سبب تسمية يوم التروية بهذا الاسم

يوم التروية هو أحد الأيام المهمة في مناسك الحج، ويحتل مكانة خاصة في ترتيب وأحداث موسم الحج. يترافق هذا اليوم مع الاستعدادات النهائية للحجاج قبل الوقوف بعرفة، وهو يحمل في طياته تاريخًا ودلالات تعكس عادات وتقاليد منذ عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يوم له أسباب تسميته التي استقرت عليها الروايات التاريخية والفقهية، مما جعل اسمه يحمل معنى روحيًا وعمليًا للحجاج.

في هذا المقال، سنقوم بتناول سبب تسمية يوم التروية بالتفصيل، مع شرح ما يرتبط بهذا اليوم من مناسك وأحداث، وتوضيح الأهمية الدينية والتاريخية التي جعلت من هذا اليوم محطة هامة في رحلة الحج.

تعريف يوم التروية

يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يبدأ فيه الحجاج بالتحرك نحو مشعر منى، استعدادًا للوقوف بعرفة في اليوم التالي، وهو التاسع من ذي الحجة. ويُعتبر هذا اليوم محطة انتقالية بين الإحرام وبداية أداء المناسك الكبرى في الحج.

في يوم التروية، يتوجه الحجاج إلى منى ويقيمون فيها، ثم يتهيئون لوقفة عرفة التي تُعد الركن الأعظم من أركان الحج. لذلك، فإن هذا اليوم يحمل أهمية كبيرة، ويعرف بأنه يوم إعداد وتجهيز للوقوف بعرفة.

أصل التسمية: لماذا سمي يوم التروية؟

اسم “التروية” مشتق من الجذر اللغوي “روى” الذي يحمل عدة معانٍ، من بينها: شرب الماء، والتحضير، والتمكين. وفي سياق هذا اليوم، يُقال إن التسمية جاءت بسبب عادة الحجاج في ذلك الوقت الذين كانوا يتوقفون فيه عن السير ليشربوا الماء ويرووا عطشهم، استعدادًا لرحلتهم إلى عرفات.

1. المعنى اللغوي لكلمة “التروية”

كلمة “تروية” في اللغة العربية تعني شرب الماء بكثرة، والتمكين من الماء، وهو ما يدل على السقي والارتواء. وفي معجم لسان العرب، ورد أن التروية تعني: “شرب الماء”، و”روى نفسه” تعني تزوّد بالماء. وقد استُخدم هذا المصطلح للدلالة على تمكين الجسد والعقل بالراحة بعد التعب.

في حالة يوم التروية، يشير الاسم إلى فعل الحجاج الذين كانوا يزودون أنفسهم بالماء والراحة استعدادًا لليوم الأكبر في الحج، وهو يوم عرفة.

2. روايات تاريخية حول سبب التسمية

يروي المؤرخون أن الحجاج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتوقفون في هذا اليوم عن المشي الطويل لكي يرووا ظمأهم ويستريحوا في منى. فكانوا يحملون معهم الماء، ويروونه في هذا اليوم قبل الاستعداد للوقوف بعرفة.

ويقال أيضًا إن الحجاج كانوا يشربون في ذلك اليوم الماء بكثرة، فاشتُهر هذا اليوم بليلة التروية أو يوم التروية، أي يوم ارتواء الجسم بالراحة والماء قبل السفر إلى عرفات.

3. التروية بمعنى التجهيز والاستعداد

إلى جانب معناه الحرفي المرتبط بالماء، فإن كلمة “التروية” تدل أيضًا على التجهيز والاستعداد، وهو ما يتناسب تمامًا مع حال الحجاج في هذا اليوم. إذ إن يوم التروية هو اليوم الذي يجهز فيه الحاج نفسه روحيًا وجسديًا، حيث يحرص على التخطيط والتنظيم لأداء مناسك الوقوف بعرفة.

في هذا السياق، يمكن اعتبار التروية مجازًا عن الاستعداد الكامل والتزود بكل ما يلزم من ماء، وطعام، وراحة، وقوة روحية وبدنية، لتأدية الركن الأعظم من الحج.

الأهمية الدينية ليوم التروية

يوم التروية له مكانة خاصة في السنة النبوية وفي السنن المتبعة للحج، ويعتبر بداية تنفيذ المناسك الكبرى التي تبدأ من منى.

1. تحضير الحجاج للوقوف بعرفة

الوقوف بعرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة هو الركن الأعظم للحج، ولا يصح الحج بدونه. لذلك فإن يوم التروية يُعد اليوم الذي يهيئ فيه الحاج نفسه للوقوف بعرفة، حيث ينطلق في الصباح من مكة إلى منى، ويبيت هناك.

في هذا اليوم، يرتبط الحاج بالله تعالى من خلال النية والاحتساب، ويبدأ في ترك كل ما يشغله عن هذا الركن العظيم، مركّزًا على الطاعة والعبادة.

2. اتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية)، ويُبيّت فيها، وقد ورد ذلك في الأحاديث النبوية التي تحدد مواقيت وأماكن أداء مناسك الحج.

هذه السنة التي كانت فعل النبي، أصبحت نهجًا متبعًا من قبل الحجاج في كل زمان ومكان، وبهذا اليوم تبدأ مناسك الحج الأكبر تدريجيًا.

مناسك يوم التروية

في يوم التروية، يقوم الحجاج بأعمال عدة تمثل التهيئة لوقفة عرفة، وتشتمل على الأفعال التالية:

• الإحرام من الميقات: حيث يحرم الحاج من الميقات الخاص به بنية الحج.

• التحرك من مكة إلى منى: حيث ينتقل الحجاج إلى منى، ويقيمون هناك ليلة التروية.

• الصلاة في منى: يُستحب أداء الصلوات في منى والاقامة فيها.

• الاستراحة والتزود: حيث يحرص الحاج على شرب الماء والراحة لاستعادة النشاط.

• الذكر والدعاء: يعد هذا اليوم فرصة للحاج للتقرب إلى الله بالدعاء وذكره.

جدول يوضح مقارنة بين يوم التروية وأيام الحج الأخرى

الأبعاد الاجتماعية والنفسية ليوم التروية

يوم التروية ليس مجرد يوم انتقال من مكان إلى آخر، بل هو يوم يحمل دلالات نفسية وروحية واجتماعية كبيرة. فهو يوم يقيم فيه الحاج على صلة بالله، ويستجمع فيه قواه الجسدية والنفسية، ويندمج مع جماعة الحجاج، متشاركين الهدف والنية والروح.

يخلق هذا اليوم حالة من التأمل والتجهيز النفسي، حيث يبدأ الحاج في استحضار معاني الوقوف بعرفة وأثره العظيم في تجديد الإيمان والتوبة.

تطور مفهوم يوم التروية عبر التاريخ الإسلامي

عبر العصور، ظل يوم التروية يحتفظ بمكانته وأهميته في مناسك الحج، ولكنه تطور من مجرد يوم للشرب والراحة إلى يوم محوري في رحلة الحج.

في البداية، كان التركيز على الاستراحة الجسدية، ثم توسعت الفكرة لتشمل الاستعداد الروحي والعقلي، وكذلك تنظيم التجمعات والحشود في منى، بما يتناسب مع أعداد الحجاج المتزايدة.

كما أن الحكومات الإسلامية عبر التاريخ حرصت على تنظيم هذا اليوم لتسهيل حركة الحجاج وضمان سلامتهم، وهو ما يجعله يومًا ذا بعد تنظيمي هام في الحج الحديث.

الخلاصة

يوم التروية يحمل في اسمه معنى عميقًا يجمع بين المعنى الحرفي لشرب الماء والارتواء، والمعنى المجازي للتزود والاستعداد الكامل للركن الأعظم من الحج وهو الوقوف بعرفة. هذا اليوم ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل هو محطة إعداد روحية وجسدية للحاج، يحمل في طياته تواصلًا مع السنة النبوية وأثرًا نفسيًا واجتماعيًا يتجسد في حركة الحجاج نحو منى، حيث التهيئة لأعظم مناسك الحج.

تاريخيًا، جاءت التسمية تعبيرًا عن عادة الحجاج في ارتواء عطشهم وشربهم للماء، وكذلك تعبيرًا عن الاستعداد والتمكين الذي يجمع بين الجسد والروح في يوم يسبق الوقوف بعرفة. وتظل هذه التسمية شاهدة على البساطة والعمق في آن واحد، فهي تربط الماضي بالحاضر، وتحمل معاني دينية ووظيفية تتجدد مع كل موسم حج.

المصادر والمراجع

• كتاب “فقه الحج والعمرة” للدكتور يوسف القرضاوي، دار المعرفة، 2010.

• “الحج في الإسلام” لمؤلفه الدكتور محمد رشاد سالم، دار الكتب العلمية، 2015.