سبب نزول سورة الفجر

سبب نزول سورة الفجر

تعد سورة الفجر من السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة قبل الهجرة، وتحتوي على العديد من المعاني العميقة التي تتناول موضوعات تتعلق بالبعث والحساب، وقد نزلت هذه السورة لتوجيه رسالة قوية إلى المشركين ولفت انتباههم إلى عواقب ظلمهم. تجسد هذه السورة أسلوبًا فنيًا متقنًا في تصوير مشاهد القيامة وتذكير المكذبين بما سيحدث لهم يوم الحساب. في هذا المقال، سنتناول سبب نزول سورة الفجر ونتناول تفسير آياتها مع تسليط الضوء على الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من نزولها.

نزول السورة في مرحلة مبكرة من الدعوة

سورة الفجر من السور المكية، وتعد من السور القصيرة التي تحمل معاني ضخمة وكثيرة. لقد نزلت السورة في وقت كان فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يواجه معارضة شديدة من قريش وأشراف مكة الذين كانوا يحاربون دعوته بكل الوسائل الممكنة. وكان من ضمن التحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة الاضطهاد والتهديدات التي تعرض لها الصحابة المؤمنون. جاءت السورة لتؤكد على حقيقة كبيرة وهي أن الظلم والكفر سيقابلهما حساب عادل من الله تعالى.

سبب نزول السورة

إن سبب نزول سورة الفجر يتصل بشكل رئيسي بالمشركين في مكة، الذين كانوا يستهزئون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهرون السخرية بالرسول الكريم وأتباعه. في الوقت نفسه، كانت قريش تنعم بالقوة والسلطة، وكان لها نفوذ كبير في الجزيرة العربية، مما جعلها تميل إلى التفاخر والاستكبار على المؤمنين. وبالتالي، كانت السورة بمثابة تحذير شديد اللهجة لهم من أن قوة الله سبحانه وتعالى لا تُقارن بأي قوة دنيوية، وأن هذا التفاخر لن يدوم.

فيما يتعلق بتفاصيل نزول السورة، فقد رُوي أن السورة نزلت في سياق تأكيد معاناة المؤمنين في مكة والوعيد للمكذبين. ولكن لا توجد روايات معينة تشير إلى حادثة واحدة بعينها، وإنما نزلت السورة بشكل عام لتكثيف التحذيرات للمشركين وأتباعهم.

تفسير الآيات ودلالاتها

تبدأ السورة بالقسم في قوله تعالى: “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ” (الفجر: 1-4). هذه الآيات تتحدث عن أهمية الزمن في إظهار عظمة الخالق، فالفجر هو بداية النهار، ويمثل بداية جديدة وأملًا بعد الظلام، أما العشر هي أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة التي لها مكانة عظيمة في الإسلام. والآية التي جاءت بعدها، والتي تتحدث عن الشفع والوتر، يمكن أن تحمل دلالة على أنه في الحياة هناك أمور كثيرة تظهر جلية (الشفع) وأخرى تظهر فجأة (الوتر)، وهذه هي سنة الله في الكون. ثم جاء ذكر الليل الذي يسير، وهو إشارة إلى أن كل شيء في هذا الكون يتحرك وفقًا لمشيئة الله، وكل شيء له وقت محدد.

الآيات التي تليها “هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ” (الفجر: 5) تشير إلى أن هذه الآيات هي قسم بآيات من الكون العظيم، وفيها تذكير للمكذبين بأن هذه الآيات هي حجج قاطعة لمن لديه عقل وعقلانية.

الإشارة إلى المكذبين

في الآيات التالية، تتحدث السورة عن الأمم السابقة التي كانت قد تَفاخرَت واعتقدت أنها لن تُهزم، مثل قوم عاد وثمود وفرعون، وتذكر السورة كيف أن الله أهلكهم بسبب تكبرهم واستكبارهم على الحق ورفضهم الإيمان.

“كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَفِرْعَوْنُ فِي بَطْشٍ شَدِيدٍ” (الفجر: 10) تشير إلى أن المكذبين الذين كانوا في ماضي الأمم قد لاقوا هلاكهم بسبب تكبرهم. وهذه الآية هي بمثابة تحذير لكل من يستمر في تكذيبه بالرسالة، يظن أن الله غافل عما يفعل.

تهديد للأثرياء والمستكبرين

عند الحديث عن الأثرياء والمستكبرين الذين ينعمون بالمال والسلطة، جاءت الآيات لتؤكد على أن المال لا يُعني العصمة من عذاب الله إذا كان صاحبه قد ظلم أو استكبر. “إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ” (الفجر: 14) تأتي هذه الآية لتؤكد أن الله تعالى يراقب كل من يظلم ويستكبر، وفي الوقت الذي يعتقد فيه الإنسان أنه في أمان بسبب قوته، فإن الله هو الذي يملك زمام الأمور، وهو الذي يحدد مصير الجميع.

العظة للمؤمنين

لا تقتصر السورة على تهديد المكذبين، بل تعطي دروسًا للمؤمنين أيضًا. ففي ختام السورة، يذكر الله تعالى أن المؤمنين هم الذين يتمتعون بالنجاة في النهاية، وأن الذين يعاملون الله بالصدق في أعمالهم وأقوالهم هم من سينعمون برضا الله في الدنيا والآخرة. “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ” (الفجر: 27) هي دعوة للمؤمنين بأن يطمئنوا إلى أن الله معهم، فكل عمل صالح يفعله المسلم سيُثاب عليه.

الهدف من السورة

الهدف الأساسي من سورة الفجر هو إثبات أن الحياة الدنيا ليست هي الهدف النهائي للإنسان، وأن الله هو الذي يملك كل شيء في الأرض وفي السماء. السورة تبرز أهمية التواضع في مواجهة نعمة الله، وتُظهر أن الظلم لن يدوم طويلاً، وأن العاقبة ستكون للمؤمنين. السورة كذلك توجه رسالة قوية للمكذبين بأنهم في النهاية سيواجهون مصيرهم، وأن هناك حسابًا شديدًا في الآخرة لكل من طغى وظلم.

الخلاصة

تعد سورة الفجر من السور المكية التي تحمل رسائل قوية لكل من يُظلم ويُستكبر في الأرض. فهي تذكر المكذبين والظالمين بعاقبة أفعالهم وتحثهم على التوبة والرجوع إلى الله، بينما تقدم للمؤمنين الأمل والطمأنينة بأن الله تعالى يراقبهم ويراعهم، وأن أعمالهم الصادقة لن تضيع سدى.