سيدنا عيسى عليه السلام: معجزات ورسالة

سيدنا عيسى عليه السلام: النبي الكريم في الإسلام

يُعتبر سيدنا عيسى عليه السلام واحدًا من أعظم الأنبياء في الإسلام، بل هو من أولي العزم من الرسل، الذين اختصهم الله تعالى بمهمة عظيمة، وهي هداية الناس إلى عبادة الله وحده، وتبليغ رسالته. يختلف الموقف من سيدنا عيسى في الإسلام عن غيره من الديانات الأخرى، فهو في نظر المسلمين ليس ابن الله كما يعتقد المسيحيون، بل هو نبي ورسول من عند الله، أُرسل إلى بني إسرائيل ليُهديهم إلى صراط الله المستقيم.

1. مولده ومعجزاته

وُلد سيدنا عيسى عليه السلام في مدينة بيت لحم، وكان مولده معجزة بحد ذاته، حيث ولدته والدته السيدة مريم العذراء من دون أن يكون لها زوج. وقد بيّن القرآن الكريم في سورة آل عمران وسورة مريم تفاصيل ميلاده، وكيف كانت السيدة مريم تحمل به في بطنها، وقد حدث ذلك بعد أن بشّرها جبريل عليه السلام بأنها ستنجب مولودًا طاهرًا رغم أنها كانت عذراء.

حين ولدت مريم ابنها عيسى، كانت معجزة جديدة قد تحققت، حيث حدثت جملة من الأمور الغريبة التي أظهرت أن عيسى ليس مجرد طفل عادي. فقد نطَقَ عيسى وهو في مهده، ليُعلن للعالمين أنه عبد الله ورسوله، فقال: “إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا” (سورة مريم: 30).

كما أيد الله عيسى عليه السلام بعدد من المعجزات الباهرة التي لم تحدث لنبي آخر، فكان يشفي المرضى ويُحيي الموتى بإذن الله، ويصنع من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طائرًا بإذن الله، وهذه كلها كانت آيات عظيمة تدل على صدق رسالته، وتأكيدًا على قوة الله وقدرته.

2. الرسالة التي حملها عيسى عليه السلام

كانت رسالة سيدنا عيسى عليه السلام هي دعوة بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده، وترك ما كانوا يعبدونه من آلهة باطلة. كان عيسى عليه السلام يكرّر على قومه دعوة التوحيد ويحثهم على التوبة، ولكنهم لم يستجيبوا له على النحو المطلوب. ولذلك، حاربه الكثيرون من أهل بني إسرائيل الذين كانوا قد تعوّدوا على الأوضاع الدينية والاجتماعية التي كانت تحكمهم آنذاك.

عيسى عليه السلام، مثل باقي الأنبياء، كان يدعو إلى الفضائل والمبادئ السامية كالتسامح، والرحمة، والصبر. وكان يعظ الناس بأهمية السلام الداخلي، والتقوى، والابتعاد عن المعاصي والذنوب، وتجنب الانغماس في المادة، والنفاق، والمظاهر.

3. الآيات التي أيده الله بها

أيد الله عيسى عليه السلام بعدد من الآيات والمعجزات التي جعلت منه نبيًا ذا شأن عظيم. فكان عيسى يشفي المرضى، ويُحيي الموتى، ويُظهر براهين مدهشة تدل على صدق رسالته. فقد جاء في القرآن الكريم: “إني أُشفي المرضى وأُحيي الموتى بإذن الله وأُنَبِّئُكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم” (آل عمران: 49).

ومن أبرز معجزات عيسى عليه السلام:

• إحياء الموتى: كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بإذن الله، وهذا من أعظم المعجزات التي كانت تحدث أمام أعين الناس.

• شفاء الأعمى: كان يشفى الأعمى من خلال لمسة أو دعوة، وهو ما جعله محط إعجاب الكثيرين.

• الطير من الطين: صنع من الطين كهيئة طير ثم نفخ فيه فصار طيرًا حقيقيًا بإذن الله.

كل هذه المعجزات كانت بمثابة دلائل على قوة الله عز وجل، وكانت تميز عيسى عليه السلام عن باقي الأنبياء الذين أُرسلوا إلى أقوامهم.

4. الاختلاف في حياة عيسى عليه السلام في الإسلام والمسيحية

يعدّ أحد أكبر الفوارق بين الإسلام والمسيحية هو موقف كلّ منهما من شخصية سيدنا عيسى عليه السلام. في حين يُعتبر عيسى في المسيحية “ابن الله” ويعتقدون في صلبه وموته على الصليب من أجل فداء البشرية، يُحترم في الإسلام كرسول من عند الله، وأنه بُعث هدايةً لبني إسرائيل.

القرآن الكريم ينفي تمامًا أي ادعاء بأن عيسى عليه السلام كان ابن الله أو إلهًا، بل يُؤكد أن الله هو الواحد الأحد الذي لا شريك له، وأن عيسى هو عبد الله ورسوله. وفي القرآن الكريم، في سورة النساء (157-158)، يتحدث عن صلب عيسى ويؤكد أن الله رفعه إليه وأن الذين ظنوا أنهم صلبوه لم يكن ذلك.

يقول القرآن: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَىٰ ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ” (النساء: 157).

5. رفع عيسى عليه السلام إلى السماء

يُعتبر رفع سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء إحدى المعجزات الكبرى التي حدثت في حياته، والتي تم ذكرها في القرآن الكريم. يُقال أن عيسى عليه السلام كان في مرحلة من مراحل دعوته في حوار مع أتباعه، وقد أُمر من الله تعالى أن يرفع إلى السماء حيًا. وقد ورد ذلك في سورة آل عمران: “إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ” (آل عمران: 55).

وفيما يعتقد المسلمون أن عيسى عليه السلام قد رُفع حيًا إلى السماء، فإنهم يؤمنون أنه سيعود في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ليُحارب الدجال ويُعزّ الإسلام.

6. عودة عيسى عليه السلام في آخر الزمان

الإيمان بعودة عيسى عليه السلام في آخر الزمان هو جزء أساسي من عقيدة المسلمين، فهو أحد علامات الساعة الكبرى التي يترقبها المسلمون. وتحدثت الأحاديث النبوية عن مجيء عيسى عليه السلام في آخر الزمان ليكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويُقيم العدل في الأرض بعد أن يسود الفساد والظلم.

وفقا لهذه الأحاديث، فإن عيسى سيظهر في الشام، في دمشق تحديدًا، عند منارة في شرقيها. وستكون عودته في وقت يسيطر فيه الدجال على معظم الأرض، ليكون عيسى عليه السلام هو من يقتله ويقضي على شره. بعد ذلك، سيعيش عيسى حياة طويلة مليئة بالسلام، ويحكم بين الناس بالعدل، ثم يموت طبيعيًا بعد أن يُقيم الأمة الإسلامية.

7. الخاتمة

سيدنا عيسى عليه السلام هو نبي من أنبياء الله العظام، وقد خصه الله بالكثير من المعجزات التي دلت على صدقه وصدق رسالته. كان عيسى عليه السلام رمزًا للرحمة، والعدل، والمساواة، ونشأ في بيئة من الاضطهاد والمكافحة، ولكنه استطاع أن ينشر رسالة التوحيد بين الناس. قد تختلف الآراء حول شخصيته بين الأديان، لكن مكانته في الإسلام تبقى ثابتة كأحد أعظم الرسل الذين بعثهم الله تعالى لهداية الناس.