شروط وأركان العمرة

شروط العمرة وأركانها: دراسة تفصيلية لأحكام النسك وأسس صحة العبادة

العمرة من العبادات العظيمة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للمسلمين، وهي عبادة تتضمن نُسُكًا يؤديه المسلم في مكة المكرمة يتقرب فيه إلى الله تعالى، ويطلب الأجر والمغفرة والرضوان. وقد ورد فضل العمرة في كثير من الأحاديث النبوية، وبيَّن العلماء شروط صحتها وأركانها وواجباتها. وفي هذا المقال نُقدم تفصيلًا موسعًا يتناول شروط العمرة وأركانها، مع استعراض دقيق للآراء الفقهية، والمقاصد الشرعية، والسياق التاريخي والعملي لأداء هذه الشعيرة.

أولاً: تعريف العمرة ومكانتها الشرعية

العمرة في اللغة مأخوذة من الاعتمار، وهو القصد والزيارة. وفي الاصطلاح الشرعي هي: زيارة بيت الله الحرام على وجه مخصوص، بقصد التعبد لله تعالى، وذلك بالإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير.

وقد دل على مشروعيتها قول الله تعالى:

{وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]،

وقوله صلى الله عليه وسلم: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما” (رواه البخاري ومسلم).

والعمرة عبادة مستقلة عن الحج، تجوز في كل أيام السنة بلا استثناء، وتُعد من القربات التي يُؤجر عليها المسلم أجراً عظيماً، خاصة إذا أُديت بإخلاص واتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: شروط العمرة

الشروط هي ما يتوقف عليه صحة التكليف أو صحة الفعل، فلا تصح العمرة شرعاً إلا بتوفرها. ويمكن تقسيم شروط العمرة إلى نوعين: شروط وجوب وشروط صحة، وسنستعرض كل نوع منها بالتفصيل:

1. شروط وجوب العمرة

أي الشروط التي لا تجب العمرة إلا عند توفرها:

• الإسلام: فلا تجب على الكافر، ولا تصح منه.

• البلوغ: العمرة لا تجب على الصغير، لكنها صحيحة منه إن أداها.

• العقل: لا تجب على المجنون، لأنه غير مكلف.

• الحرية: العمرة لا تجب على العبد، لأنه لا يملك نفسه.

• الاستطاعة: وهي القدرة البدنية والمالية، ودليلها قوله تعالى:
  
  {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران: 97]، ويدخل في الاستطاعة الأمن على النفس والطريق.

2. شروط صحة العمرة

الشروط التي يجب توافرها حتى تُعتبر العمرة صحيحة شرعًا:

• الإحرام من الميقات المعتبر شرعًا: لا تصح العمرة دون إحرام صحيح من الميقات الذي حدده الشرع.

• النية: لا تُعتبر العمرة عبادة شرعية إلا بنية التعبد، فلا تُجزئ الأفعال المجردة عن النية.

• الطهارة في الطواف: يشترط عند جمهور العلماء الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر لأداء الطواف.

• ستر العورة: شرط في جميع أعمال العمرة.

• التمييز بين الرجل والمرأة: يُشترط للمرأة وجود محرم للسفر إليها إذا كانت مسافرة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
  
  “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم” (رواه البخاري ومسلم).

ثالثاً: أركان العمرة

الأركان هي الأسس التي لا يصح النسك إلا بها، ولا تجبر بدم ولا فدية، وإذا تركها المسلم لم تُقبل عمرته. وأركان العمرة أربعة، وهي باتفاق أغلب الفقهاء على النحو التالي:

1. الإحرام

الإحرام هو نية الدخول في النسك، ويُعد ركنًا أساسيًا لا تصح العمرة بدونه. ويجب الإحرام من أحد المواقيت المكانية التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل كل جهة، مثل:

يُستحب للمُعتمر أن يغتسل قبل الإحرام، ويتنظف، ويتطيب، ثم يرتدي ثياب الإحرام (إزار ورداء للرجل، وملابس عادية ساترة للمرأة دون تغطية الوجه).

2. الطواف بالبيت

الطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة، ابتداء من الحجر الأسود وانتهاء به، على أن يكون البيت عن يسار الطائف.

ويشترط فيه الطهارة وستر العورة، كما يُشترط الترتيب وعدم الفصل الطويل بين الأشواط، ووقوعه بعد الإحرام.

3. السعي بين الصفا والمروة

السعي ركن من أركان العمرة، ويتم بعد الطواف مباشرة. وهو التنقل سبعة أشواط بين جبلي الصفا والمروة، ابتداءً بالصفا وختامًا بالمروة. ويدل على ركنيته قوله تعالى:

{إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158].

ولا يشترط الطهارة للسعي عند جمهور العلماء، لكن الأفضل أن يكون على طهارة.

4. الحلق أو التقصير

يُعد الحلق أو التقصير ختامًا للعمرة، وبه يتحلل المُعتمر من الإحرام. ويجب حلق جميع الرأس أو تقصير جميعه للرجال، أما النساء فيُشرع لهن تقصير جزء يسير من أطراف شعورهن بقدر أنملة.

رابعاً: الفرق بين الأركان والواجبات

• الركن: لا تصح العمرة بدونه، ولا يُجبر بدم، ولا يُجزئ تركه.

• الواجب: إذا تركه المسلم عمدًا أثم، وإن تركه نسيانًا أو جهلاً جبره بدم (ذبح شاة في الحرم وتوزيعها على فقرائه).

من واجبات العمرة التي ليست من الأركان:

• الإحرام من الميقات.

• التلبية عند الإحرام.

• اجتناب محظورات الإحرام.

• عدم تأخير الحلق أو التقصير عن موضعه.

خامساً: محظورات الإحرام

عند الإحرام للعمرة، يُمنع المُعتمر من أمور أصبحت محرّمة عليه حتى يتحلل من الإحرام، وتشمل:

• تغطية الرأس للرجال.

• لبس المخيط للرجال.

• قص الشعر أو الأظافر.

• التطيب بعد الإحرام.

• الجماع أو مقدماته.

• عقد النكاح أو المشاركة فيه.

• قتل الصيد البري.

ويترتب على ارتكاب هذه المحظورات فدية أو كفارة حسب نوع المحظور، وتفصيلها مذكور في كتب الفقه.

سادساً: ملخص بالأركان والشروط في جدول توضيحي

سابعاً: مسائل فقهية متعلقة بالعمرة

• تكرار العمرة في السفر الواحد: مختلف فيه، والأرجح كراهة الإكثار منها دون داعٍ شرعي.

• العمرة عن الغير: جائزة إذا اعتمر عن نفسه أولًا، ويُشترط أن يكون الغير ميتًا أو عاجزًا.

• أداء العمرة في رمضان: لها فضل خاص، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عمرة في رمضان تعدل حجة” (رواه البخاري).

• العمرة للمرأة الحائض: لا تؤدي الطواف حتى تطهر، أما الإحرام والسعي فممكنان بشرط الطهارة.

• عمرة الطفل: صحيحة ومقبولة، ويُثاب والده أو وليه على تعليمه وتأديبه على أدائها.

المراجع:

• ابن قدامة، المغني.

• النووي، المجموع شرح المهذب.