شكل شجرة الزقوم
شجرة الزقوم، من أكثر الرموز رعباً في النصوص الدينية الإسلامية، تمثل صورة مروعة للعذاب في جهنم، ورد ذكرها في القرآن الكريم كأداة من أدوات العقاب لأهل الكفر والفسوق. وقد جاءت أوصافها في الكتاب العزيز بأسلوب بلاغي بالغ التأثير، يثير في النفس رهبة وقلقاً عميقاً من مصير المعذبين يوم القيامة. ولأن الزقوم من المفاهيم القرآنية المرتبطة بالعقيدة، فإن فهم طبيعتها وشكلها له أهمية بالغة في تدبر الآيات وفهم مقاصدها، وبيان ما أعده الله تعالى للعصاة من العذاب الشديد.
المعنى اللغوي والاشتقاقي لكلمة الزقوم
الزقوم، كما ورد في معاجم اللغة العربية، مشتق من الفعل “زَقَمَ”، أي ابتلع شيئًا مكروهًا أو ذا طعم سيء. ويقال “تزقمه” أي اضطر إلى ابتلاع ما لا يُطاق، وهذا الاشتقاق يحمل دلالة مهمة في فهم ماهية هذه الشجرة، إذ إن طبيعتها تجمع بين الشكل المنفر والطعم المقزز والعاقبة المؤلمة.
وفي “لسان العرب” لابن منظور، ورد أن الزقوم هو “الطعام البغيض الكريه الذي يُسَقَى به المعذبون، وقد تكون الكلمة مأخوذة من الجذر الثلاثي (ز ق م) الذي يدل على الإقحام بالقوة لما يكرهه المرء في فمه أو جوفه”.
الورود القرآني لشجرة الزقوم
جاء ذكر شجرة الزقوم في أكثر من موضع في القرآن الكريم، منها قوله تعالى في سورة الصافات:
“ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ” (الصافات: 62–67)
وكذلك في سورة الدخان:
“إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ” (الدخان: 43–46)
وفي سورة الواقعة:
“ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ” (الواقعة: 51–52)
كل هذه المواضع تعكس صورة مرعبة وموحدة لطبيعة هذه الشجرة ومصير من يُطعم منها.
الشكل الخارجي والوصف البصري لشجرة الزقوم
الوصف القرآني لشجرة الزقوم يتسم بطابع تصويري مرعب. فهي ليست شجرة عادية تنبت في بيئة طبيعية، وإنما هي نبتة شيطانية، تنمو من أصل الجحيم، أي أن جذورها ممتدة في قعر جهنم، وهذا وحده كافٍ لتخيّل مدى رعبها.
“إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ” (الصافات: 64–65)
الطلع هو الجزء الذي يحمل الثمر، وقد شبّه الله طلعها برؤوس الشياطين. وهذا التشبيه ليس على سبيل التحديد الدقيق بل على سبيل التشويه والتقبيح والتخويف، إذ أن رؤوس الشياطين لم توصف شكلاً من قبل، لكن العرب كانوا يستعملون هذا النوع من التشبيه لإثارة الرهبة، فهو تشبيه بما يُتخيل أنه بالغ القبح.
شكلها من حيث البنية يُفهم أنه غريب ومُشوه ومليء بالشوك، وربما ينبعث منها روائح كريهة خانقة، وألوانها قاتمة متفحمة، لأن أصلها من نار جهنم، وثمارها شديدة الحرارة والغليان كأنها قطران أو معادن منصهرة، لا تُطاق في طعمها ولا في تأثيرها.
طبيعة الثمار وتأثيرها على الآكلين
ثمار شجرة الزقوم، وفق ما جاء في القرآن، ليست فقط بشعة الشكل بل أيضًا مرعبة التأثير. فقد شبهها الله بـ”المهل”، وهو الصديد أو الزيت الذي يغلي، كأنما يُغلى في بطونهم كغليان الماء الحار الشديد أو الحمم.
“كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ” (الدخان: 45)
و”المهل” ورد في تفاسير السلف بأنه: “ما يسيل من أهل النار من قيح وصديد، أو هو شيء أسود كالنحاس المذاب”، أي أنها مادة مشتعلة شديدة القذارة والتعذيب، تشوي أحشاء من يبتلعها.
وقد بين الله أن الكافرين سيضطرون إلى أكلها رغم كل هذه الصفات المنفرة، وسيملؤون بطونهم بها، ثم لا يجدون ما يطفئون به حرارتها إلا من الحميم، وهو الماء الحار المغلي.
هذه المشاهد المتكررة في القرآن تكرّس صورة الزقوم كوسيلة للعذاب المستمر، يجمع بين العذاب الداخلي بالجوع والعطش، والعذاب الخارجي بحرارة النار.
رمزية شجرة الزقوم في العقيدة الإسلامية
تمثل شجرة الزقوم رمزًا واضحًا لعاقبة التكذيب والجحود. وهي ليست مجرد نبات مخيف، بل تجسيد لغضب الله وسخطه على من كذبوا الرسل وارتكبوا الكبائر وتعدوا حدود الله. وفي المقابل، نجد أن الجنة ونعيمها ارتبطا بأشجار طيبة كثيفة الظلال، وثمار لذيذة المنظر والطعم، مثل النخل والرمان والعنب.
إذا كانت أشجار الجنة تمثل الطهارة والجمال والرضا الإلهي، فإن شجرة الزقوم هي صورة كاملة للعقوبة الروحية والجسدية لمن ضلّ وأضلّ.
ذكر الزقوم في الأحاديث النبوية
جاء ذكر شجرة الزقوم في السنة النبوية الشريفة تأكيدًا لما ورد في القرآن الكريم. ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن النبي ﷺ أنه قال:
“لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟”
هذا الحديث يسلّط الضوء على شدة خبثها وقبح طعمها وخطورة تأثيرها حتى على أهل الدنيا بمجرد قطرة منها، فكيف بمن يُجبر على التهامها والعيش على ثمارها في جهنم؟
آراء المفسرين والعلماء حول شكل شجرة الزقوم
أجمع جمهور المفسرين من السلف والخلف على أن شجرة الزقوم شجرة حقيقية، وليست مجازًا أو رمزًا كما ذهب إليه بعض المتأولين. وقال الإمام الطبري: “الزقوم شجرة معروفة في جهنم، خلقها الله للعذاب، ولا يبعد على قدرة الله أن ينبت شجرة في النار لا تحترق، كما أبقى الله النار على إبراهيم برداً وسلاماً”.
أما الإمام القرطبي فذكر أن طلعها ـ أي ثمرها ـ يشبه رؤوس الشياطين، إما لكونها قبيحة المنظر، أو لكونها تثير في النفس الرعب، وتستفز الخيال البشري لأقصى درجات الفزع.
وقال ابن كثير: “شجرة الزقوم قبيحة المنظر، شديدة الطعم، بشعة اللون، كأنها من شياطين، وطعامها لا يُؤكل إلا كُرهاً، ويغلي في البطون”.
الفرق بين الزقوم وأشجار الجنة
| العنصر | شجرة الزقوم | أشجار الجنة |
|---|---|---|
| الموطن | في أصل الجحيم | في جنات النعيم |
| الشكل | قبيح، ثمره كرؤوس الشياطين | جميل، ظليل، أخضر يانع |
| الطعم | كريه، حار، يغلي في البطون | لذيذ، متنوع، لا ينفد |
| التأثير | عذاب داخلي وخارجي | راحة ومتعة وشفاء |
| الغاية | عقاب للأثيم والكافر | نعيم للمؤمن والتقي |
الموعظة والعبرة من شجرة الزقوم
ليست شجرة الزقوم مجرد مشهد تخييلي للعقاب، بل هي خطاب تربوي تحذيري بالغ التأثير. إذ أن الهدف منها إيقاظ الوجدان البشري وتحذير النفس من الانجراف وراء الشهوات، وبيان أن للكفر والاستكبار نهاية مظلمة ومصيرًا مريعًا لا فكاك منه.
والتأمل في شكل شجرة الزقوم وما يرتبط بها من أوصاف يعين على ترسيخ الخوف من النار في القلوب، كما يشجع على التوبة والاستغفار والالتزام بالحق، ويُحيي في النفوس مراقبة الله والخشية من اليوم الآخر.
خاتمة
شجرة الزقوم رمز بالغ الرهبة في العقيدة الإسلامية، تمثل جزءاً من العذاب الذي ينتظر أهل النار في الآخرة. شكلها البشع، وطبيعتها النارية، وثمرها الذي يغلي في البطون، يجعل منها تجسيداً للعقوبة الإلهية التي تنتظر من خالفوا أمر الله وكذبوا رسله. ولئن كان وصفها مرعبًا، فإن في هذا الرعب رحمة، إذ يحث الإنسان على مراجعة نفسه وتدارك أمره قبل فوات الأوان، فيسلك طريق الحق ويتجنب ما يؤدي إلى الزقوم والجحيم.
المراجع:
-
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم
-
الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن
