سبب نزول سورة النبأ

سبب نزول سورة النبأ

سورة النبأ هي إحدى السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة، وهي السورة رقم 78 في ترتيب المصحف الشريف، تتكون من 40 آية، وتعد من السور التي تحتوي على معاني كبيرة ودلالات عميقة تتعلق باليوم الآخر وأحداثه. تنتمي السورة إلى السور التي تتحدث عن ملامح القيامة وتبعث في النفوس الوعي بالواقع الإيماني الذي لا يراه الإنسان في حياته اليومية.

على الرغم من أن سورة النبأ تتناول موضوعات متنوعة مثل يوم القيامة وعقاب الكافرين ونعيم المؤمنين، إلا أن لها سبب نزول خاص يتصل بنزول آياتها وتوجيهاتها، وهو ما سنحاول توضيحه في هذا المقال بشكل مفصل.

الآيات الأولى: حديث عن اليوم العظيم

سورة النبأ تبدأ بآية تأخذ شكل الاستفهام:

“عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ؟ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ” (النبأ: 1)

يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية إن الناس يتساءلون عن النبأ العظيم، أي الخبر الكبير الذي يتحدث عنه المؤمنون وهو يوم القيامة. وهذا يدل على أن أحد أسباب نزول السورة كان استنكار المشركين لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا في حيرة من أمرهم بشأن الحديث عن بعث الأموات والقيام بعد الموت، فضلاً عن تصديقهم بهذه الفكرة.

التفسير التاريخي والواقعي للنزول

تعود خلفية نزول سورة النبأ إلى تصرفات بعض مشركي قريش الذين كانوا يشككون في البعث والحساب بعد الموت. فقد كانوا ينكرون فكرة أن الله يمكنه أن يعيد الإنسان إلى الحياة بعد أن يتحلل جسده ويصبح ترابًا. في ذلك الوقت، كان البعض يستنكر الحديث عن يوم القيامة، وكانوا يظنون أن لا شيء سيحدث بعد الموت، إذ كانوا يعتقدون أن الحياة الدنيا هي النهاية.

هذه الأسئلة التي طرحها الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم كانت تتمحور حول هذا “النَبَأ العظيم”، أي الأخبار المتعلقة بالبعث والحساب، حيث طلبوا منه إثبات هذا الأمر بالعقل والمنطق. وعلى الرغم من أن الآيات التي تلت هذه البداية توضح بشكل جلي حقيقة ذلك النبأ، إلا أن السؤال الذي طرحه المشركون يشير إلى شكوكهم الكبرى في مسألة القيامة وما سيحدث بعد الموت.

الرد على تساؤلات المشركين

إن الرد القرآني جاء حاسمًا في آيات السورة، حيث يذكر الله تعالى الأحداث التي ستحدث في يوم القيامة وكيف ستكون الصورة مختلفة عن كل ما يعرفه الإنسان في الدنيا. تبدأ السورة بالحديث عن “النَبَأ العظيم” ثم تواصل بذكر الأرض والجبال وكيف سيحدث التغيير الكبير في الكون يوم القيامة:

“إِنَّا جَعَلْنَا الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا” (النبأ: 6)

ثم يتحدث الله عن الأحداث التي ستشهدها السماء والأرض في ذلك اليوم، مشيرًا إلى تحولات طبيعية ضخمة تكون بمثابة مقدمات ليوم الحساب، ويأتي في الآية بعد ذلك ذكر أحوال الناس يوم القيامة، وكيف سيكون الكافرون في حالة من الذعر والقلق، في حين أن المؤمنين سيعيشون في نعيم لا يُوصف.

في ذلك، كان الخطاب القرآني جوابًا حاسمًا للمشركين الذين استنكروا مسألة البعث. كانوا يعتقدون أن فكرة البعث بعد الموت غير قابلة للتصديق، لكن القرآن قدم لهم تصورات عن قدرة الله سبحانه وتعالى على إعادة الخلق، عبر عرض أشياء ملموسة يمكن للإنسان أن يتفكر فيها مثل الأرض والجبال وتغيراتها.

توضيح العقاب والنعيم في الآخرة

واحدة من الأهداف الرئيسية التي كان يرمي إليها نزول هذه السورة هو توضيح الثواب والعقاب في الآخرة. فالحديث عن عذاب الكافرين ونعيم المؤمنين يمثل جزءًا أساسيًا من الرد على تساؤلات المشركين. وقد تطرق القرآن في سورة النبأ إلى جزاء كل من المؤمنين والكافرين في يوم القيامة.

في الآيات التي تتحدث عن جهنم، ورد وصف عذاب الكافرين:

“إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِّلطَّاغِينَ مَآبًا” (النبأ: 21-22)

هنا، يُحذر القرآن الكافرين من أنهم سيكونون في مكانٍ من العذاب الشديد الذي لا يمكن تحمله، في حين أن المؤمنين سيكون لهم مكان في الجنة، حيث النعيم الذي لا ينفد:

“إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا” (النبأ: 31-32)

علاقة السورة بالواقع المكي في وقت نزولها

تعتبر السورة استجابة لواقع مكة في وقتها، حيث كان هناك تساؤلات وتحديات كبيرة تواجه الدعوة الإسلامية. المشركون في مكة لم يؤمنوا بفكرة الحياة بعد الموت، وكانوا يتساءلون عن ماهية هذا النبأ الذي يحمله محمد صلى الله عليه وسلم. كان ذلك تحديًا كبيرًا للنبي صلى الله عليه وسلم في طريقة إقناعهم بحقيقة البعث والقيامة.

ومع نزول هذه السورة، جاء التوجيه القرآني بأن التغيير الكبير الذي سيحدث في الكون في يوم القيامة هو أمر حتمي، وأن قدرة الله على إحياء الموتى وخلق الكون من جديد لا تشكك فيها، فهي جزء من إيمان المسلم بقدرة الله عز وجل.

الفائدة العقدية والتربوية للسورة

سورة النبأ تساهم في ترسيخ العقيدة الإسلامية في قلوب المسلمين، خاصة فيما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر. وقد كانت السورة بمثابة دعوة للتفكير والتأمل في مصير الإنسان في الآخرة. كما أنها تركز على جزاء الإنسان في الدنيا وفي الآخرة وفقًا لما قدمه في حياته من عمل صالح أو فاسد.

كما أن السورة تعمل على تحفيز المؤمنين على العمل الصالح وتجنب المعاصي والذنوب، حتى يحظوا بثمرات ذلك في الآخرة. وقد أشارت السورة في بعض الآيات إلى نعيم المؤمنين وجزاء الأعمال الحسنة، ما يشجع المسلم على الثبات على إيمانه والعمل بما يرضي الله.

خلاصة

سورة النبأ تعد من السور المكية التي تحمل العديد من الرسائل الإيمانية العميقة. سبب نزولها كان مرتبطًا بشكوك المشركين في مكة حول فكرة البعث والحساب بعد الموت. وقد جاء الرد القرآني حاسمًا من خلال تصوير دقيق ليوم القيامة، بما في ذلك العقاب الذي سيواجهه الكافرون والنعيم الذي سيناله المؤمنون.

السورة تحث المؤمنين على الإيمان بالآخرة وتعزز فيهم اليقين بأن الله قادر على كل شيء، بما في ذلك إعادة الخلق بعد الموت.