سبب نزول سورة التحريم
سورة التحريم هي السورة رقم 66 في القرآن الكريم، وهي من السور المدنية التي نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. تتألف السورة من 12 آية، وتتعلق في مجملها بمواقف وأحداث وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعض من تصرفاته التي كانت محطًا للأنظار، خاصة في نطاق الأسرة والعلاقات الشخصية. يطلق عليها أيضًا اسم “سورة التحريم” لأن كلمة “التحريم” وردت فيها، وفيها تحذير ووعظ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولأمة المسلمين.
سياق نزول السورة
تعتبر سورة التحريم واحدة من السور التي تناولت جانبًا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، وأحداثًا وقعت في بيته المبارك مع أزواجه. وتاريخ نزول السورة مرتبط بمواقف حدثت مع بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت تؤثر في الأمة الإسلامية بشكل عام.
كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته يعامل زوجاته برفق وحنان، لكنه في وقت من الأوقات تعرض لبعض المواقف التي أضحت محط اهتمام الناس بشكل زائد. أحد هذه المواقف كان يتعلق بعلاقة النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى زوجاته، حيث كان يحب تناول بعض الأطعمة التي كانت تُعد وتُحضر له في بيته. أحد هذه المواقف كان مع زوجته السيدة حفصة رضي الله عنها، حيث حدث أن أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بسر كان بينه وبين إحدى زوجاته الأخريات، وهي السيدة مارية القبطية رضي الله عنها، مما أزعج النبي وأثار في قلبه بعض الحرج.
كان من المعروف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحترم خصوصيات زوجاته ويحاول دائمًا أن يُبقي علاقاته الأسرية بعيدة عن أعين الناس. ومع ذلك، حدث أن أخبرت حفصة النبي صلى الله عليه وسلم بما كان يُخبِّئه عن زوجته الأخرى، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأقسم أنه لن يعود إلى تلك العلاقة. في هذا السياق نزلت سورة التحريم، حيث تتناول هذه الحادثة وتحذر من الإفشاء بالأسرار وتدل على أن الله سبحانه وتعالى قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتجاوز هذه المسألة.
مضمون السورة
سورة التحريم تدور حول ثلاثة مواضيع رئيسية:
-
تحذير من الإفشاء بالأسرار: تتناول السورة قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجتيه، حفصة وعائشة رضي الله عنهما، وتوجه إليهما نصيحة تحذر من التسرع في نشر الأسرار أو الأسرار الخاصة بالعلاقات الشخصية.
-
التحذير من الحلف على المحرمات: من خلال الحلف الذي حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته حفصة رضي الله عنها، تؤكد السورة على ضرورة التحكم في الوعود والعهود، وخاصة تلك التي تشمل الامتناع عن أمر مشروع.
-
التوبة والرجوع إلى الله: وتدعو السورة المؤمنين جميعًا إلى التوبة والتوجه إلى الله عز وجل، ففي الآية الأخيرة تتحدث عن التوبة إلى الله لتكون التوبة نافعة في الدنيا والآخرة.
سبب تسمية السورة “التحريم”
تمت تسمية السورة بهذا الاسم نسبة إلى الحدث الذي حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث حرم على نفسه شيئًا كان يحب من أجل رضا زوجته حفصة رضي الله عنها. وفي هذا الفعل درس كبير للأمة الإسلامية في أن يُحسنوا التصرف في علاقاتهم مع أقربائهم وأصدقائهم، وأن يكونوا حذرين في الأمور التي قد تكون سببًا لافتراق أو سوء فهم.
تفسير الآيات
الآية الأولى في السورة، “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَفْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (التحريم: 1)، تعكس ما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما حرم على نفسه شيئًا كان يحبه، وقد أظهرت هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ما فعله هو من باب الرغبة في إرضاء أزواجه، لكنه لا ينبغي له أن يذهب إلى حد التحريم.
أما الآية الثانية في السورة، “وَإِذْ فَارَقَ النَّبِيُّ النِّسَاءَ فِي رِجْوَاهُ فَسَارَ فِي النَّاسِ” (التحريم: 2)، فكانت إشارة إلى الحادثة التي تحدثت عنها بعض الأحاديث التي ربطت بين تصرف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد.
أبرز الموضوعات الواردة في السورة
إحدى الموضوعات الرئيسية التي تطرقت إليها السورة هي تحذير الأزواج من إشراك الآخرين في الأمور الخاصة والمواقف الأسرية. وقد نزل هذا التحذير ليتبين لنا أهمية الحفاظ على العلاقات الأسرية والخصوصيات.
كما أن السورة تركز على أهمية الاستقامة في العهود والتفاهم بين الأزواج. إذ يُظهر في هذا السياق أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالتوبة عن المعصية، وأنه يغفر لمن تاب وندم على خطأه.
كما يذكر الله في السورة في آخر آياتها كيف يمكن للإنسان أن يكون نموذجًا يحتذى به في حياته، حيث يذكر قصة السيدة مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون. وتُبرز السورة نموذجين مختلفين في حياتهم: نموذج الصبر والتقوى ونموذج التفاني والإيمان بالله عز وجل.
علاقة السورة بالحياة اليومية
تعتبر سورة التحريم بمثابة تذكرة دائمة للمسلمين حول ضرورة الحذر من إفشاء الأسرار وضرورة الحفاظ على العلاقات الإنسانية من أي فوضى أو تداخل قد يؤدي إلى سوء الفهم. كما أن السورة تمثل دعوة للتوبة من كل ما قد يؤدي إلى تحطيم العلاقات وتفكيك الأواصر بين المسلمين.
إن هذه السورة تعلمنا كيف أن العلاقات الزوجية يجب أن تكون قائمة على الاحترام والتفاهم، وألا تُستخدم الأمور الشخصية أو الأسرار في سياق التهديد أو الانتقام. فهي دعوة لإصلاح النفس، والحفاظ على القيم الإسلامية في جميع الجوانب الحياتية.
الخاتمة
إن سورة التحريم تُعد من السور التي تحمل دروسًا كبيرة للمسلمين في مختلف جوانب حياتهم. هي دعوة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى، وتحذير من الوقوع في الخطايا التي قد تضر بالعلاقات الأسرية والمجتمعية. من خلال فهم أحداث السورة وأسباب نزولها، يمكننا استنباط حكم عظيمة تفيد المسلم في تحسين سلوكه وتعامله مع الآخرين، والحفاظ على التوازن بين الحياة الشخصية والدينية.
