان: 51-54]
فقد جعل الله الزواج من الحور من تمام النعيم الذي يحظى به المتقون في الجنة.
الحور العين والنعيم الروحي
لا يقتصر ذكر الحور العين على الجانب الحسي فحسب، بل إن فيهن نعيمًا نفسيًا وروحيًا يُشبع فطرة الإنسان في الأنس والمحبة والجمال، ويزيد القلب تعلقًا بالجنة، لا من باب الشهوة المجردة، بل من باب استحضار النعيم الأبدي.
خاتمة تفصيلية
إن صفات الحور العين كما وردت في النصوص تُعبر عن جزء من عظمة الخلق الإلهي، حيث يجمع الله بين الجمال المطلق، والنقاء الكامل، والعفة والطهارة، في نساء خُلقن خصيصًا لأهل الجنة جزاءً لما قدموه في الدنيا. غير أن النعيم الأكبر في الجنة يبقى هو النظر إلى وجه الله الكريم، والخلود في دار لا تعب فيها ولا نصب، ونعيم الحور العين ما هو إلا واحدة من درجات ذلك النعيم.
المصادر والمراجع:
-
تفسير ابن كثير
-
صحيح البخاري وصحيح مسلم
