صعود اليمين المتطرف في أمريكا

فيلم “Alt-Right: Age of Rage”: نظرة عميقة على تطور الفكر المتطرف في أمريكا

في عام 2018، أخرج المخرج آدم بهالا لوغ فيلمًا وثائقيًا بعنوان “Alt-Right: Age of Rage” الذي يتناول موضوعًا حساسًا ومؤلمًا في آنٍ واحد، حيث يتطرق إلى صعود الحركات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا في فترة رئاسة دونالد ترامب. يستعرض الفيلم الأحداث التي تلت انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية، وتحديدًا تظاهرة تشارلوتسفيل التي شهدت تصادمًا عنيفًا بين مؤيدي الحركة اليمينية المتطرفة وأعضاء جماعات يسارية راديكالية مثل “أنتيفا” (Antifa).

الفكرة المحورية للفيلم

يتناول الفيلم بشكل أساسي العلاقة بين اثنين من الشخصيات المتناقضة تمامًا: ريتشارد سبنسر، أحد أبرز القادة اليمينيين المتطرفين، وداريل لامونت جيكنز، الناشط المناهض للفاشية الذي ينتمي إلى “أنتيفا”. يسلط الفيلم الضوء على كلا الشخصين من خلال تسليط الضوء على مواقفهم الفكرية والتناقضات الكامنة بينهما، بينما يسير الفيلم في خط زمني يربط بين تصاعد الاحتقان السياسي في الولايات المتحدة، وأحداث العنف في تشارلوتسفيل، والصراعات الثقافية التي كانت تعصف بالبلاد في تلك الفترة.

شخصيات الفيلم: ريتشارد سبنسر وداريل لامونت جيكنز

ريتشارد سبنسر:

يُعتبر ريتشارد سبنسر من أبرز الأسماء المرتبطة بالحركة اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة. في الفيلم، يظهر سبنسر كأحد القادة الرئيسيين لحركة “اليمين البديل” (Alt-Right) التي تروج لأيديولوجيات عنصرية ومعادية للمهاجرين. من خلال مقابلاته وتصريحاته، يعكس سبنسر رؤية معادية للأقليات الثقافية في أمريكا، ويؤمن بتفوق العرق الأبيض على جميع الأعراق الأخرى. يعد سبنسر جزءًا من موجة الفكر العنصري الذي شهد رواجًا في بعض الأوساط بعد فوز ترامب في الانتخابات.

داريل لامونت جيكنز:

على الجانب الآخر، يظهر داريل لامونت جيكنز، الناشط المناهض للعنصرية وأحد الأوجه البارزة لجماعة “أنتيفا”. يشارك جيكنز في الاحتجاجات ضد اليمين المتطرف، ويؤمن بضرورة محاربة العنصرية والفاشية بكل الطرق، حتى وإن تطلب الأمر المواجهة المباشرة. يظهر جيكنز في الفيلم كرمز لجماعات اليسار التي تعارض الفكر المتطرف، ويرتكز على المقاومة السلمية في مواجهة العنف الذي يستخدمه اليمين.

الصراع العنيف في تشارلوتسفيل

أحد أبرز مشاهد الفيلم هو أحداث مدينة تشارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، حيث تصادمت الجماعات اليمينية المتطرفة مع المحتجين من مختلف التوجهات السياسية. وقعت في المدينة أعمال عنف راح ضحيتها شخص واحد وأصيب العشرات. تتبع كاميرا الفيلم ردود الفعل العنيفة من كلا الجانبين، حيث يظهر الفيلم التأثير الكبير للخطاب السياسي المتطرف على سلوك الأفراد والجماعات.

الانعكاسات الثقافية والسياسية

يوضح الفيلم أن صعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة لم يكن مجرد رد فعل على سياسات ترامب، بل كان نتيجة لسنوات من التوترات الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها الطبقات الدنيا والمتوسطة في البلاد. يعكس هذا الصراع الانقسامات العميقة التي تغذيها المواقف العنصرية والمناصب السياسية المشحونة.

الفيلم لا يقتصر على تقديم الأحداث من منظور واحد، بل يحاول أن يقدم سردًا موضوعيًا عن كيفية تأثير الخطاب المتطرف على حياة الأفراد، وكيف يمكن أن تقود المواقف السياسية المتشددة إلى العنف. تتنوع آراء المشاركين في الفيلم، ليشمل ذلك آراء أكاديميين، صحفيين، وناشطين سياسيين من كلا الجانبين.

التوثيق والسينما

من ناحية فنية، يعتبر “Alt-Right: Age of Rage” وثائقيًا قويًا في تسليط الضوء على تفاعلات الشخصيات المعقدة في قلب الأحداث. المخرج آدم بهالا لوغ نجح في تقديم مادة مرئية محورية تبين الآراء المتناقضة، وتكشف مدى تأثير السياسة الأمريكية في تشكيل هوية المجتمع. هذا التوثيق ليس فقط عن تشارلوتسفيل بل عن تحول عميق في الثقافة السياسية الأمريكية في فترة ما بعد انتخابات 2016.

التأثير على الجمهور

بالرغم من أن الفيلم يسلط الضوء على جماعات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، إلا أنه يطرح تساؤلات أكبر تتعلق بكيفية التعامل مع الفكر المتطرف في العالم المعاصر. ماذا يحدث عندما تصبح الأيديولوجيات المتطرفة جزءًا من الحوار السياسي اليومي؟ كيف يمكن للمجتمع أن يتعامل مع كراهية متفشية دون اللجوء إلى العنف؟ يترك “Alt-Right: Age of Rage” الجمهور أمام تحديات فكرية وسياسية من الصعب تجاهلها.

الختام

“Alt-Right: Age of Rage” هو أكثر من مجرد فيلم وثائقي؛ إنه مرآة لعصر مليء بالتحديات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة. من خلال عرضه لتجربة كل من ريتشارد سبنسر وداريل لامونت جيكنز، يكشف الفيلم عن مدى تأثير السياسة على الأفراد والمجتمعات، ويضع أمامنا الأسئلة المقلقة حول المستقبل السياسي والعنصري لأكبر دولة ديمقراطية في العالم. هذا العمل يتجاوز مجرد تسليط الضوء على أحداث تشارلوتسفيل، ليطرح قضايا تتعلق بالهوية، والحرية، والتسامح في عالم يتغير بسرعة.