سبب نزول سورة المجادلة

أسباب نزول سورة المجادلة

تُعتبر سورة المجادلة من السور المدنية التي نزلت في مرحلة متقدمة من الدعوة الإسلامية، وتحمل بين آياتها رسائل دقيقة ومواقف حاسمة تتعلق بقضايا اجتماعية وقانونية هامة في المجتمع الإسلامي الأول. تكشف أسباب نزول سورة المجادلة عن جوانب متعددة من العلاقات الأسرية، والنزاعات التي كانت تحدث بين المسلمين، وكيف جاءت الشريعة لتنظيم هذه العلاقات وحل المشكلات بما يضمن العدل والمساواة.

السياق التاريخي والاجتماعي لنزول سورة المجادلة

في بداية عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، واجه المجتمع الإسلامي الجديد تحديات كثيرة من حيث بناء أسس العلاقات الاجتماعية والقانونية بين أفراده، خاصة مع ظهور قضايا جديدة لم تكن لها أحكام واضحة في الإسلام آنذاك. ومن هذه القضايا موضوع المَحصنات والطلاق والأُلفة الأسرية.

وكانت هناك عادات جاهلية متجذرة، منها ما يُعرف بـ”الظهار”، وهو قول الرجل لزوجته: “أنت علي كظهر أمي”، وهو تعبير يعادل الطلاق ولكنه لا يطلق الزوج زوجته بشكل فعلي، مما كان يسبب مشكلات كبيرة للمرأة وللأسرة ككل. هذه العادة كانت تمنع المرأة من أن تكون زوجة شرعية أو أن يتزوجها الرجل الآخر، لكنها في نفس الوقت لم تحررها من الزواج الحالي، مما أدى إلى وضعها في حالة غير قانونية واجتماعية صعبة.

قصة نزول السورة: حادثة خديجة بنت خويلد وزوجها أبي سفيان بن الحرب

الحادثة التي كانت السبب المباشر في نزول سورة المجادلة تتعلق بامرأة من صحابيات النبي، تُدعى خديجة بنت خويلد، وهي ليست نفسها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم التي تحمل نفس الاسم، وإنما امرأة أخرى من قريش تزوجها أبو سفيان بن الحرب. هذه المرأة لجأت إلى النبي لتشكو إليه ظلم زوجها الذي قال لها “أنت علي كظهر أمي” أي ظهر أمه، في إشارة إلى الظهار، ما جعلها محرومة من حقها في الزواج والطلاق.

روى المؤرخون والفقهاء أن خديجة بنت خويلد حضرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه هذا الظلم، فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة المجادلة لترد على شكواها، ولتضع حداً لهذه العادة الجاهلية التي كانت سبباً في معاناة الكثير من النساء.

موضوعات السورة وآياتها في سياق الأسباب الاجتماعية

تبدأ السورة بالإشارة إلى موقف المجادلة نفسها، حيث جاء في أول الآيات وصف لما جرى بين المرأة وزوجها من قول ظالم (الظهار) وتحذير الله من اتخاذ مثل هذه الأقوال وسيلة للظلم والتعدي على حقوق الآخرين. جاء في الآيات تأكيد على أن الله سمع شكوى المرأة، واصطفافه معها ضد الظلم.

بعد ذلك، تبيّن السورة الأحكام الشرعية الخاصة بالظهار، والتي تفرض على الزوج الذي قال لزوجته مثل هذا القول أن يتوب ويكفر عن هذا الظلم. جاء التكفير في صورة شروط صارمة منها إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو صيام ثلاثة أيام متتالية، مما يوضح جدية الموقف وأن الإسلام لا يسمح بتبخيس حقوق الزوجة أو الظلم في العلاقات الزوجية.

الأحكام الاجتماعية والتشريعية في السورة

إضافة إلى قضية الظهار، تتناول سورة المجادلة مواضيع أخرى تتعلق بالسلوك الاجتماعي، مثل ضرورة احترام مجالس النقاش وعدم التجسس، وأهمية احترام النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مؤاخذته بسبب أقوال بعض المنافقين، وهذا يتضح في الآيات التي تتحدث عن تحذير الله لمن يناقش النبي سرا.

كما تؤكد السورة على مكانة الذين يعادون الله ورسوله ورسول الله، وتبيّن عاقبة المنافقين وأعداء الدين، وتشدد على أن الله مطلع على كل سرير ومكشوف، وأنه قادر على إنزال العقاب بالمنافقين.

الآثار الاجتماعية لسورة المجادلة

نزول سورة المجادلة كان له أثر بالغ في معالجة قضية الظهار التي كانت تمثل مأساة اجتماعية بالنسبة للكثير من النساء. فتشريع هذه السورة عمل على إبطال العادات الجاهلية الظالمة، وجعل المرأة في المجتمع الإسلامي تتمتع بحقوقها كاملة.

كما ساعدت السورة في تقوية مفهوم العدل والمساواة بين الجنسين، وحماية الأفراد من الاستبداد اللفظي أو النفسي داخل الأسرة، وأكدت على أن الشريعة جاءت لتحقق رحمة الله وعدله بين الناس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن السورة كانت تأكيداً على أن الحوار والشفافية والصدق هي أساس العلاقات الإنسانية، وأن كل من يحاول الإساءة للرسول أو للنبي في أسرار مجلسه سيجد الله سمع وبصيرة على كل ما يجري.

جدول يوضح الفرق بين العادة الجاهلية وتشريع الإسلام في الظهار

المصادر والمراجع

1. الطبري، محمد بن جرير. “تفسير الطبري”. دار الفكر، بيروت.

2. ابن كثير، “تفسير القرآن العظيم”. دار الفكر، بيروت.

سورة المجادلة تعد من السور التي تعكس عمق الشريعة الإسلامية في معالجة القضايا الاجتماعية التي كانت تحتاج إلى تصحيح وتشريع، وقد أسست لقواعد من العدالة الاجتماعية التي تحفظ حقوق الجميع وتكفل توازن العلاقات الإنسانية، فتأتي السورة كتأكيد على أن الإسلام جاء رحمة وعدلاً بين الناس، مع تصحيح العادات التي تنتهك الحقوق وتؤدي إلى الظلم.