سبب نزول سورة الإنسان
سورة الإنسان هي إحدى السور المكية التي تتناول موضوعات عديدة ذات أبعاد فكرية وروحية تهدف إلى تعزيز الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وتوجيه الإنسان نحو الاهتمام بالجانب الأخلاقي والتوجه إلى العبادة الخالصة لله. يتحدث القرآن الكريم في هذه السورة عن أحوال الإنسان، وعن تفضيل الله له على كثير من المخلوقات، وعن نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. إلى جانب ذلك، فهي تذكير بضرورة الإيمان بالله والقيام بالطاعات والعبادات لتنال الثواب في الدنيا والآخرة.
السورة وسبب نزولها
إن السبب في نزول سورة الإنسان يرتبط بقصة متميزة تناولتها بعض الروايات التي توضح العلاقة بين السورة وأحداث حياتية كانت تمس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في وقت نزولها.
روى بعض المفسرين، أن سورة الإنسان نزلت في فترة من فترات المعاناة التي عاشها المسلمون الأوائل في مكة، خصوصاً في زمن الابتلاءات والتضييق من قبل قريش. فقد كان الصحابة الأوائل يعانون من ظلم قريش ويواجهون ألوانًا من العذاب بسبب إيمانهم بالدين الجديد الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. في هذا السياق، كان الصحابة يعيشون أوضاعًا صعبة للغاية، خاصة بعد أن فُرض عليهم صبر عظيم في مواجهة محن الحياة.
القصة التي ربطت السورة مع الصحابة
تبدأ القصة المرتبطة بنزول السورة مع صحابي جليل يُسمى “عبد الله بن مسعود”، الذي يروي في بعض الأحاديث أن السورة نزلت بعد أن قام بعض الصحابة بإطعام مسكينٍ جائعٍ، وهو ما ورد في حديث “عن ابن عباس” حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الصحابة أن يُطعموا الفقراء والمساكين ويساعدوا ضعفاء المجتمع، فكان الصحابة يجتهدون في ذلك رغم قلة المال.
ثم جاء الله تعالى ليُثني عليهم وعلى أعمالهم الطيبة، وأعطاهم وعدًا بتفضيلهم على الآخرين في الآخرة، وأعطى لهم جزاءً من عنده يليق بما قدموه من تضحية. كان هذا السبب المباشر وراء نزول السورة، حيث تركزت الآيات في الثناء على أفعال الصحابة الذين قدموا التضحيات من أجل رضاء الله.
النصوص القرآنية في السورة
يبدأ الله عز وجل السورة بالحديث عن الإنسان وحقيقة خلقه في قوله:
“هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا” (الإنسان: 1)
هذه الآية تُذكّر الإنسان بمرحلة انعدام وجوده قبل أن يُخلق، إذ لم يكن شيئًا يُذكر. هذه الآية تعكس العظمة الإلهية في الخلق ويد الله الذي أوجد الإنسان من العدم، لتكون بداية السورة تأكيدًا على ضعفه وبداية خلوده في الكون. وقد جاءت هذه الآية في سياق تذكير الإنسان بأن كل شيء بيد الله، وخلق الله للإنسان ليس محض صدفة بل هو مظهر من مظاهر القدرة الإلهية.
ثم تستمر السورة لتتحدث عن اختبار الله للإنسان في الدنيا، وتُظهر مدى تأثير الابتلاءات التي يواجهها المؤمنون. يبين الله عز وجل في هذه السورة كيف أن الإنسان قد خُلِق في صبره وابتلاءاته وأحواله المتقلبة بين السراء والضراء.
تدعيم الفقراء والمساكين في السورة
واحدة من أبرز سمات سورة الإنسان هي دعوتها إلى العطاء والمساعدة تجاه الفقراء والمساكين. وقد ورد في الآية الثانية من السورة قوله تعالى:
“إنا هُدَيْنَاهُ السبيل إما شاكراً وإما كفوراً” (الإنسان: 3)
هذه الآية تبيّن أن الإنسان قد خُلق ليكون مُختارًا بين الشكر والكفر، وله حرية القرار في أن يكون شاكرًا أو جحودًا. وقد تدعم السورة في هذا السياق دعوة الصحابة إلى أن يكونوا من الشاكرين، ويذكر أن الإيمان والطاعة ليسا مجرد كلمات بل أفعال من خلال تقديم الصدقات ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
تُعد السورة أيضًا دعوة لتحمل المسؤولية الإنسانية تجاه الآخرين ومراعاة حاجاتهم وحقوقهم. كما تضمنت السورة في ثناياها تحفيزًا على فعل الخير والتطوع في مساعدة الآخرين، خاصة في الظروف الصعبة.
سمو الثواب للمؤمنين
من أبرز الدلالات القرآنية في هذه السورة هو الحديث عن الثواب الكبير الذي يترقبه المؤمنون الذين يثبتون على الإيمان في أصعب الأوقات. يقول الله تعالى في الآية:
“إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً” (الإنسان: 23)
تعتبر هذه الآية تذكيرًا بالنزول الإلهي للقرآن الكريم، الذي هو مرشد للبشرية إلى سبيل النجاة والفلاح. وفي سياق نزول السورة، نجد أن القرآن هو المصدر الأساسي للإلهام والدافع الذي يساعد المؤمنين على الصمود والثبات في مواجهة الشدائد.
فيما بعد، تتوالى الآيات ليبشر الله المؤمنين الذين يعطون المال في سبيل الله، ويتصدقون على من هم في حاجة، بالجنة والخلود الأبدي في نعيم لا ينقطع.
رسالة السورة
تؤكد سورة الإنسان على مفاهيم عدة:
-
الخلق والتدبير الإلهي: تذكّر السورة الإنسان أن خلقه كان بإرادة الله وتدبيره الحكيم، وأنه لم يكن شيئًا يُذكر في بداية الخلق.
-
ابتلاء الإنسان: تدعو السورة الإنسان إلى الإيمان بالابتلاءات واختبار الله له في مختلف جوانب حياته، وتأكيد أن الإيمان في الأوقات الصعبة هو السبيل للنجاة.
-
التحفيز على الصدقات: السورة تشير إلى أهمية العطاء، وخاصة للفقراء والمساكين، وتبين أن هذا الفعل يجلب للإنسان ثوابًا عظيمًا في الآخرة.
-
المكافأة بالجنة: تُعد السورة بشارة للمؤمنين الذين يُكثِرون من العبادات ويُخلصون لله، حيث وعدهم الله بجنة تجري من تحتها الأنهار.
خلاصة
سورة الإنسان ليست فقط رسالة عن الإنسان وخلقه، بل هي أيضًا دعوة للتفكر في نعم الله وألطافه، وتأمل في العواقب الإيجابية التي يترتب عليها القيام بالخير والعطاء. هي دعوة صريحة لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكونوا متسامحين مع الفقراء والمحتاجين، وأنهم في ذلك سيكسبون ثوابًا عظيمًا.
