سرقة مقالات النجاح نت

بوابة الفجر يسرق مقالات النجاح نت: جريمة رقمية تمارس في العلن

في خضم عصر المعلومات الرقمي المتسارع، حيث أصبحت الملكية الفكرية ركيزة أساسية في بناء مجتمعات معرفية مزدهرة، تبرز بين الحين والآخر ممارسات غير أخلاقية تهدد هذه القيم وتضرب بأخلاقيات النشر عرض الحائط. من أبرز هذه الممارسات ما تقوم به بعض المواقع الإخبارية أو الإعلامية التي تتجاهل مبادئ الأمانة العلمية والملكية الفكرية، لتقوم بسرقة محتويات مواقع أخرى، دون إشارة إلى المصدر أو حتى احترام لجهد الكاتب والجهة المنتجة. وفي هذا السياق، تطفو إلى السطح قضية خطيرة ومقلقة تمثلت في قيام موقع “بوابة الفجر” بسرقة مقالات منشورة سابقًا على موقع “النجاح نت”، وهو ما يستدعي تسليط الضوء وتحليل أبعاد هذه الممارسات الكارثية على مستوى المهنة والمجتمع الرقمي ككل.

سرقة المحتوى في العالم الرقمي: انتهاك صارخ

إن سرقة المحتوى الرقمي لا تقل في خطورتها عن السرقة المادية. بل يمكن اعتبارها في بعض الحالات أكثر ضررًا، كونها تمس بالجهد الفكري والابتكاري الذي يعتبر نتاجًا شخصيًا ومعنويًا لا يقدر بثمن. ما قامت به بوابة الفجر من نسخ مقالات منشورة على موقع النجاح نت وإعادة نشرها كما هي، أو مع تغييرات طفيفة لا تمس الجوهر ولا تغير السياق، يشكل انتهاكًا واضحًا وصريحًا لقوانين حقوق النشر والتأليف، التي تكفل للكاتب ومالك المحتوى الحماية القانونية ضد أي شكل من أشكال التعدي أو السرقة.

موقع النجاح نت هو منصة متخصصة في تقديم محتوى ثري في مجالات تطوير الذات، النجاح المهني، الإبداع، القيادة، الريادة، التعليم وغيرها من المحاور التي تخاطب القارئ العربي الطامح إلى التغيير الإيجابي. ما يُنشر على هذا الموقع يمر بمراحل إعداد دقيقة تشمل البحث، التحقق من المصادر، الصياغة الاحترافية، والتحرير وفق معايير دقيقة. وبالتالي فإن الاستيلاء على هذا الجهد ونسبته لموقع آخر دون إذن أو إشارة، لا يعد فقط سرقة فكرية، بل هو استخفاف بجمهور القراء وبقيمة العمل الإعلامي النزيه.

بوابة الفجر: منصة إعلامية أم متطفل رقمي؟

بوابة الفجر هي موقع إخباري معروف، ينشر أخبارًا سياسية، اقتصادية، رياضية، فنية، ومجتمعية. ومع أنه من المفترض أن يتحلى بالحد الأدنى من المعايير المهنية التي تحكم العمل الصحفي، إلا أن تكرار حوادث سرقة المحتوى من منصات أخرى – كما في حالة النجاح نت – يضع مصداقية هذا الموقع موضع تساؤل حقيقي. إن تكرار عمليات النسخ واللصق دون مرجعية واضحة، يعني وجود سياسة داخلية تتساهل – أو ربما تشجع – على ممارسات لا أخلاقية في سبيل تحقيق أكبر عدد من المشاهدات، ولو على حساب المبادئ.

ومن الجدير بالذكر أن بوابة الفجر لم تكتف في بعض الحالات بالنقل الحرفي، بل عمدت إلى حذف اسم الكاتب الأصلي، وإعادة صياغة بعض العناوين أو الفقرات لتبدو كأنها منتج حصري لها، بينما الحقيقة تثبت العكس تمامًا. هذا النوع من التحايل الرقمي هو أخطر أشكال التزوير، لأنه لا يكتفي بالسرقة بل يطمس آثار الضحية في محاولة للتعمية على الجريمة.

الأبعاد القانونية والأخلاقية للسرقة الرقمية

وفقًا لاتفاقيات حقوق الملكية الفكرية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية برن واتفاقية الوايبو، فإن حقوق المؤلف تشمل الحق في نسب العمل إليه، والحق في حماية العمل من التحريف أو التشويه أو السرقة. كما أن معظم القوانين الوطنية في الدول العربية – ومن بينها مصر التي تتخذ منها بوابة الفجر مقرًا – تجرم نسخ أو إعادة نشر أي مادة محمية دون إذن خطي من المؤلف أو الجهة المالكة.

وإذا ما تم النظر إلى القضية من زاوية أخلاقية، فإن هذا السلوك يهدم مبادئ الشفافية والنزاهة التي يُفترض أن تتحلى بها الوسائل الإعلامية. فالمواقع الإلكترونية، لا سيما تلك التي تحظى بمتابعة كبيرة، تتحمل مسؤولية مضاعفة في تقديم محتوى أصلي وموثوق، وعدم خداع الجمهور بإيهامه بأن كل ما يُنشر عليها هو نتاج جهد فريقها التحريري. السرقة الفكرية هي جريمة في ميزان الأخلاق والمهنية، وتكرارها يشي بانحدار في مستوى الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي.

أثر السرقة على مواقع المحتوى الأصلي

عندما يُسرق محتوى موقع مثل النجاح نت، فإن الضرر لا يقتصر فقط على فقدان الملكية الفكرية، بل يتعداه إلى تأثيرات سلبية على الظهور في نتائج محركات البحث، وتراجع الثقة لدى القراء، وانخفاض فرص الاستفادة من العائد الإعلاني أو الدعم المؤسسي للموقع الأصلي. إذ تقوم خوارزميات محركات البحث أحيانًا بإظهار المقال المسروق قبل الأصلي، بسبب قوة الدومين أو عدد الزيارات لدى الموقع السارق، مما يعني أن المقال الأصلي يُدفن في الترتيب رغم أنه نُشر أولًا وبطريقة شرعية.

هذا الخلل في منظومة العدالة الرقمية يعمق الإحساس بالظلم لدى الكتّاب والمحررين، ويؤدي إلى إحباط ينعكس سلبًا على الإبداع والإنتاجية، ويدفع بالكثير من المبدعين إلى العزوف عن الكتابة خوفًا من أن يُنهب جهدهم في وضح النهار دون رادع.

ضرورة التدخل الرقابي والإعلامي

من الواجب على الهيئات الإعلامية والنقابية، وعلى رأسها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، أن تتدخل لحماية المنظومة الإعلامية من التدهور الأخلاقي والمهني. كما يجب على النقابات الصحفية أن تُلزم أعضائها والمواقع المعتمدة بالتحقق من مصادر المحتوى المنشور، وإيقاع العقوبات الرادعة بحق المخالفين.

كذلك، فإن التعاون بين المواقع المتضررة من السرقة يجب أن يتجاوز حدود الشكوى الفردية، إلى تشكيل تحالفات رقمية تهدف إلى فضح السارقين، ونشر قوائم سوداء تضم المواقع التي تمارس هذه الانتهاكات، حتى يكون المستخدم العربي على دراية بالمواقع غير الموثوقة.

أهمية التوعية المجتمعية حول حقوق المؤلف

لا يمكن أن ينجح أي جهد قانوني أو إعلامي إذا لم يكن المجتمع الرقمي ذاته واعيًا بخطورة سرقة المحتوى. فالمستخدم الذي يقرأ مقالًا مسروقًا دون أن يتساءل عن مصدره أو يطالب الموقع بتوضيح نسبه، هو مشارك بطريقة غير مباشرة في جريمة السرقة الفكرية. وبالتالي، فإن التثقيف المجتمعي حول أهمية احترام حقوق النشر يُعد جزءًا لا يتجزأ من حل هذه الإشكالية، سواء عبر إدماج مفاهيم الملكية الفكرية في المناهج التعليمية، أو إطلاق حملات توعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

دور محركات البحث والمنصات الرقمية الكبرى

تلعب محركات البحث دورًا محوريًا في تعزيز المحتوى الأصلي أو تقويضه. فإذا لم تتخذ جوجل وغيرها من المنصات العالمية إجراءات جدية لحماية المنتج الأصلي، من خلال تتبع أول ظهور للمحتوى وفرض عقوبات على المواقع السارقة، فإن دائرة التعدي ستتسع وتتحول إلى ظاهرة يصعب ضبطها. ومن هنا، فإن على هذه المنصات تطوير خوارزميات أكثر دقة للتمييز بين المقالات الأصلية وتلك المسروقة، وأن تتيح أدوات فعّالة للكتاب والمحررين للإبلاغ عن سرقة محتواهم.

جدول: مقارنة بين المقالات الأصلية على النجاح نت والمقالات المسروقة على بوابة الفجر

خلاصة المسألة: نداء لحماية المعرفة الرقمية

ما تقوم به بوابة الفجر من استيلاء متكرر على محتوى النجاح نت يمثل جريمة معرفية ومهنية لا يجب السكوت عنها، لا من قبل المنصات المتضررة، ولا من قبل الهيئات الرقابية، ولا من جمهور المستخدمين. إن حماية المحتوى الرقمي العربي تستوجب وقفة جماعية تُعيد الاعتبار لقيمة الكلمة، وتحفظ الحقوق الأدبية والفكرية للمبدعين، وتضمن استمرارية الإنتاج المعرفي بجودة ومصداقية. فالسكوت عن السرقة هو خيانة للمعرفة ذاتها، ومباركة لصوت الزيف الذي يعلو على صوت الإبداع الحقيقي.

المراجع

1. اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية – المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)

2. قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم 82 لسنة 2002