ماذا تفعل الأم عندما يخرجها الأبناء عن شعورها؟

إن الأمومة ليست فقط مهمة تربوية أو واجباً اجتماعياً، بل هي مهمة نفسية وإنسانية عميقة تتطلب جهداً هائلاً على مستويات متعددة، تبدأ بالعطاء الفيزيائي ولا تنتهي عند العطاء العاطفي. ومع هذا العبء المستمر الذي تحمله الأم على عاتقها، قد تمر بلحظات من التوتر والانفعال، خصوصاً عندما يُخرجها أبناؤها عن شعورها، سواءً بسبب سلوكيات مزعجة، أو تمردهم المتكرر، أو عدم احترامهم لقواعد البيت. في مثل هذه الحالات، قد تجد الأم نفسها في صراع داخلي بين الحفاظ على ضبط النفس وبين الغضب ورد الفعل الانفعالي.

طبيعة الضغط النفسي الذي تعانيه الأم

الأم تعيش في قلب منظومة مليئة بالمطالب اليومية، من رعاية الأبناء وتربيتهم، إلى الأعمال المنزلية، وربما الوظيفة خارج البيت. جميع هذه الواجبات تتطلب منها جهداً نفسياً متواصلاً. وعندما تخرج الأمور عن السيطرة، وخصوصاً عندما يُسيء الأبناء التصرف أو يتكرر تمردهم، فإن الأم تُدفع إلى أقصى حدود قدرتها على الاحتمال، مما يؤدي بها إلى فقدان السيطرة على أعصابها أو الانفجار العاطفي.

تُظهر دراسات علم النفس أن تعرض الإنسان المستمر للضغط النفسي يحد من قدرته على التنظيم الانفعالي، ويجعله أكثر عرضة للغضب وردود الفعل الحادة. وبالنسبة للأم، التي كثيراً ما تخضع لتوقعات عالية من المجتمع والأسرة في آن، فإن هذا الضغط يزداد أضعافاً مضاعفة، خاصة إذا لم تحظَ بالدعم العاطفي أو بالمساندة اليومية.

الأسباب الشائعة التي تجعل الأبناء يخرجون الأم عن شعورها

1. العناد المتكرر وعدم الطاعة: من أكثر السلوكيات التي تؤثر على نفسية الأم، فالعناد المستمر يعكس تحدياً لسلطتها وجهودها التربوية.

2. التمرد اللفظي أو العدواني: خاصة في فترة المراهقة، حيث يتغير سلوك الأبناء ويظهرون نوعاً من الاستقلالية المصحوبة بالتمرد، مما يضع الأم في مواجهة مباشرة مع رفضهم المتكرر لتوجيهاتها.

3. الإهمال أو التسيب في الدراسة أو الواجبات: وهو أمر يؤثر على مشاعر الأم لأنها ترى في ذلك تقليلاً من قيمة تعبها وجهودها المستمرة في توفير البيئة التعليمية المناسبة.

4. التصرفات الفوضوية أو عدم المبالاة: مثل الإهمال في النظافة الشخصية أو في ترتيب الغرفة، مما يضيف عبئاً إضافياً على الأم.

5. السخرية أو تقليدها بطريقة غير محترمة: وهو سلوك قد يدفع الأم إلى الغضب لأنه يمس كرامتها ويهزّ صورتها أمام أبنائها.

الآثار النفسية لفقدان السيطرة على النفس

عندما تفقد الأم أعصابها أمام أبنائها، فإنها لا تؤذي فقط علاقتها بهم في تلك اللحظة، بل تخلق شرخاً عاطفياً يمكن أن يترك أثراً طويل الأمد في نفوس الأطفال. وقد يشعر الأبناء بالخوف أو الحزن أو حتى الكراهية المؤقتة تجاه الأم، بينما قد تُصاب هي نفسها بالندم العميق، مما يزيد من مشاعر الذنب والاحتراق النفسي.

تشير الأبحاث النفسية إلى أن الانفجارات العاطفية المتكررة تؤدي إلى اضطراب التفاعل الأسري، وتفقد الأم سلطتها التربوية تدريجياً، حيث يتعوّد الأبناء على ردّات فعلها الانفعالية ويكفّون عن الاستجابة لها بجدية.

كيف يمكن للأم أن تدير مشاعرها في لحظات الانفعال؟

1. التوقف المؤقت (Pause)

أول خطوة مهمة هي أن تدرك الأم علامات الانفعال الأولى، مثل تسارع ضربات القلب، أو ارتفاع نبرة الصوت، أو الشعور بالاختناق العاطفي. في هذه اللحظة، من الأفضل أن تأخذ لحظة توقف قصيرة قبل أن ترد، وتغادر المكان إن لزم الأمر، حتى تعيد تنظيم مشاعرها وتتنفس بعمق.

2. التفريغ العاطفي الإيجابي

بدلاً من الانفجار في وجه الأبناء، يمكن للأم أن تختار الكتابة، أو ممارسة بعض الرياضة الخفيفة، أو حتى الحديث مع شخص مقرب للتنفيس عن مشاعرها. هذه الأساليب تساعد في امتصاص الضغط النفسي وتقليل حدة الغضب.

3. استخدام أسلوب “أنا أشعر”

في التواصل مع الأبناء، يُفضل أن تستخدم الأم تعبيرات تبدأ بضمير المتكلم، مثل: “أنا أشعر بالغضب عندما أراك تتجاهل ما أقوله”، بدلاً من: “أنت لا تسمع الكلام”. هذا الأسلوب يقلل من حدة الاتهام ويزيد من فاعلية التواصل.

4. تطبيق مبدأ الانضباط الإيجابي

عوضاً عن العقاب الفوري الغاضب، يمكن للأم أن تعتمد على مبدأ العواقب المنطقية: “لأنك لم تذاكر، لن تخرج للعب اليوم”. هذا النمط من التربية يحفظ الهيبة والاحترام دون الدخول في مواجهات عنيفة.

5. التقييم الذاتي المستمر

من المهم أن تعيد الأم تقييم تصرفاتها بعد كل موقف انفعالي. هل كان هناك بديل أفضل؟ هل كانت هناك طريقة أكثر هدوءاً للتعامل؟ هذه المراجعة المستمرة ترفع من وعيها التربوي وتُحسّن من أدائها مستقبلاً.

أهمية الدعم الأسري والمجتمعي للأم

لا يمكن للأم أن تؤدي دورها التربوي بفاعلية في ظل عزلة نفسية واجتماعية. من الضروري أن تتلقى دعماً من الزوج، ومن الأسرة الممتدة، ومن المجتمع، سواء عبر المساندة العملية في تربية الأبناء، أو عبر تقديم الدعم العاطفي والنفسي.

تُظهر دراسات علم النفس الأسري أن الأمهات اللاتي يحصلن على دعم معنوي مستمر من الأزواج أو الأصدقاء، يكنّ أكثر قدرة على التحكم في مشاعرهن خلال التوتر، وأقل عرضة للانفجارات الانفعالية.

جدول: استراتيجيات التحكم في الغضب لدى الأمهات

التأثيرات الإيجابية لضبط النفس عند الأم

عندما تتعلم الأم فنون التحكم في الغضب وإدارة المشاعر، فإنها لا تحمي فقط توازنها النفسي، بل تبني نموذجاً قوياً أمام أبنائها في كيفية التعامل مع الضغوط والمواقف الصعبة. هذا النموذج التربوي الإيجابي يعزز من تطور الطفل النفسي والاجتماعي، ويخلق بيئة أسرية صحية يسودها الحب والاحترام المتبادل.

وتُشير الأبحاث التربوية إلى أن الأبناء الذين ينشؤون في بيئة يسودها الاستقرار العاطفي والانضباط الإيجابي يكونون أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم، وتكون لديهم مستويات أعلى من الذكاء العاطفي.

خاتمة

إن إخراج الأبناء للأم عن شعورها لا يعني أنها فشلت، بل هو جزء طبيعي من الديناميكية الأسرية التي تتطلب جهداً مستمراً وفنوناً تربوية متجددة. المهم أن تعي الأم هذه اللحظات وتتعامل معها بوعي وانضباط، فكل لحظة انفعال هي فرصة لبناء الذات والنمو التربوي، لا مناسبة للهدم والانكسار.

المصادر:

1. Siegel, D. J., & Bryson, T. P. (2011). The Whole-Brain Child. Bantam Books.

2. Gottman, J. M. (1997). Raising An Emotionally Intelligent Child. Simon & Schuster.