سبب نزول سورتي الفلق والناس
مقدمة
سورتي “الفلق” و”الناس” هما آخر سورتين في القرآن الكريم، ويشكلان جزءًا مهمًا من السور التي تهدف إلى حماية المسلم من الأذى، وطلب المعونة والحماية من الله عز وجل. تكمن خصوصية هاتين السورتين في أنهما تركزان على الاستعاذة بالله من مختلف أنواع الشرور، مما يجعل فهم سبب نزولهما ذا أهمية خاصة.
نزول سورتي الفلق والناس
تعتبر سورتي الفلق والناس من السور التي نزلت في أوقات مختلفة لكن بتأثير واحد، وهو تقديم الحماية للمسلمين من الأذى النفسي والروحي. لقد نزلت هاتان السورتان في وقت كان فيه المسلمون يواجهون العديد من التحديات والمصاعب، سواء كانت من أعداء الإسلام أو من أذى داخلي في المجتمع. وعليه، فإن نزولهما كان بمثابة طمأنينة وراحة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.
سبب نزول سورة الفلق
سورة الفلق، التي تتألف من خمس آيات، هي إحدى سور المعوذتين، وقد نزلت هذه السورة في وقت كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه الكثير من الأذى من الكفار والمشركين. كانت السورة بمثابة استعاذة بالله من شرور العالم المحيط به، بما في ذلك الشرور الظاهرة والخفية التي قد تؤذي الإنسان.
يُذكر في بعض الأحاديث النبوية أن سورة الفلق نزلت بعد حادثة معينة، حيث قام أحد الكفار (ويروى أنه كان من بني قريش) بسحر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أوضح بعض المفسرين أن هذا السحر كان له تأثير كبير على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أثر ذلك في حالته النفسية والجسدية.
وروى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تأذى من سحر لبيد بن الأعصم اليهودي، الذي سحره بطريقة جعلت النبي يشعر بآلام وأعراض غير معتادة. وقد جاء ذلك في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: “إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي مات فيه: “يا عائشة، يا عائشة، في كل يوم يزداد ألمنا…”، فما كان إلا أن نزلت سورتي الفلق والناس ليعطي الله سبحانه وتعالى لنبيه الحماية الكاملة، وطلب المساعدة من شرور السحر والشياطين والشرور التي يحيكها أعداؤه.
كما جاء عن الإمام الطبري في تفسيره أن هذه السورة نزلت لتعلم المسلمين كيفية الاستعاذة بالله من الشرور التي قد تؤذي الإنسان في حياته اليومية، سواء كانت شرورًا مرئية أو غير مرئية. وقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه سورتي الفلق والناس ويحثهم على قراءتهما كل صباح ومساء؛ لحمايتهم من الأذى.
سبب نزول سورة الناس
أما سورة الناس، فهي السورة الأخيرة في القرآن الكريم وتتألف من ست آيات. وعلى غرار سورة الفلق، فإن هذه السورة نزلت لتوفير الحماية والوقاية للمؤمنين من الشرور التي قد تؤثر على أرواحهم وعقولهم. وتُذكر بعض المصادر أن سورة الناس نزلت بعد نزول سورة الفلق، لكنها ركزت بشكل أكبر على الاستعاذة بالله من وساوس الشيطان وألاعيبه.
ومن الجدير بالذكر أن سورة الناس قد نزلت في وقت كان فيه المسلمون يواجهون محاولات مستمرة من أعدائهم لتحويلهم عن دينهم، وكان الشيطان وأعوانه يبذلون جهدًا كبيرًا في تحريك قلوب الأفراد ضد النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك، كانت هذه السورة تشتمل على استعاذة بالله من شر الوسواس الذي قد يأتي من الشيطان أو من الجن، الذي يحاول أن يزعزع إيمان المسلمين ويؤثر على حياتهم الروحية.
جاء في حديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السورة مع سورة الفلق كل ليلة قبل أن ينام، وكان يحث أصحابه على فعل نفس الشيء ليحصنوا أنفسهم ضد شرور الدنيا. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قرأ آية الكرسي وسورتي الفلق والناس حين يصبح، لم يضره شيء حتى يمسي.”
أهمية نزول سورتي الفلق والناس في حياة المسلمين
تمثل سورتي الفلق والناس حماية للمسلمين من أنواع مختلفة من الشرور، سواء كانت مادية أو معنوية. فالفلق، كما ذكرنا، تعني انشقاق الصبح أو الفجر، وهو يمثل بداية جديدة، أما الناس فهي تشير إلى البشر في عمومهم، الذين قد يكونون مصدرًا للشرور على اختلاف أنواعها.
يُعتبر تكرار قراءة هاتين السورتين من السنن المهمة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارسها، حيث كانت تقرأ في أوقات معينة من اليوم، مثل عند الاستيقاظ من النوم وقبل النوم، لتعزيز الحماية الروحية والنفسية للمؤمنين. ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ المعوذتين.” وهذا يؤكد أهمية الاستعاذة بالله من الشرور التي قد يتعرض لها المسلم سواء كانت في صورة سحر أو شرور من أعداء الدين.
تأثير السورتين على المجتمع المسلم
للسورتين تأثير عميق على المسلمين في جميع أنحاء العالم، إذ يمكن اعتبارهما من أهم وسائل الحماية الروحية. فقد أجمعت الأمة الإسلامية على قراءتهما في مختلف المناسبات، من أجل تعزيز الإيمان وطلب الحماية من الله سبحانه وتعالى. إن سورهما ليست فقط كلمات تردد في الصباح والمساء، بل هي دعاء يستحضره المسلم لحماية نفسه من شرور الشياطين والإنس والجن، وطلب الوقاية من الأذى الروحي والنفسي.
تعتبر المعوذتين (الفلق والناس) بمثابة حصن حصين ضد كل من يحاول أن يضر المسلم سواء في صحته أو ماله أو أسرته أو دينه. وقد أثبتت العديد من الدراسات الدينية والروحية أثر قراءة هاتين السورتين في تحسين الحالة النفسية للمؤمنين، وجعلهم في أمان من الحسد والسحر والشرور.
الخاتمة
إن نزول سورتي الفلق والناس كان له أثر بالغ في حياة المسلمين، إذ قدمت لهما الحماية من الشرور بكل أنواعها. من خلال السورة الأولى، استعاذ المسلم من كل ما يضر به في هذا العالم، سواء كان من شرور الخلق أو شرور المخلوقات غير المرئية. أما السورة الثانية، فقد أكدت على أهمية الاستعاذة بالله من وساوس الشيطان التي قد تزعزع الإيمان. لقد كانت هاتان السورتان نعمة عظيمة من الله تعالى للمسلمين، ووسيلة هامة لتحصين النفس وحمايتها من كل ما قد يضر بها.
