أنمي Saint Seiya: أسطورة الفرسان المقدسين

يُعد أنمي Saint Seiya أحد الأعمال الكلاسيكية التي شكلت حجر الزاوية في تطور أنميات الشونين خلال الثمانينات، حيث تميز بمزجه بين الأساطير اليونانية والقتالات الملحمية والتجليات الروحية لقوة “الكون” التي تحرك الشخصيات. منذ عرضه الأول في عام 1986 وحتى نهايته في 1989، استطاع هذا العمل أن يحتل مكانة بارزة في ذاكرة جيل كامل من متابعي الأنمي، ويترك بصمة لا تُمحى على مستوى الكتابة البصرية والرمزية الفلسفية والدينية.

خلفية العمل: الأسطورة والإلهام

استمد المؤلف Masami Kurumada الإلهام الأساسي من الميثولوجيا الإغريقية، وخصوصًا في تصويره للإلهة أثينا ومجموعة الفرسان الذين يكرسون حياتهم لحمايتها، والذين يُعرفون بـ”السانتس”. لكن الجانب الفريد في Saint Seiya ليس مجرد الاستلهام الأسطوري، بل تقديم تلك الأساطير في قالب شونين عصري يمزج بين تطور الشخصية، وقيم الشرف، والإخلاص، والتضحية.

يبدأ العمل بتقديم مجموعة من المراهقين الذين تم اختيارهم لحمل دروع “الكلوث” التي تمثل الأبراج السماوية، ويتعين عليهم التدريب القاسي للوصول إلى درجة التحكم في طاقة “الكوزمو”، وهي جوهر روحي كامن في أعماق كل شخص. من خلال هذه الطاقة، يصبح باستطاعة الفرسان تحطيم الجبال وشق السماء.

البطل: سييا وتجسيد الإرادة

يمثل سييا النموذج الكلاسيكي لبطل الشونين: يتيم، مثابر، مشاكس لكنه صاحب قلب طيب لا يستسلم أبدًا أمام المصاعب. تدور الأحداث الأولى حول سعيه للحصول على درع بيغاسوس، بعد ست سنوات من التدريب في اليونان. وبعد انتصاره، يصبح أحد فرسان أثينا ويبدأ في خوض سلسلة من المعارك المصيرية.

تتميز شخصية سييا بعنصر جوهري متكرر في السلسلة: الإرادة الصلبة التي لا تنكسر، وهي ليست مجازًا بل قوة حقيقية تُفعل “الكوزمو” داخله. كما يظهر في مواقف عديدة وهو يتجاوز حدود المستحيل بواسطة إيمانه بعدالة قضيته وحماية أحبائه.

البنية الأسطورية: الأبراج والدروع

يتبنى Saint Seiya نظامًا بصريًا وروحيًا شديد التعقيد، يستند إلى 88 درعًا مقدسًا تمثل كوكبات السماء، وتتنوع بين دروع برونزية، فضية وذهبية. في البداية، يُقدم العمل 10 دروع برونزية فقط، لكن مع تقدم القصة يظهر الفرسان الذهبيون الذين يمثلون الأبراج الاثني عشر وهم أعلى رتبة وأقوى قدرة. كل درع مزود بقدرات فريدة تتناسب مع طابع الكوكبة التي يمثلها، ويحتاج مستخدمه لتوافق روحي معها.

تُستخدم هذه الدروع كرموز للقوة، لكنها ليست كل شيء. ما يمنح الفرسان القدرة الحقيقية على الانتصار هو مدى اتساع طاقتهم الداخلية “كوزمو”، وهي فلسفة تشير إلى أن القوة الحقيقية تأتي من داخل النفس وليس من السلاح.

المعارك الملحمية وتطور الأحداث

تنقسم القصة إلى عدة أقواس (Arcs)، كل منها يفتح بابًا على عالم جديد وصراع وجودي يتجاوز الخلافات الدنيوية. من أبرز هذه الأقواس:

1. بطولة الجلاكسيان

في هذه المرحلة، يتقاتل الفرسان البرونزيون للحصول على درع الذهب الأسطوري، وهي البداية الفعلية للصراع الذي يكشف عن مؤامرات خفية وعلاقات متشابكة بين الأبطال.

2. هجوم الفرسان الفضيين

بمجرد أن تبدأ أثينا (ساوري كيدو) بتجميع فريقها، تبدأ الكنيسة بإرسال فرسان فضيين لإسكاتها، مما يؤدي إلى انكشاف أن السلطة الدينية في سانكتشوري قد تم اختراقها من قِبل الشر.

3. قوس سانكتشوري (الأبراج الذهبية)

هذا هو قلب السلسلة، حيث يخوض الأبطال قتالًا أسطوريًا ضد الفرسان الذهبيين، كل منهم يحرس برجًا يمثل برجًا فلكيًا. عليهم عبور الأبراج الـ12 لإنقاذ أثينا من الموت الوشيك، وهي من أعظم مراحل تطور الشخصية والرسائل الفلسفية حول الزمن، المصير، والخلاص.

4. قوس بوسيدون

يتجه الأبطال نحو مواجهة الإله بوسيدون، الذي يحاول إغراق الأرض عقابًا على فساد البشر. هذه المرحلة تعيد تقييم العلاقة بين البشر والآلهة، وتحمل رسائل بيئية وفلسفية عميقة.

5. قوس هاديس

آخر أقواس الأنمي، وهو الأعنف والأكثر ظلمة، حيث يواجه الفرسان قوات الموت وملوك الجحيم، ويخوضون معارك ضد مصيرهم نفسه. تُبرز هذه المرحلة رمزية الموت والانبعاث، وتغوص في مفاهيم الخلود والتضحية من أجل العدالة.

الطابع البصري والموسيقي

أشرف على تصميم الشخصيات Shingo Araki وMichitaka Kikuchi، وهما من أبرز الأسماء التي رسمت معالم الرسوم المتحركة اليابانية في تلك الفترة. تميزت الرسومات بخطوط واضحة وتفاصيل دقيقة في تصميم الدروع والمشاهد القتالية.

أما الموسيقى التصويرية، فقد أبدع فيها الملحن Seiji Yokoyama، الذي مزج بين الأوركسترا الغربية والنغمات الإلكترونية والروح الملحمية، مما أعطى للأنمي طابعًا أسطوريًا فريدًا عزز من تأثير المشاهد.

رمزية Saint Seiya وأثره الثقافي

يرمز Saint Seiya إلى صراع الخير والشر، ليس كقوتين متضادتين فقط، بل كصراع داخلي في النفس البشرية. تُستخدم “الكوزمو” كأداة لإظهار أن الطاقة الروحية تنبع من العاطفة والتضحية والتفاني، لا من الكراهية أو الانتقام.

أما ثقافيًا، فقد انتشر الأنمي في دول عدة، خصوصًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية، حيث عُرف باسم Los Caballeros del Zodiaco وأحدث ثورة في المفهوم البصري لأنمي الشونين. ألهم أعمالًا لاحقة مثل Naruto وBleach في استخدامهم لمفاهيم القوى الداخلية، الطبقات القتالية، والرمزية الدينية.

الجدول التالي يوضح تصنيف الفرسان في Saint Seiya:

الأعمال المرافقة والتوسعات

بعد انتهاء السلسلة الأساسية، استمر إرث Saint Seiya عبر مشاريع متعددة:

• أوفات وأفلام: تم إصدار عدة أفلام مكملة، أبرزها Saint Seiya: The Hades Chapter وSaint Seiya: Heaven Chapter.

• مانغا مشتقة: مثل Saint Seiya: The Lost Canvas التي تسرد أحداثًا في زمن قديم، وتوسّع من خلفية الشخصيات.

• نسخ حديثة: تم إصدار نسخة معادة الإنتاج Saint Seiya: Omega، ونسخة ثلاثية الأبعاد من Netflix، رغم أن هذه الأخيرة لم تحظَ بنفس شعبية العمل الأصلي.

القيم الإنسانية في العمل

من أبرز ما يميز Saint Seiya هو كثافة الرسائل الإنسانية: قيمة الصداقة، التضحية من أجل الآخر، النضال من أجل العدالة حتى لو كانت النتيجة الهزيمة. يتعامل الأنمي مع مفاهيم الخلود والقدر والتقمص والكارما، دون أن يفقد لمسته الترفيهية.

كل معركة يخوضها سييا ورفاقه ليست فقط من أجل الانتصار، بل من أجل تأكيد حق الإنسان في المقاومة، حتى أمام القدر والآلهة.

الخاتمة

يُمثل Saint Seiya نموذجًا مثاليًا لأنمي الشونين الذي يجمع بين المغامرة والعمق الفلسفي والرمزية الأسطورية. ورغم مرور عقود على عرضه الأول، لا يزال يحتفظ بمكانة متقدمة في ذاكرة متابعي الأنمي حول العالم، كما لا تزال رسائله حول الإرادة والعدالة تُلهم أجيالًا جديدة من المبدعين والجماهير.

المراجع:

1. Masami Kurumada, Saint Seiya, Shueisha, 1986.

2. Yokoyama Seiji, “Saint Seiya OST Collection”, Nippon Columbia, 1986–1989.