سرقة الحجر الأسود واستعادته

من الذي سرق الحجر الأسود؟

الحجر الأسود هو أحد أقدس الرموز في الإسلام، يرمز إلى طهارة البيت الحرام وقدسية المكان الذي يعتبر مركزا للعبادة في مكة المكرمة. يقع الحجر الأسود في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة، وهو المكان الذي يبدأ فيه المسلمون مناسك الحج والعمرة. رغم الأهمية الدينية العميقة لهذا الحجر، فقد تعرض لعدة محاولات لسرقته عبر التاريخ، وكانت أبرز هذه الحوادث هي تلك التي وقعت في فترة الخلافة العباسية. في هذا المقال، سوف نعرض قصة سرقة الحجر الأسود بالتفصيل، وأسبابها، والآثار التي ترتبت عليها.

الحجر الأسود: تعريفه ومكانته

الحجر الأسود هو حجر مستدير الشكل يبلغ قطره حوالي 30 سنتيمترًا، ويُعتقد أنه قطعة من الجنة. على الرغم من أن الحجر الأسود قد تعرض لعدة أضرار عبر العصور، إلا أنه لا يزال يعتبر جزءًا أساسيًا من شعائر الحج. يقال إن الحجر الأسود هو أول حجر وضع في أساس الكعبة المشرفة من قبل سيدنا إبراهيم عليه السلام، ليكون علامة على الإيمان والطهارة. وقد وصفه العديد من المؤرخين بأنه حجر يضيء بشكل غامض، بينما يراه المسلمون علامة على عهد الله مع عباده.

يحظى الحجر الأسود بمكانة خاصة في قلوب المسلمين الذين يحرصون على لمسه أو تقبيله أثناء أداء مناسك الحج أو العمرة، وذلك استجابة للحديث النبوي الشريف: “إنما الأعمال بالنيات”.

سرقة الحجر الأسود: الحادثة الشهيرة

أول وأشهر حادثة سرقة للحجر الأسود وقعت في عام 930 ميلادي، خلال فترة حكم الدولة العباسية. في ذلك الوقت، كانت مكة المكرمة تحت الحكم الفاطمي في بعض الفترات، وكان العراق يمثل المركز الإسلامي الكبير، حيث كانت بغداد تشهد تطورًا اقتصاديًا وثقافيًا بارزًا. لكن حادثة سرقة الحجر الأسود تتعلق بحاكم يُدعى “الحسن بن علي” المعروف بـ “القرامطة”، وهو مؤسس الحركة القرمطية في الشرق الإسلامي.

الحركة القرمطية: أسباب وتاريخ

القرامطة هي حركة شيعية متطرفة ظهرت في فترة الخلافة العباسية، وقد اعتنق أصحابها أفكارًا ثورية تنادي بتغيير السلطة الحاكمة، وكانت لهم طموحات سياسية ودينية كبيرة. يقال إن القرامطة تبنوا فكرة أن الدين يجب أن يكون قائمًا على إعادة تفسير للقرآن والمعتقدات الإسلامية، بعيدًا عن المؤسسة الدينية التقليدية. ورغم هذه الطموحات الثورية، كان للقرامطة أهداف اقتصادية واجتماعية أيضًا، حيث رأوا أن العديد من الأمور الدينية في مكة والمدينة كانت محكومة بالسلطة الفاسدة.

في عام 930 ميلادي، قاد الحسن بن علي القرامطة في هجوم على مكة المكرمة. بينما كان المسلمون في موسم الحج، اقتحموا مكة واستهدفوا الكعبة المشرفة، حيث كان الحجر الأسود يشكل محط أنظار المسلمين في تلك الفترة. قام القرامطة بنزع الحجر الأسود من مكانه عنوة، وأخذوه معهم إلى مدينة “هجر” (التي تقع اليوم في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية). كان هدفهم من هذه السرقة هو محاولة إثبات قوتهم وقدرتهم على السيطرة على مقدسات المسلمين.

الآثار المترتبة على السرقة

بعد أن سرق القرامطة الحجر الأسود، كانت تلك الحادثة بمثابة صدمة كبيرة للمسلمين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. عُرف عن القرامطة أنهم لم يكتفوا فقط بسرقة الحجر الأسود، بل ارتكبوا أيضًا جرائم أخرى أثناء حملتهم على مكة، حيث قتلوا العديد من الحجاج وسرقوا أموالهم. وقد كانت هذه الجريمة بمثابة استفزاز عظيم للسلطة الإسلامية آنذاك، وكانت نقطة تحول في تاريخ مكة والحج.

كانت حيلة القرامطة تهدف إلى إظهار قوتهم وعجز الدولة العباسية عن حماية مقدسات المسلمين، مما جعل العالم الإسلامي في حالة من الذهول والحزن. في تلك الفترة، كانت مكة المكرمة تمثل القلب النابض للمسلمين، وكان سقوطها في يد حركة متمردة مثل القرامطة بمثابة تقويض لأسس الدين الإسلامي في أعين البعض.

استعادة الحجر الأسود

على الرغم من أن القرامطة أخذوا الحجر الأسود إلى هجر، إلا أن حجتهم لم تدم طويلاً. بعد حوالي 22 عامًا من السرقة، في عام 952 ميلادي، وبعد تعرضهم لهزائم عسكرية من قبل قوات الدولة العباسية، قرروا في النهاية إعادة الحجر الأسود إلى مكانه في الكعبة. في هذا السياق، كان الخليفة العباسي “المعتضد بالله” قد بذل جهدًا كبيرًا لاستعادة الحجر، حيث استدعى مجموعة من الشخصيات الدينية والسياسية في العالم الإسلامي لإيجاد حل لهذه القضية الحساسة.

تمت إعادة الحجر الأسود إلى مكة بعد محاولات دبلوماسية كبيرة، وكان استرجاعه يمثل فوزًا معنويًا كبيرًا للمسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي. عُرفت تلك الحادثة بأنها إحدى أعظم اللحظات في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث انتهت فترة السيطرة القرمطية على الحجر الأسود، وعاد الحجر ليكون رمزًا من رموز التوحيد والإيمان في قلب مكة.

التأثيرات الثقافية والدينية

تمثل سرقة الحجر الأسود وإعادته إلى مكانه من أبرز المحطات في تاريخ مكة المكرمة. فقد رسخت هذه الحادثة في الذاكرة الجماعية للأمة الإسلامية. أصبحت الحادثة مرجعية لفهم صراع السلطة وتحديات الحفاظ على مقدسات الدين، ورغم أن السرقة كانت بمثابة جرح في قلب الأمة الإسلامية، إلا أن استعادة الحجر الأسود كانت مصدرًا للفخر والوحدة.

على الصعيد الديني، لم تؤثر هذه الحادثة فقط على المفهوم الروحي للحجر الأسود، بل أكدت على هيبة المكان الذي يوجد فيه، ألا وهو الكعبة المشرفة. بعد هذه الحادثة، شهدت مكة المكرمة تغيرًا في موازين القوى السياسية والروحية، حيث أُعيد تنظيم الحماية الأمنية حول الحرم المكي، وتم اتخاذ تدابير مشددة لحماية هذا المقدس من أي تهديدات مستقبلية.

الخاتمة

إن سرقة الحجر الأسود من قبل القرامطة تمثل واحدة من أبرز وأغرب الحوادث في التاريخ الإسلامي، التي شهدت مزيجًا من الطموحات السياسية، والصراعات الدينية، وتحديات الحفاظ على المقدسات. رغم أن الحادثة خلفت آثارًا سلبية على الأمة الإسلامية في تلك الفترة، إلا أن استعادة الحجر الأسود أظهرت قوة الإرادة الإسلامية في الدفاع عن مقدساتها. إن هذه الحادثة تظل درسًا مهمًا في تاريخ الأمة الإسلامية، وتؤكد على أهمية التضامن والوعي بحماية مقدسات الأمة من أي تهديدات، مهما كانت نوعها.