سبب نزول سورة ق وتفسيرها

سبب نزول سورة ق

تعتبر سورة “ق” من السور المكية، وهي تقع في الجزء السابع والعشرين من القرآن الكريم، وتحتوي على خمسين آية. تتميز هذه السورة بأسلوبها القوي والمباشر، حيث تركز على قضايا البعث والنشور، وتستعرض دلائل القدرة الإلهية، موجهة تحذيرات شديدة لمن ينكرون البعث ويكذبون بالآخرة. كما تتناول قضايا تتعلق بمسائل العقيدة، مثل إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وحجج البعث والنشور، ومصير المكذبين في الآخرة.

في هذا المقال، سنتناول سبب نزول سورة “ق”، مع التركيز على الأحداث التي أدت إلى نزول هذه السورة، وتفسير بعض الآيات الرئيسية فيها، من خلال استعراض بعض الروايات التفسيرية والنصوص التي توضّح السياق التاريخي والموضوعي لهذه السورة العظيمة.

سبب نزول سورة ق

تختلف الروايات حول سبب نزول سورة “ق”، لكن يمكن القول إن نزول السورة كان في سياق ردّ القرآن على مكذبي البعث والنشور من قريش. كان المشركون في مكة ينكرون البعث بعد الموت ويستغربون من قدرة الله على إعادة الخلق بعد فناء الجسد، وهو ما يمثل المحور الرئيسي في السورة. تركز السورة على قضايا إيمانية أساسية مثل وحدانية الله، البعث، الحساب، والعقاب، وهو ما يظهر جليًا في آياتها الأولى.

1. الرد على مكذبي البعث والنشور

السبب الرئيس الذي يمكن استنتاجه من خلال الآيات هو رد القرآن على المشركين الذين كانوا ينكرون البعث ويعتبرون أنه من المستحيل أن يعيد الله الموتى بعد أن تصير أجسادهم رفاتًا. في هذا السياق، نزلت السورة لتؤكد على قدرة الله التي لا تحد، وتنبه المكذبين إلى العواقب الوخيمة التي ستلحق بهم في الآخرة إن ظلوا على عنادهم.

الآيات الافتتاحية للسورة تتحدث عن قدرة الله العظيمة في خلق السماوات والأرض، ثم تبيّن أن إعادة الموتى ليس أصعب من خلقهم لأول مرة. يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى:

“ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ” (ق: 1)

الآية تبدأ بحرف “ق” الذي يعتبر حرفًا مقطّعًا يعجز الناس عن تفسيره بشكل دقيق، لكن مع ذلك يظل تأكيدًا على عظمة القرآن وكلماته التي تتجاوز كل تصور بشري. ثم تذكر الآية “وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ” في إشارة إلى مكانة القرآن الرفيعة وتأكيد قيمته المقدسة. يتابع الله في الآيات التالية بالحديث عن قدرة الله في خلق الكون وكيف أن هذا الكون العظيم هو دليل على القدرة الإلهية التي تضمن بعث الموتى.

2. التهديد بالمصير العذاب

من خلال الآيات، تُصور السورة المكذبين بالأهوال التي ستنزل بهم في الآخرة. في الآية الرابعة، يشير القرآن إلى أن هؤلاء المكذبين سيتم إنزال العذاب عليهم، ويُظهِر كيف أن العذاب لا مفر منه لهم إذا استمروا في إنكار الحقيقة الإيمانية:

“بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ” (ق: 2)

هذه الآية تتحدث عن استغراب المشركين من نزول النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة التي تدعوهم إلى التوحيد والإيمان بالبعث. ولقد اعتقدوا أن هذا أمر عجيب، لأنهم كانوا يظنون أن الموتى لا يمكنهم العودة للحياة مرة أخرى.

ثم تذكر الآية التالية:

“أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ” (ق: 3)

هذه الآية تعكس استهزاء المشركين من فكرة البعث، حيث اعتقدوا أن عودة الأموات إلى الحياة أمر مستحيل، ليأتي الرد القرآني القوي على هذا الادعاء، مؤكداً قدرة الله على كل شيء.

3. التأكيد على قدرة الله في الخلق والبعث

يتكرر في السورة التأكيد على قدرة الله في الخلق والبعث. في الآية الخامسة، يُبرز القرآن كيف أن الله هو الذي خلق كل شيء، ومن ثم هو القادر على إعادة خلق الموتى:

“قَالُوا مَنْ يُحْيِينَا وَأَحْنَاهَا الَّذِي فَتَرَكُمْ” (ق: 5)

هذا الرد القرآني هو دعوة للمكذبين للتفكر في قدرة الله التي تظهر في خلق الكون والحياة، فكيف لهم أن ينكروا القدرة على إعادة الموتى إلى الحياة وهم يشاهدون بديع خلق الله حولهم؟

4. دور الأنبياء في تحذير قومهم

تعكس السورة أيضًا بعض مظاهر الشكوك التي كانت تروجها قريش ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد كانوا يتهمونه بالسحر والكذب، في حين أن الرسول كان يؤكد لهم أن ما يأتي به هو الحق الذي يتنزل من الله. في الآية 21، يقول الله:

“وَجَاءَ فِيهِمْ مُنذِرٌ” (ق: 21)

وهذا تعبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره المنذر الذي جاء يحذر الناس من العواقب التي ستترتب على تكذيبهم بالبعث والحساب.

5. التذكير بالأنبياء السابقين

تستعرض السورة أيضًا بعضًا من الأنبياء الذين أرسلهم الله للأمم السابقة، والذين عارضهم أقوامهم ورفضوا دعوتهم. في الآية 14، يُذكر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم التي أهلكها الله بسبب كفرهم وتكذيبهم بالأنبياء. وهذا بمثابة تحذير لقريش من عاقبة الكفر.

“وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُهُ فِي رِيحٍ عَاصِفٍ” (ق: 14)

هذه الآية تُذكر قريشًا بأمثال الأمم البائدة التي كانت تعيش في حالة من الجحود والعناد حتى أصابهم العذاب الأليم.

الخاتمة

تعد سورة “ق” واحدة من السور التي تتسم بالوضوح في توجيه رسائلها وتعليماتها. فقد نزلت ردًا على تكذيب المشركين بالبعث والنشور، ودعتهم إلى التأمل في قدرة الله على الخلق والإحياء، وأن البعث ليس بأمر مستحيل. كما أكدت على الحقيقة الكبرى في أن من يكذب بالآخرة سيصير إلى جهنم، ومن يؤمن بالبعث ويعمل الصالحات فسيحظى بالجنة.

تعتبر هذه السورة بمثابة تذكير للمكذبين والمستكبرين بأهمية الإيمان باليوم الآخر، وضرورة التوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان.