شروط الأضحية عن الميت

مقدمة

الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام التي يتقرب بها المسلمون إلى الله سبحانه وتعالى في أيام عيد الأضحى المبارك، وهي سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم لمن استطاع إليها سبيلاً. وقد وردت الأدلة الشرعية التي تبين مشروعيتها وفضلها العظيم في الكتاب والسنة، حيث قال الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، وأوردت الأحاديث النبوية الصحيحة التأكيد على الأضحية وفضلها. ومن بين المسائل التي يكثر السؤال عنها: حكم وشروط الأضحية عن الميت، وهي قضية لها أصل معتبر في الفقه الإسلامي، حيث يتفاوت الفقهاء في تفصيلها وشروطها وأحكامها.

مشروعية الأضحية عن الميت

الأضحية عن الميت مشروعة باتفاق جمهور الفقهاء، سواء أوصى بها الميت قبل وفاته أم لم يوصِ، ويُستدل لذلك بعدة أدلة شرعية وسياقات فقهية مستندة إلى فعل الصحابة رضوان الله عليهم.

الأدلة على مشروعية الأضحية عن الميت

1. فعل النبي صلى الله عليه وسلم: روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، قال في أحدهما: “اللهم هذا عن محمد وآل محمد”، وفي الآخر: “اللهم هذا عمن لم يُضحِ من أمتي”، وهذا يدل على جواز الأضحية عن الغير، سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا.

2. عمل الصحابة: ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وقد واظب على ذلك لسنوات عديدة. وقد قال: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أُضحي عنه”.

3. القياس على الصدقة: اتفق الفقهاء على أن الصدقة عن الميت تصل إليه وتنفعه، وبما أن الأضحية نوع من القربات المالية المشروعة، فهي تقاس على الصدقة في جواز إهداء ثوابها للميت.

أنواع الأضحية عن الميت

1. الأضحية التي أوصى بها الميت

إذا أوصى الميت قبل وفاته أن يُضحى عنه من ماله، وجب على الورثة تنفيذ وصيته في حدود ثلث ماله وفقًا للضوابط الشرعية. ويُعتبر تنفيذ هذه الوصية واجبًا شرعيًا لأن الوصايا من الحقوق التي يجب قضاؤها بعد الوفاة.

2. الأضحية التي تُذبح تبرعًا عن الميت

إذا لم يوصِ الميت بالأضحية، فله أن يُضحى عنه تطوعًا وبدون إلزام، ويصل إليه ثوابها بإجماع كثير من أهل العلم، سواء ذُبحت من مال الحي أو من مال خاص خصصه لذلك.

3. الأضحية المشتركة بين الأحياء والأموات

يجوز أن يشرك المسلم في أضحيته أحياءً وأمواتًا من أقاربه وأحبائه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشرك أهل بيته في أضحيته.

شروط الأضحية عن الميت

عند تقديم الأضحية عن الميت، يجب الالتزام بشروط أساسية تتوافق مع شروط الأضحية عامة، بالإضافة إلى شروط تتعلق بكونها عن الميت على وجه الخصوص.

أولاً: شروط تتعلق بالأضحية نفسها

1. بلوغ السن المعتبر شرعًا: يجب أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وتكون قد بلغت السن المحددة: ستة أشهر للضأن، وسنة للماعز، وسنتان للبقر، وخمس سنوات للإبل.

2. السلامة من العيوب: يجب أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة مثل العرج البين، أو العور البين، أو المرض الواضح، أو الهزال الشديد.

3. ذبحها في الوقت المشروع: لا بد أن يتم ذبح الأضحية بعد صلاة العيد وحتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

4. أن تكون النية خالصة لله تعالى: يشترط أن تكون النية خالصة لوجه الله تعالى، سواء في حال الأضحية عن الحي أو عن الميت.

ثانيًا: شروط خاصة بالأضحية عن الميت

1. أن يكون الذابح من أقارب الميت أو من محبيه: لا يشترط أن يكون الذابح قريبًا للميت، لكن الأفضل أن يكون من أهل الميت مثل الأبناء أو الأحفاد أو الزوجة، لأن ذلك أكثر برًا به.

2. أن تكون الأضحية مما يجوز إهداء ثوابه للميت: الفقهاء أجمعوا على أن العبادات المالية مثل الصدقة والأضحية والحج يجوز إهداء ثوابها للميت.

3. إذا كانت بوصية فلا تتجاوز ثلث المال: عند تنفيذ الوصية، يجب ألا تتجاوز تكلفة الأضحية ثلث مال الميت، إلا إذا أذن الورثة بالزيادة.

4. أن يكون القصد منها التصدق بلحمها: يستحب أن يتم توزيع لحم الأضحية على الفقراء والمساكين، وهو الأصل في القربات المالية عن الميت.

ثالثًا: النية في الأضحية عن الميت

النية في العبادات شرط لصحتها، وعند ذبح الأضحية عن الميت يجب أن ينوي المضحي عند الذبح أن تكون الأضحية عن الميت المحدد، كأن يقول: “اللهم هذه عن فلان”، مع إمكانية الجمع في النية بين الأحياء والأموات.

أحكام متعلقة بالأضحية عن الميت

حكم أكل المضحي من أضحية الميت

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز للمضحي أن يأكل من أضحيته التي يذبحها عن الميت، كما يجوز له أن يتصدق منها وأن يهدي منها للآخرين. وهذا مستند إلى عموم الأدلة التي أباحت الأكل من الأضحية ولم تفرق بين الأضحية عن الحي أو عن الميت.

حكم توزيع لحم الأضحية عن الميت

يفضل أن يُوزع معظم لحم الأضحية عن الميت على الفقراء والمساكين، ويجوز أن يأكل منها المضحي وأهل بيته، ويجوز كذلك إهداء جزء منها للأقارب والجيران.

هل يلزم إخراج الأضحية من مال الميت؟

إذا كان الميت قد أوصى بالأضحية، فيجب أن تكون من ماله في حدود الثلث. أما إذا لم يوصِ، فيجوز أن تكون من مال المتبرع دون أي إلزام مالي على الورثة.

جواز تكرار الأضحية عن الميت

يجوز للإنسان أن يضحي عن الميت كل عام إذا أراد ذلك تبرعًا، وليس هناك ما يمنع من تكرار الأضحية سنويًا عن نفس الشخص، سواء كان أبًا أو أمًا أو غيرهما من الأقارب.

خلاف الفقهاء حول مشروعية الأضحية عن الميت

بينما يرى جمهور العلماء جواز الأضحية عن الميت، إلا أن بعض العلماء من المالكية تحفظوا على ذلك، فذهبوا إلى أن الأضحية عن الميت من غير وصية غير مشروعة لأنها عبادة بدنية ومالية، وقاسوها على الصلاة التي لا تصح عن الغير. لكن هذا القول ضعيف في مقابل الأدلة المتكاثرة التي تدل على مشروعية الأضحية عن الميت وورودها في فعل السلف الصالح.

الأضحية المشتركة وأحكامها

في حالات كثيرة، يختار المسلم أن يشرك في أضحيته عددًا من الأشخاص الأحياء والأموات، وهذا جائز شرعًا، بشرط أن لا يتجاوز العدد المسموح به شرعًا في أنواع الأنعام المختلفة.

يجوز للمضحي أن يشرك في الأضحية عن نفسه وعن والديه المتوفيين مثلًا أو عن جده وجدته، مع نية شمول الجميع في الثواب.

فوائد الأضحية عن الميت

• إهداء الثواب للميت: الأضحية تصل إلى الميت وتكون صدقة جارية له ترفع درجته وتخفف عنه.

• إحياء السنن: القيام بالأضحية عن الميت من السنن التي أحياها الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

• تقوية الروابط الأسرية: قيام الأبناء بالأضحية عن آبائهم وأمهاتهم المتوفين يُعد من البر بعد الوفاة ويُؤجرون عليه.

• توسيع النفع: توزيع لحم الأضحية عن الميت على الفقراء والمحتاجين يحقق مصلحة عامة ويدخل السرور على قلوب المسلمين.

خلاصة الأحكام

المراجع

• كتاب “المجموع” للإمام النووي

• كتاب “المغني” لابن قدامة