سلوك العض عند الأطفال

الأطفال وأسباب العض: دراسة شاملة وعميقة

يُعدّ عض الأطفال من الظواهر السلوكية التي تثير قلق الآباء والمربين على حد سواء، إذ يمكن أن يكون هذا السلوك مزعجًا، وقد يسبب أذى جسديًا للأطفال الآخرين أو حتى لأشخاص بالغين في محيط الطفل. لكن لفهم أسباب هذا السلوك بشكل دقيق، يجب التعمق في عوامل متعددة نفسية، اجتماعية، ونمائية تؤثر على الطفل، وتساعد في تكوين هذه العادة. يتناول هذا المقال شرحًا موسعًا للأسباب الكامنة وراء عض الأطفال، وأنواع العض، وتأثيراتها، إضافة إلى طرق التعامل معها بفعالية من منظور علمي نفسي وتربوي.

طبيعة سلوك العض عند الأطفال

عض الأطفال هو سلوك عدواني يتمثل في استخدام الفم والأسنان للعض على جسم شخص آخر أو على أشياء معينة. هذا الفعل شائع بين الأطفال الصغار، خصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة بين عمر سنة إلى ثلاث سنوات. العض في هذه المرحلة يعدّ جزءًا من التفاعل الطبيعي مع البيئة، لكنه يتحول إلى مشكلة عندما يستمر أو يصبح متكررًا ويؤثر سلبًا على علاقات الطفل الاجتماعية.

في كثير من الأحيان، يُنظر إلى العض كوسيلة تواصل بدائية لدى الأطفال الذين لا يمتلكون بعد مهارات اللغة والتعبير الكامل عن مشاعرهم وأفكارهم. قد يعبر الطفل عن شعور بالغضب، أو الإحباط، أو القلق من خلال العض، أو حتى يستخدمه كأداة للفت الانتباه.

الأسباب النفسية والسلوكية للعض

1. التعبير عن المشاعر وعدم القدرة على التعبير اللفظي

من أبرز الأسباب التي تدفع الطفل للعض هي عدم امتلاكه مهارات لغوية أو اجتماعية كافية ليعبر عن مشاعره السلبية مثل الغضب أو الإحباط. في مرحلة النمو المبكرة، لا يستطيع الطفل دائمًا استخدام الكلمات لوصف ما يشعر به، لذا يلجأ إلى السلوكيات الجسدية مثل العض كوسيلة تعبير. العض هنا يمثل محاولة بدائية لإيصال رسالة من نوع ما.

2. البحث عن الانتباه

العض قد يكون وسيلة لجذب انتباه الوالدين أو الأشخاص المحيطين، خصوصًا إذا لاحظ الطفل أن هذا السلوك يؤدي إلى رد فعل فوري منهم سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا. في بعض الحالات، يفضل الطفل العض على الأساليب الأخرى لأنه يحقق له نوعًا من التأثير.

3. الشعور بالتوتر أو القلق

عندما يواجه الطفل مواقف توتر أو اضطراب في محيطه مثل تغير في الروتين اليومي، انتقال إلى مكان جديد، أو مشكلات عائلية، قد يعبر عن هذا القلق بالعض. هذا السلوك يكون رد فعل غير واعي تجاه الضغوط النفسية التي يواجهها.

4. مرحلة التسنين

مرحلة التسنين تعد من الأسباب الجسدية للعض، إذ يعاني الطفل من ألم في اللثة واحتقان بالفم، مما يدفعه للعض على أشياء أو حتى أشخاص لتخفيف هذا الألم. هذا العض يكون غير موجه عدوانيًا ولكنه رد فعل جسدي على الانزعاج.

5. التقليد والمحاكاة

الأطفال في سن مبكرة يتعلمون من خلال التقليد، فإذا شاهدوا أطفالًا آخرين أو أشخاصًا في محيطهم يمارسون العض، فقد يحاولون تقليد هذا السلوك لتجربة ما أو للانتماء إلى المجموعة.

الأسباب الاجتماعية والتربوية

1. بيئة الطفل

تلعب البيئة الاجتماعية دورًا محوريًا في ظهور سلوك العض. في حال كانت البيئة غير مستقرة أو تحمل توترات بين أفراد الأسرة، قد يتعلم الطفل هذا السلوك كرد فعل على ما يراه أو يمر به. وجود الخلافات أو العنف المنزلي يؤثر بشكل مباشر على استقرار الطفل النفسي، ما قد يؤدي إلى ظهور سلوكيات عدوانية مثل العض.

2. نقص التوجيه والتربية السليمة

قلة المتابعة من قبل الأهل أو المربين وعدم وضع قواعد واضحة للسلوك المقبول يؤدي إلى تفشي سلوكيات غير مرغوبة، منها العض. غياب التوجيه السليم أو الرد المناسب على سلوك العض يعزز من استمراره.

3. التفاعل مع أقران السوء

في بعض الحالات، يكتسب الطفل سلوك العض من خلال التفاعل مع أقران يتبنون نفس السلوك العدواني. التأثير السلبي للأصدقاء وأقران اللعب يعد من العوامل المؤثرة التي يجب مراعاتها عند تحليل أسباب العض.

تصنيف أنواع العض عند الأطفال

يمكن تصنيف سلوك العض إلى عدة أنواع وفق السياق والدوافع:

تأثيرات سلوك العض على الطفل ومحيطه

سلوك العض لا يؤثر فقط على الطفل الذي يقوم به، بل يمتد أثره ليشمل الأطفال الآخرين، المربين، والأسرة ككل. من أهم الآثار:

• الإيذاء الجسدي: يمكن أن يسبب العض جروحًا مؤلمة للطفل المُعضوض عليه، مما يؤدي إلى نزيف أو كدمات، وقد يترك أثرًا نفسيًا سلبيًا.

• العزلة الاجتماعية: يبتعد الأطفال الآخرون عن الطفل الذي يعض خوفًا من الإيذاء، مما يقلل من فرص الطفل في بناء علاقات صداقة صحية.

• تأثير نفسي: استمرار العض قد يكون دلالة على مشاكل نفسية داخلية تحتاج إلى تدخل متخصص، مثل اضطرابات القلق أو اضطرابات سلوكية أخرى.

• تأثير على العلاقة الأسرية: يُسبب هذا السلوك ضغطًا على الوالدين والمربين، وقد يؤدي إلى استخدام أساليب تأديبية غير فعالة أو مفرطة.

استراتيجيات التعامل مع سلوك العض

لمعالجة سلوك العض عند الأطفال، من الضروري اتباع أساليب تربوية ونفسية علمية تعتمد على الفهم العميق للسلوك وأسبابه. أهم هذه الاستراتيجيات:

1. تحديد السبب الجذري

يجب على المربين والآباء مراقبة سلوك الطفل لفهم متى وأين ولماذا يحدث العض. هل هو بسبب الألم؟ هل هو للتعبير عن الغضب؟ معرفة السبب تساعد في توجيه الحلول بشكل دقيق.

2. تعليم مهارات التواصل البديلة

تعزيز مهارات الطفل في التعبير عن مشاعره بالكلمات أو من خلال وسائل بديلة يقلل من اللجوء إلى العض. يمكن تعليم الطفل استخدام عبارات بسيطة مثل “أنا غاضب” أو استخدام الإيماءات.

3. توفير بيئة آمنة ومستقرة

خلق بيئة هادئة ومستقرة تساعد الطفل على الشعور بالأمان، وتخفف من التوتر والقلق الذي قد يدفعه للعض.

4. استخدام أساليب تهدئة الألم الجسدي

في مرحلة التسنين، يمكن توفير ألعاب عض مخصصة تساعد الطفل على تخفيف الألم بدلاً من عض الأشخاص.

5. تعزيز السلوك الإيجابي

مكافأة الطفل عند التوقف عن العض أو استخدامه أساليب تواصل إيجابية، يعزز من السلوك المقبول ويقلل من العدواني.

6. الانضباط الفعال والهدوء

عند وقوع حادثة العض، يجب التصرف بهدوء وحزم، وعدم المبالغة في العقاب، مع توضيح أن العض غير مقبول بطريقة بسيطة ومباشرة.

دور الأهل والمربين في مواجهة سلوك العض

يلعب الأهل والمربون دورًا رئيسيًا في تعديل سلوك العض عند الأطفال من خلال:

• مراقبة الطفل باستمرار لمعرفة الظروف المحيطة بالعض.

• التواصل المستمر مع الطفل لفهم مشاعره واحتياجاته.

• تقديم نموذج سلوكي جيد في التعامل مع الغضب والإحباط.

• التعاون مع المختصين في حال استمرار السلوك أو تفاقمه.

خلاصة علمية

سلوك العض عند الأطفال هو ظاهرة شائعة معقدة تتداخل فيها عوامل نفسية وجسدية واجتماعية. لا يمكن اعتبار العض مجرد تصرف سيء فقط، بل هو تعبير عن احتياجات أو مشاعر داخلية يحتاج الطفل لتعلم التعبير عنها بطرق أكثر نضجًا. يتطلب الأمر تفهمًا عميقًا من الأسرة والمربين، فضلاً عن تطبيق استراتيجيات مدروسة تربويًا ونفسيًا لمساعدة الطفل على تجاوز هذه المرحلة بأقل أذى نفسي وجسدي ممكن. إن الفهم العلمي والتعامل المدروس مع هذه الظاهرة يؤديان إلى تقليل ظهورها ويعززان من قدرة الطفل على التواصل الإيجابي ضمن محيطه.

المصادر والمراجع

• كتاب علم نفس الطفل – فيليب زيمباردو

• مركز علم النفس التنموي، مجلة علم النفس التطبيقي، 2022

هذا المقال يقدم رؤية شاملة تغطي مختلف جوانب سلوك العض عند الأطفال ويستند إلى دراسات نفسية وتربوية حديثة لضمان تقديم محتوى علمي متكامل.