سنن الصلاة القولية والفعلية
تعتبر الصلاة من أعظم عبادات المسلم وأهمها في الإسلام. وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده في مكة المكرمة في ليلة الإسراء والمعراج. وتتميز الصلاة بمكانتها العظيمة في الشريعة الإسلامية، وتعد الوسيلة الأكثر قرباً إلى الله تعالى. ومن خلال الصلاة، يحقق المسلم التواصل الروحي مع ربه ويشعر بالقرب منه.
لكن الصلاة ليست مجرد أركان وأفعال يؤديها المسلم بشكل آلي، بل تحتوي على الكثير من السنن التي تزيد من أجر الصلاة وتُحسن من خشوع المصلي. سنن الصلاة تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما: السنن القولية والسنن الفعلية. في هذا المقال سنتناول هذه السنن بالتفصيل، مع شرح كيفية أدائها وأهميتها في تحسين الصلاة.
تعريف سنن الصلاة
السنن في الصلاة هي الأمور التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل، وهي غير واجبة ولكنها مرغوب فيها، فمن التزم بها كان له أجر عظيم. ويجب على المسلم أن يؤدي هذه السنن على الوجه الصحيح ليحصل على الثواب الكامل للصلاة، وإن كان تركها لا يؤثر على صحة الصلاة نفسها.
يمكن تقسيم السنن القولية والفعلية في الصلاة إلى فئات متعددة تبعاً للوقت والمكان والكيفية التي تؤدى بها.
أولاً: السنن القولية في الصلاة
السنن القولية هي الكلمات والأدعية التي يرددها المسلم أثناء الصلاة، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع في الصلاة. هذه السنن تساعد في زيادة خشوع المصلي وتقوي من تواصل القلب مع الله سبحانه وتعالى. ومن أهم السنن القولية ما يلي:
1. التكبيرات
عند بدء الصلاة، يُستحب للمصلي أن يقول “الله أكبر” في بداية الصلاة. هذه التكبيرة هي بداية عبادة عظيمة، حيث يُظهر المصلي بترديدها تسليم الأمر لله تعالى واعترافه بقدرة الله وعظمته. وتعد تكبيرة الإحرام (أول تكبيرة) من أهم السنن القولية التي لا تكتمل الصلاة إلا بها.
2. دعاء الاستفتاح
بعد تكبيرة الإحرام، يُستحب أن يقول المصلي دعاء الاستفتاح، وهو دعاء يبدأ به الصلاة ليطلب من الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد. من أشهر أدعية الاستفتاح:
-
“اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب.”
-
“سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك.”
يُستحب للمصلي أن يختار أحد هذه الأدعية أو غيرها من الأدعية الواردة في السنة.
3. التسبيح في الركوع
عندما يركع المصلي، يُستحب أن يقول “سبحان ربي العظيم” ثلاث مرات أو أكثر، ويُعتبر هذا التسبيح من سنن الصلاة القولية التي تعبر عن الخضوع والذل لله تعالى. ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أما الركوع فعظموا فيه الرب.”
4. التسبيح في السجود
بعد الركوع، يسجد المصلي في الصلاة، ويُستحب له أن يقول “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات أو أكثر. السجود هو أقرب موضع يَكون فيه العبد إلى ربه، ويُستحب الإكثار من الدعاء والتسبيح في هذه اللحظة.
5. التشهد
التشهد هو الجزء الذي يذكر فيه المصلي اسم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويُستحب أن يقول المسلم في التشهد الأول: “التحيات لله والصلوات والطَيِّبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.” ثم يُكمل بالتحيات في التشهد الأخير بعد الركعتين الأخيرتين.
6. الدعاء بعد التشهد الأخير
بعد التشهد الأخير وقبل التسليم، يُستحب للمصلي أن يدعو بما شاء من الدعاء، سواء كان دعاءً شخصياً أو دعاءً مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم. من الأدعية المستحبة: “اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال.”
7. التسليم
في نهاية الصلاة، يُستحب أن يُسلم المصلي عن يمينه وشماله، قائلاً: “السلام عليكم ورحمة الله” في كل اتجاه، وهذا من سنن الصلاة التي تعلمناها من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: السنن الفعلية في الصلاة
السنن الفعلية هي الأفعال التي يُستحب للمصلي أن يؤديها خلال الصلاة، وهي تساهم في زيادة الخشوع وتعميق التواصل مع الله سبحانه وتعالى. ومن أهم السنن الفعلية التي يُستحب للمسلم أن يؤديها في الصلاة ما يلي:
1. رفع اليدين في بداية الصلاة
قبل التكبيرة الأولى (تكبيرة الإحرام)، يُستحب للمصلي أن يرفع يديه مع التكبير، وهذه السنة تكون في بداية الصلاة فقط. ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه.”
2. وضع اليدين على الصدر في القيام
بعد رفع اليدين في التكبيرة الأولى، يُستحب أن يضع المصلي يديه على صدره أثناء القيام في الصلاة. يُعتبر هذا الفعل من السنن الثابتة في الصلاة.
3. الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة
قبل أن يقرأ المصلي سورة الفاتحة في كل ركعة، يُستحب له أن يقول “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، وذلك طلباً للحماية من وساوس الشيطان. ويُستحب أيضًا أن يقال: “بسم الله الرحمن الرحيم” قبل البدء بقراءة الفاتحة.
4. إتمام الصلاة بخشوع
من السنن الفعلية الهامة التي تجلب الثواب في الصلاة هي الإكثار من الخشوع أثناء الصلاة. يجب على المسلم أن يُحسن الوقوف والركوع والسجود، وأن يكون قلبه مع الله في كل لحظة.
5. السكون بين الأركان
من السنة في الصلاة أن يسكن المصلي بين الأركان، سواء بين القيام والركوع أو بين السجود. وهذا السكون يساعد على استحضار النية والطمأنينة في الصلاة.
6. الترتيب بين الأركان
يُستحب الالتزام بالترتيب بين الأركان في الصلاة، سواء في السجود أو الركوع أو القيام. فالسنة على المصلي أن يؤدي كل ركن في الوقت المناسب دون التسرع.
7. الاعتدال في السجود
في السجود، يُستحب أن يكون المصلي في وضع الاستسلام الكامل لله تعالى، بحيث تلامس الجبهة الأرض بشكل كامل مع سائر أعضاء السجود: اليدين والركبتين وأصابع القدمين.
أهمية السنن في الصلاة
السنن القولية والفعلية في الصلاة لها أهمية كبيرة في تقوية الصلاة وإثرائها. فهي تزيد من خشوع المصلي وتعمق تواصله مع الله. كما أن اتباع سنن الصلاة يعتبر من أسباب مضاعفة الأجر والثواب، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صلى كما صليت، فقد أفلح.”
إضافة إلى ذلك، فإن السنن تساعد في حفظ صلاة المسلم من الأخطاء وتحسين أدائها، حيث إن التزام المسلم بها يؤدي إلى شعور بالسكينة والطمأنينة أثناء الصلاة، مما يجعلها أكثر تأثيراً في القلب ويزيد من الإحساس بالروحانية.
الخاتمة
تعتبر سنن الصلاة القولية والفعلية من أهم ما يمكن أن يساهم في زيادة الإحساس الروحي والتقوى عند المسلم. من خلال الالتزام بها، يتحقق المسلم على أفضل وجه من التواصل مع الله سبحانه وتعالى، مما يجعل الصلاة أكثر عمقاً وأثرًا في حياته.
