الحركات الأولى للطفل

الحركات الأولى لطفلك: مراحلها، دلالاتها، ودور الأهل في دعمها

منذ اللحظة الأولى لولادة الطفل، تبدأ رحلة طويلة ومعقدة من التطور الحركي، تتداخل فيها العوامل الجينية مع البيئة المحيطة، وتشكل الأساس الذي يقوم عليه نموه الجسدي والعصبي والمعرفي. الحركات الأولى للطفل لا تعبّر فقط عن قدرته على تحريك عضلاته، بل تكشف أيضاً عن مدى نضج جهازه العصبي، تفاعله مع البيئة، واستعداده لتعلم مهارات أكثر تعقيداً في المستقبل. تبدأ هذه الرحلة من حركات بسيطة لا إرادية وتصل تدريجياً إلى الجلوس، الحبو، الوقوف، ثم المشي، وكل مرحلة تحمل في طياتها علامات فارقة تشير إلى النمو السليم أو تدق ناقوس الخطر عند حدوث تأخر ملحوظ.

المرحلة الأولى: الحركات اللاإرادية (0 – 2 شهر)

تبدأ الحركات الأولى للرضيع على شكل ردود فعل انعكاسية، وهي حركات لا إرادية تُعتبر دليلاً على سلامة النظام العصبي المركزي. ومن أبرز هذه الحركات:

• منعكس المصّ: وهو قدرة الطفل على المص تلقائيًا عندما يُلامس فمه.

• منعكس القبض: حيث يقبض الرضيع على أي شيء يلامس راحة يده.

• منعكس مورو (الذعر): يظهر عندما يسمع الطفل صوتًا عاليًا أو يشعر بالسقوط، فيمد ذراعيه وساقيه ويصرخ.

هذه الحركات تشير إلى الوظائف البدائية للجهاز العصبي، ومع الوقت تبدأ في التلاشي لتحل محلها الحركات الإرادية.

المرحلة الثانية: بداية الحركات الإرادية (2 – 4 أشهر)

في هذه المرحلة، يبدأ الطفل بالتحكم الطفيف في حركات رأسه وأطرافه، كما تتطور قدرته على التنسيق بين النظر والحركة. تشمل أبرز المهارات في هذه الفترة:

• رفع الرأس عند الاستلقاء على البطن: وهي خطوة أولى نحو تقوية عضلات الرقبة والظهر.

• تحريك اليدين نحو الوجه أو الفم: مما يشير إلى بداية التحكم الحركي.

• متابعة الأشياء بعينيه: تطور مهم في التناسق البصري الحركي.

تُعد هذه المرحلة حساسة للغاية، إذ يبدأ الجهاز العصبي في تنظيم النشاطات الحركية بشكل تدريجي، وتصبح ردود الفعل أكثر تناسقاً.

المرحلة الثالثة: التحكم بالجلوس والانقلاب (4 – 6 أشهر)

يشهد الطفل خلال هذه الفترة تحسناً كبيراً في قوة عضلات الرقبة والظهر، مما يمكّنه من الجلوس بمساعدة بسيطة ثم دونها لاحقًا. تشمل أبرز المهارات:

• الانقلاب من البطن إلى الظهر والعكس: وهي خطوة تُظهر قدرة الطفل على التفاعل مع محيطه بإرادته.

• الجلوس مع دعم خارجي ثم الجلوس المستقل.

• استخدام اليدين للإمساك بالأشياء: تنمية التنسيق العضلي العصبي.

يبدأ الطفل في هذه المرحلة باكتشاف عالمه من زوايا جديدة، ويبدأ الفهم الحسي للفراغ من حوله، مما يدعم تطوره المعرفي والعاطفي.

المرحلة الرابعة: الحبو واستكشاف العالم (6 – 10 أشهر)

تُعتبر هذه الفترة من أكثر المراحل إثارة، إذ تبدأ الحركات الكبرى المعقدة مثل الحبو والزحف. وتُشكل هذه المهارات قفزة نوعية في تطور الطفل، وتشمل:

• الحبو بأطرافه الأربعة: وهو مؤشر هام على تنسيق الحركة بين الأذرع والساقين.

• الزحف للخلف ثم للأمام: يستخدمها الطفل كمرحلة انتقالية قبل الحبو.

• الوقوف مستندًا إلى الأثاث: وهي بوابة نحو الاستعداد للمشي.

يساهم الحبو في تحفيز التطور الإدراكي والبصري والحسي، إذ يطوّر الطفل تصوراً ثلاثي الأبعاد للعالم، ويعزز لديه الثقة بالنفس والاستقلالية.

المرحلة الخامسة: الوقوف والمشي الأول (10 – 15 شهر)

بمجرد أن يكتسب الطفل القوة الكافية في عضلاته السفلية والتوازن اللازم، يبدأ في الوقوف دون مساعدة، ثم اتخاذ خطواته الأولى:

• الوقوف لمدة قصيرة دون دعم.

• التحرك مستندًا إلى الأثاث.

• المشي بمساعدة أحد الوالدين.

• المشي المستقل: غالباً ما يبدأ في نهاية هذه المرحلة.

تُعد هذه اللحظة من أكثر اللحظات انتظاراً من قبل الأهل، إذ تمثل علامة استقلال الطفل الجسدي وبدء رحلته الفعلية في التفاعل مع العالم المحيط به.

دور الأهل في دعم الحركات الأولى

يمثل دعم الأهل عاملاً حاسماً في تعزيز الحركات الأولى للطفل. ويمكن تلخيص أهم الأدوار التي يمكن للوالدين القيام بها في النقاط التالية:

يجب التنبه إلى أن التطور الحركي قد يختلف من طفل لآخر، ولا يُعد التأخر البسيط دليلاً دائمًا على وجود مشكلة. لكن من المهم مراقبة أي علامات غير طبيعية واستشارة الطبيب عند الحاجة.

إشارات تدعو للقلق في التطور الحركي

في بعض الحالات، قد تشير بعض العلامات إلى تأخر أو اضطراب في النمو الحركي، ومنها:

• عدم القدرة على رفع الرأس بثبات في عمر 4 أشهر.

• عدم محاولة الجلوس أو الانقلاب في عمر 6 أشهر.

• عدم وجود محاولة للحبو أو الوقوف بعمر 10 أشهر.

• غياب أي محاولة للمشي في عمر 18 شهراً.

قد ترتبط هذه العلامات بمشاكل عصبية أو عضلية أو حتى نقص في التحفيز البيئي. لذا، فإن التدخل المبكر يعزز فرص العلاج وتحسين التطور لاحقًا.

العلاقة بين النمو الحركي والنمو العقلي والعاطفي

الحركات الأولى للطفل لا تتعلق فقط بالجسد، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنموه الذهني والعاطفي. فعلى سبيل المثال:

• التحكم بالرأس والجلوس يسهمان في تعزيز الانتباه والبصر.

• الحبو والاستكشاف يطور الإدراك المكاني والذاكرة.

• المشي والتفاعل مع البيئة يُنمّي الحس بالاستقلالية والثقة بالنفس.

تُظهر الدراسات الحديثة أن تأخر النمو الحركي في المراحل المبكرة قد يرتبط بضعف لاحق في المهارات الاجتماعية واللغوية، مما يجعل مراقبة هذه الجوانب أمراً بالغ الأهمية.

التغذية ودورها في دعم التطور الحركي

التغذية الصحية تشكل أساساً في نمو العضلات والجهاز العصبي. وتبرز أهم العناصر الغذائية الضرورية خلال السنة الأولى كما يلي:

من الضروري أن يعتمد الرضيع في أول 6 أشهر على الرضاعة الطبيعية أو الحليب الصناعي المناسب، ثم يبدأ في إدخال الأغذية الصلبة بالتدرج بما يتوافق مع توصيات أطباء الأطفال.

العوامل المؤثرة على تطور الحركات الأولى

يتأثر النمو الحركي بعدة عوامل داخلية وخارجية، من أبرزها:

• العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي في تأخر النمو.

• الولادة المبكرة: تؤثر على تطور العضلات والجهاز العصبي.

• التحفيز البيئي: نقص التفاعل واللعب يؤخر التطور.

• الاضطرابات الصحية: مثل الشلل الدماغي أو نقص الأكسجين عند الولادة.

• الحالة النفسية للأم: القلق والاكتئاب يؤثران على جودة الرعاية المقدمة.

تساعد البيئة الغنية بالمحفزات البصرية والسمعية والحسية، إلى جانب الحب والرعاية، على تعزيز جميع جوانب النمو الحركي والمعرفي.

خلاصة علمية

الحركات الأولى للطفل هي سلسلة من الخطوات الدقيقة والمعقدة التي يمر بها الكائن البشري في عامه الأول، وتشكل الأساس لكل ما سيتعلمه لاحقاً. هي ليست مجرد حركات عشوائية، بل إشارات مهمة على تطور الجهاز العصبي، وبداية تشكيل الوعي والإدراك والتفاعل مع البيئة. مراقبتها بدقة، وتحفيزها بأساليب علمية مدروسة، ومتابعة أي خلل فيها، تشكل استراتيجية أساسية لضمان مستقبل صحي للطفل.

المراجع:

1. WHO: World Health Organization. “Infant and Young Child Feeding.”

2. Nelson Textbook of Pediatrics, 21st Edition.