سبب تسمية سورة الزمر

سبب تسمية سورة الزمر

سورة الزمر هي السورة التاسعة والثلاثون في القرآن الكريم، وهي من السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة، وتعد من السور التي تتناول موضوعات هامة ومفصلّة حول العقيدة الإسلامية، كالتوحيد وعبادة الله وحده، وأهمية الإيمان بالآخرة، بالإضافة إلى تحذير المكذبين والمشركين من مغبة إعراضهم عن الحق واتباعهم للباطل. أما عن سبب تسميتها بـ”الزمر”، فيعود إلى الآية الرابعة والعشرين في السورة، حيث ورد ذكر الزمر في سياق وصف جماعات أهل النار، والذين يدخلونها متفرّقين في مجموعات أو “زُمَر”.

معنى الزمر

كلمة “الزمر” تأتي من الجذر العربي “زَمَرَ”، وهي تعني: “الطائفة أو الجماعة” من الناس. والمراد بـ”الزمر” في القرآن الكريم هنا، هو تلك الجماعات التي تدخل النار على مراحل، حيث يدخل بعضهم بعد بعض، وكل جماعة تُجرّ إلى النار على حدة. بهذا المعنى، تمثل الزمر في السورة صورة التفرّق والفرق التي يتم بها دخول النار، وبالتالي فإن هذا التصوير يُعدّ تحذيرًا للمشركين والكافرين من النهاية المؤلمة التي تنتظرهم إن استمروا في إعراضهم عن الحق.

السياق الذي وردت فيه كلمة الزمر

وردت كلمة “الزمر” في الآية رقم 71 من سورة الزمر، حيث يقول الله تعالى:
“وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا…”.
ويكمل السياق في الآية نفسها: “… حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا؟…”.
هذه الآية وغيرها من الآيات التي تلتها في السورة تمثل التصوير القرآني لمشهد دخول الكافرين إلى النار في جماعات أو زمر، مما يعكس حقيقة بشعة عن واقع الذين يرفضون الإيمان بالآخرة.

دلالة التسمية في السورة

إذا عدنا إلى سبب تسمية السورة بـ”الزمر”، نلاحظ أن السورة بشكل عام تتعامل مع موضوعات التوحيد، وتأكيد الحقائق الكونية والإيمانية التي لا محيد عنها. بداية من أولى آيات السورة التي تفتتح بتأكيد عظمة الله سبحانه وتعالى، حيث يقول: “تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ”، ثم تأتي بعد ذلك الآيات التي تتحدث عن حقيقة أن لله وحده لا شريك له حق العبادة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يعبد غير الله أو يشرك به شيئًا.

كما تتحدث السورة عن بعض مواقف المكذبين والمشركين، وتحذّرهم من مغبة إصرارهم على العناد. وبالتالي، فإن استخدام كلمة “الزمر” يعكس صورة عظيمة في السياق القرآني؛ إذ يمثل ذلك الإنذار الحاسم للمشركين والكفار بأنهم سيدخلون جهنم جماعات متفرّقة في كل مرحلة من مراحل دخولهم، مع أن كل جماعة ستحاسب على أعمالها.

الأبعاد التربوية والمعنوية

تتعدى دلالة تسمية سورة الزمر بعدًا لغويًا أو تاريخيًا إلى أبعاد تربوية ومعنوية عميقة. فتذكر الزمر في هذا السياق يمكن أن يكون بمثابة تحفيز للمسلمين على العمل الصالح والابتعاد عن الكفر والشرك. فمن خلال تصويرها لهذا المنظر المهيب للمشركين والكفار في الآخرة، تقدم السورة درسًا للأمة الإسلامية على أهمية التوحيد والإيمان والعمل الصالح الذي يقي من هذا المصير السيء.

السورة أيضًا تتضمن دعوة إلى التأمل في مآل الأفراد والشعوب التي تسير في طريق الضلال والإعراض عن الدعوة الحق، وتدعو المسلمين إلى الثبات على الإيمان والعمل بما يرضي الله تعالى. فقد ورد في السورة الكثير من الآيات التي تشجع المؤمنين على التفكر في عواقب أعمالهم وأن يتذكروا أن كل إنسان سيحاسب على ما عمل.

مقارنة مع سائر السور

تعد سورة الزمر من السور التي تحتوي على العديد من المواقف التحذيرية. وهي لا تقتصر فقط على تحذير المكذبين والمشركين، بل تتوجه أيضًا للمؤمنين لتثبيت إيمانهم وزيادته، وتذكيرهم بأن النهاية التي يخافها الكافر هي في ذات الوقت تكون مصدر أمل للمؤمن، حيث يلقى الله تعالى جزاءه الأوفى في الآخرة، نتيجة إيمانه واستقامته. ومن هنا، يتضح أن استخدام لفظ “الزمر” كان مقصودًا ليعبّر عن انقسام الناس في الآخرة إلى فرق مختلفة، منهم من يدخل الجنة ومنهم من يدخل النار.

العبر المستخلصة من السورة

السورة تنبه المؤمنين إلى ضرورة التحلي بالعقيدة الصحيحة، كما تؤكد على مبدأ الحذر من التبعية والاتباع الأعمى للضلال. كما أن فيها دعوة لإصلاح النفس والتزود بالأعمال الصالحة التي تنجي الإنسان من العواقب الوخيمة في الآخرة. من خلال استعراضها لمناظر العقاب والمكافأة في الآخرة، تقدم السورة نموذجًا تربويًا للأمة في كيفية التقرب إلى الله واتباع شرعه.

تظهر الزمر في القرآن الكريم كرمزية لتنوع مصير البشر بناءً على أعمالهم. ففي الآخرة، يكون لكل جماعة مصير خاص بها، يدخل البعض الجنة وتدخل الزمر الأخرى النار، وكل هذا وفقًا لما قدموه من أعمال، سواء كانت صالحة أو غير ذلك.