الفقه الأكبر: دراسة في أصول العقيدة والفكر الإسلامي
كتاب “الفقه الأكبر” هو من الكتب التي تمتاز بأهمية تاريخية وفكرية كبيرة في تاريخ الفقه والعقيدة الإسلامية. يُعزى هذا الكتاب إلى الإمام أبي حنيفة النعمان، مؤسس المذهب الحنفي، وهو كتاب يعد من أقدم الكتب التي تناولت أصول العقيدة الإسلامية في شكل مفصل وواضح، وقد أصبح مرجعية أساسية لفهم الأسس الفكرية للمذهب الحنفي. يتناول الكتاب مجموعة من القضايا العقدية والفقهية التي تمثل أساسيات الإيمان الصحيح في الإسلام.
الإمام أبو حنيفة وتاريخ الكتاب
الفقه الأكبر هو عمل فكري عقدي، يعكس رؤية الإمام أبي حنيفة حول كيفية فهم وتطبيق أصول العقيدة الإسلامية. وُلد أبو حنيفة في الكوفة بالعراق في عام 80 هـ وتوفي في عام 150 هـ، وعاش في فترة كانت الأمة الإسلامية تشهد تطورات كبيرة على مختلف الأصعدة، سواء في الفقه أو العقيدة أو السياسة. وكان من أبرز العلماء الذين ساهموا في وضع أسس الفقه الإسلامي، حيث تميز فكره بالمرونة والعقلانية.
تُعتبر مؤلفات أبو حنيفة من أبرز الأعمال التي ساعدت في تشكيل الفقه الإسلامي، خاصة في ما يتعلق بأصول الفقه وفهم العقيدة. ورغم أن معظم أعماله الفقهية لم تُدوّن بشكل مباشر من قبل الإمام نفسه، إلا أن تلاميذه قد اهتموا بتسجيل وتعليم فكره.
الفقه الأكبر: مضمون الكتاب
الفقه الأكبر هو كتاب يشتمل على بيان أصول العقيدة الإسلامية من وجهة نظر الإمام أبي حنيفة. يهدف الكتاب إلى تقديم رؤية واضحة لما يجب على المسلم أن يؤمن به ويعتنقه في مسألة الإيمان، مشدداً على العقيدة الصحيحة التي يتوجب على المسلم اتباعها بعيدًا عن الغلو والبدع. كما يحتوي الكتاب على جملة من المسائل العقدية التي تهم المسلم في فهم علاقته مع الله سبحانه وتعالى، مثل التوحيد، والنبوة، والآخرة، والعدل الإلهي، وغيرها من القضايا الأساسية التي تشكل الإيمان الإسلامي.
مفهوم التوحيد في الفقه الأكبر
يعتبر التوحيد من أبرز القضايا التي يعالجها “الفقه الأكبر”، حيث يشدد الإمام أبي حنيفة في هذا الكتاب على توحيد الله سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله. فيعتقد الإمام أن التوحيد في الإسلام يتطلب الإيمان بأن الله تعالى واحد في ذاته، لا شريك له في ملكه ولا في عبادته. كما يرفض الإمام فكرة التشبيه والتجسيم التي كانت قد ظهرت في بعض الفرق الدينية في ذلك الوقت.
وفي الكتاب، ينبه الإمام أبي حنيفة المسلمين إلى ضرورة تجنب الاعتقاد في صفات الله بما لا يليق بجلاله، حيث يُصر على أن صفات الله هي صفات قدسية لا تُقاس بما نعرفه من الصفات البشرية. يتضح من خلال هذا المنظور كيف أن التوحيد عند الإمام أبي حنيفة يشمل توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
مسألة النبوة والمعجزات
في “الفقه الأكبر”، يعرض الإمام أبي حنيفة أيضًا موقفه من النبوة والمعجزات. يؤكد الإمام على ضرورة الإيمان بجميع الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى هداية للبشرية، بدءًا من آدم عليه السلام وصولًا إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. ويركز الإمام على ضرورة احترام مقام النبوة، حيث ينوه إلى أن الأنبياء كانوا معصومين من الخطأ في تبليغ رسالة الله، وأن معجزاتهم هي من عند الله تعالى.
ومن أهم ما يطرحه الإمام في هذا المجال هو أن المعجزات التي جرت على يد الأنبياء هي دلالة على صدقهم في الرسالة، ولا يُقاس عليها إلا الأمور التي تتناسب مع المقام الرباني الذي يعطى لهم. بذلك يعزز الإمام أبي حنيفة المفهوم الإسلامي للنبوة على أنها ليست مجرد تصرفات خارقة، بل هي جزء من حكمة الله في إرسال البشر برسالات تهديهم إلى الحق.
العقيدة في الآخرة
مسألة الإيمان بالآخرة تُعد أيضًا من المسائل التي يُركز عليها الإمام أبي حنيفة في كتابه “الفقه الأكبر”. يشدد على أهمية الإيمان باليوم الآخر، ويُبين حقيقة الحساب في القبر وفي الآخرة. يعتقد الإمام أن المسلم يجب أن يعتقد أن هناك حياة بعد الموت، وأن الله سيحاسب الجميع على أعمالهم في الدنيا سواء كانت خيرًا أو شرًا.
ويتناول الإمام في هذا السياق مفهوم الجنة والنار، حيث يؤكد على أن الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين الصادقين، بينما النار هي العقاب الأبدي للمكذبين والمشركين. يتناول الكتاب أيضًا مسألة الحساب والميزان، ويُشدد على أن الله هو العادل المطلق الذي لا يظلم أحدًا.
أثر الفقه الأكبر على الفقه الحنفي
كان لكتاب “الفقه الأكبر” أثر كبير في تشكيل ملامح الفقه الحنفي. يعتبر الكتاب من أولى المحاولات الجادة لتأسيس مجموعة من المبادئ العقدية الواضحة التي يمكن للمسلم اتباعها في حياته اليومية. وقد تم استخدام هذا الكتاب كمرجع أساسي في تحديد أصول العقيدة في المذهب الحنفي، وهو ما دفع العديد من العلماء الحنفية إلى التأكيد على أهمية هذا الكتاب في عملية بناء الفقه الإسلامي على أسس سليمة.
من خلال الكتاب، نجد أن الإمام أبو حنيفة قد وضع إطارًا فكريًا عقديًا يمتاز بالوسطية والاعتدال، حيث يجنب المسلمين الغلو والتطرف في مسائل العقيدة. كما أن الكتاب قد ساهم في نشر فكر التوحيد الخالص والإيمان الصادق بالله ورسله، بعيدًا عن الانحرافات التي قد تطرأ على الفكر الديني.
خاتمة
كتاب “الفقه الأكبر” يمثل مصدرًا هائلًا لفهم أسس العقيدة الإسلامية وفقًا للمذهب الحنفي. يعكس الفكر المعتدل للإمام أبي حنيفة ويقدم رؤية علمية وعقلانية لفهم العقيدة بطريقة منهجية تبتعد عن التعقيد وتؤكد على البساطة والوضوح. إن قراءة هذا الكتاب توفر للقراء فرصة عظيمة لفهم أصول الإيمان في الإسلام وفقًا لرؤية متوازنة تراعي العقل والنقل، وتشجع على الابتعاد عن التطرف والانحراف الفكري.
