“الجيل المدان: سيرة ذاتية” للكاتب منصور الأطرش يقف عتبة تاريخية تتجاوز حدود الذاكرة الفردية، فهو ليس مجرد سيرة ذاتية تروي قصة حياة شخصية سياسية، بل هو نافذة تفتح على تحولات جذرية في الوعي الجماعي والتحولات الفكرية التي شهدتها المجتمعات في فترات زمنية محددة. يرصد الكتاب بأسلوبٍ روائيّ متميز، تجربة جيل متأرجح بين ماضٍ مؤلم وحاضر مربك، محاولاً فهم وتفكيك أسباب التغيّرات والتبدّلات التي شهدتها المجتمعات خلال فترة معينة.
عندما يتناول الكتاب قضية الاستعمار، فإنه لا يقتصر على تصوير أحداث التاريخ بل يسلط الضوء على العواطف والتفاعلات الإنسانية التي خلقتها هذه الظاهرة السياسية الهامة. فهو يرصد تحولات العلاقة بين الشعوب والاستعمار، من المواقف القوية والمقاومة، إلى مرحلة الانكسار والتوافق، حيث تحولت العداءات إلى صداقات استراتيجية والمواقف القومية إلى مصالح شخصية ونفوذ سياسي.
تأتي قيمة الكتاب أيضًا من قدرته على تجسيد الروح الزمنية للحقبة التي عاشها الكاتب، حيث يتخلل سرد الأحداث تحليلات عميقة وملاحظات حادة تكشف عن تفاعلات الأفراد مع الأحداث الكبرى في تلك الحقبة، مما يمنح القارئ فهمًا أعمق للسياق التاريخي والثقافي الذي أثّر في شخصيات الفترة.
ومع استعراض الصفحات الخمسمئة للكتاب، يتبيّن للقارئ أنه ليس مجرد سيرة ذاتية تروي قصة حياة فردٍ معين، بل هو عمل يحمل قيمة تاريخية وسياسية تتعدى حدود الزمان والمكان، فهو ينسجم مع مواضيع متعددة تتعلق بالهوية الوطنية، والعلاقات الدولية، والمصالح السياسية، مما يجعله مرجعًا مهمًا لمن يهتم بدراسة تاريخ وسير الشخصيات السياسية وتأثيرها على المجتمعات.
وتتجلى قيمة الكتاب في الوقت الذي يعيش فيه العالم تحولاتٍ سريعة، حيث يقدم للقارئ دروسًا قيمة وتحليلات عميقة تساعده في فهم ديناميكيات العلاقات الدولية وتأثير القوى السياسية على مسارات التاريخ.