سورة “يس” هي واحدة من السور المكية في القرآن الكريم، وتعد من السور التي تحمل العديد من المعاني العميقة والرمزية التي تهدف إلى هداية الإنسان وتوجيهه نحو طريق الحق. نزول سورة “يس” يرتبط بالعديد من الأحداث التاريخية والتربوية التي شهدها المجتمع الإسلامي في مكة في فترة الدعوة، وتعكس الظروف التي كان يواجهها النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثناء دعوته في مكة، إضافة إلى المعجزات الإلهية والتوجيهات الربانية التي أنزلها الله تعالى على رسوله. سنستعرض في هذا المقال سبب نزول سورة “يس” وأسباب ذلك، بالإضافة إلى تفسير العديد من الآيات التي تتضمنها السورة، وكيفية ارتباطها بالواقع الذي كان يعيشه المجتمع المكي.
تاريخ النزول ومكانه
سورة “يس” هي السورة رقم 36 في القرآن الكريم، وهي مكية، أي أنها نزلت في مكة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. وتعد السورة واحدة من السور الطويلة نسبياً، حيث تتكون من 83 آية. تمثل السورة جانباً كبيراً من التوجيه القرآني للناس في مكة المكرمة، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه معارضة شديدة من قريش ومن الكفار الذين كانوا يرفضون دعوته ويشددون الحصار عليه وعلى المؤمنين.
إن سبب نزول السورة كان له علاقة مباشرة مع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة، خاصة في تعاملاته مع قريش ومع العديد من المحن التي تعرض لها المسلمين الأوائل.
سبب نزول السورة
إنّ سبب نزول سورة “يس” يمكن تلخيصه في الرد على عناد قريش، ورفضهم المستمر لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم. هناك روايات متعددة تذكر سبب نزول بعض الآيات في السورة. من أبرز تلك الأسباب:
-
دعوة أهل مكة إلى الإيمان:
نزول سورة “يس” كان في وقت كانت قريش قد أغلقت جميع أبواب الاستجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يرفضون إيمان الناس برسالة الإسلام ويقفون ضد دعوة النبي بكل ما أوتوا من قوة. وقد ورد في العديد من التفاسير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى الإيمان برسالة الله ويدعوهم إلى التوحيد، لكنهم كانوا يستمرون في معارضتهم. لذلك نزلت سورة “يس” لتُؤكد على أن الله تعالى قادر على أن يهلك الكافرين إذا استمروا في معارضتهم، وقد كانت السورة بمثابة تحذير لقريش بأن العذاب قادم إن استمروا في كفرهم. -
إثبات النبوة:
كان المشركون في مكة يشككون في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكذبون بما جاء به من رسالات. وقد نزلت بعض آيات السورة لتأكيد صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتوضيح أنه ما هو إلا رسول من الله تعالى، مثل الآية التي تقول: “إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ” (سورة يس: 3). -
حادثة إرسال الرسل إلى أهل “المدين”:
من أسباب نزول السورة أيضاً أن الآيات التي تبدأ بـ “وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ” (سورة يس: 20)، تشير إلى حادثة إرسال رسولين إلى إحدى القرى التي كانت تشبه حالة أهل مكة في كفرهم وعنادهم. وقد أخبر القرآن عن الموقف الذي اتخذته القرية تجاه الرسل، وهو الرفض والتكذيب، وهو نفس الموقف الذي كان يواجهه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة. -
التأكيد على قدرة الله على إحياء الموتى:
تم التأكيد في سورة “يس” على أن الله قادر على إحياء الموتى، وهو ما يرمز إلى ضرورة الإيمان بالبعث والحساب. هذا الموضوع كان يشكل أحد محاور النقاش بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في مكة، الذين كانوا يشككون في إمكانية بعث الأموات.
التفسير الشامل لبعض الآيات المرتبطة بسبب النزول
1. آية “وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ” (سورة يس: 33)
هذه الآية تتحدث عن موت الأنبياء، وكانت ترد على اعتراضات الكفار الذين كانوا يرفضون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنه بشر مثلهم. فتؤكد الآية على أن كل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، وأن الخلود هو فقط لله عز وجل.
2. آية “إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” (سورة يس: 25)
هذه الآية تتحدث عن المؤمنين الذين يستجيبون لآيات الله بتواضع وإيمان، على عكس أولئك الذين يرفضون دعوة الله ويستكبرون عنها. قد نزلت هذه الآية رداً على قريش الذين كانوا يتفاخرون بمكانتهم الاجتماعية ويرفضون التواضع للحق.
3. آية “وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ” (سورة يس: 20)
تعد هذه الآية تذكيرًا بالحادثة الشهيرة التي وقع فيها تكذيب رسولين في إحدى المدن. ورغم تكذيب أهل المدينة، فقد جاء رجل من أقصى المدينة ليؤمن برسالة الرسل ويشجع قومه على الإيمان. هذه الحادثة تتوازى مع معارضة قريش للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
دلالات السورة على عاقبة المكذبين
إن سورة “يس” تتضمن توجيهًا قويًا ضد المكذبين برسالة الأنبياء، موضحة أن أولئك الذين يعاندون الحق ولا يؤمنون برسالة الله، سوف يلاقون جزاءهم في الآخرة. كما أنها تشير إلى أن الله تعالى لن يترك أحداً دون حساب، فكل من يعرض عن دينه ويكذب برسل الله سيواجه العقاب المحتوم. في الوقت نفسه، تعد السورة دعوة للطاعة والتقوى والإيمان الراسخ بالله سبحانه وتعالى.
الختام
سورة “يس” تحتوي على العديد من الرسائل العميقة التي تحمل توجيهات هامة للمؤمنين، من تأكيد على وحدانية الله وقدرته، إلى تحذير للمكذبين من عواقب استهزائهم بالدعوة النبوية. وبذلك تكون السورة نموذجاً لتوجيه الأمة الإسلامية نحو الطريق الصحيح، مع التأكيد على أن الدعوة إلى الله هي مسؤولية عظيمة تتطلب الصبر والإيمان العميق، وأن الله تعالى هو المتصرف في مصير البشرية جميعها.
