سرطان الثدي يزداد وسط الشابات: دراسة شاملة وأسباب وطرق الوقاية

يعتبر سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعاً وتأثيراً على حياة النساء حول العالم، وقد كانت النساء في الفئات العمرية الأكبر هي الأكثر عرضة للإصابة به، إلا أن الدراسات الحديثة كشفت عن زيادة مقلقة في معدلات الإصابة بسرطان الثدي بين الشابات، أي النساء تحت سن الأربعين. هذا التحول في الاتجاه أثار اهتمام الباحثين والأطباء حول الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، وتأثيراتها الصحية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى أهمية تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية موجهة لهذه الفئة العمرية.

نظرة عامة على سرطان الثدي

سرطان الثدي هو نمو غير طبيعي لخلايا الثدي، التي تبدأ في الانقسام بشكل غير مسيطر عليه وتشكل أورامًا قد تكون حميدة أو خبيثة. في حالة الأورام الخبيثة، تنتشر الخلايا السرطانية من خلال الأنسجة المحيطة ويمكن أن تنتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم عبر الدم أو الجهاز اللمفاوي.

سرطان الثدي يصنف إلى أنواع متعددة اعتمادًا على خصائص الخلايا السرطانية والأنسجة المصابة، مثل سرطان الثدي الغدي (أكثر الأنواع شيوعًا)، وسرطان القنوات (Ductal carcinoma)، وسرطان الفصيصات (Lobular carcinoma). تختلف هذه الأنواع من حيث مدى العدوانية، سرعة النمو، والاستجابة للعلاج.

المعدلات العالمية والإقليمية للإصابة بسرطان الثدي عند الشابات

على مستوى العالم، تشير تقارير منظمة الصحة العالمية والوكالات الصحية المتخصصة إلى أن سرطان الثدي يمثل حوالي 25% من إجمالي حالات السرطان لدى النساء، ويأتي في مقدمة الأسباب المؤدية للوفاة بين النساء المصابات بالسرطان.

لكن ما يثير القلق في السنوات الأخيرة هو تزايد أعداد الإصابات بين الشابات، حيث أثبتت الدراسات أن نسبة الإصابات بسرطان الثدي لدى النساء دون سن الأربعين قد ارتفعت بشكل ملحوظ في العديد من الدول، بما في ذلك الدول العربية.

في بعض المناطق، وصلت نسب الإصابة بين الشابات إلى ما يقارب 10-15% من إجمالي حالات سرطان الثدي، وهو رقم يزداد تدريجيًا نتيجة عوامل متعددة بيئية، جينية، ونمط حياة.

العوامل المسببة لزيادة سرطان الثدي بين الشابات

1. العوامل الوراثية والجينية

تلعب العوامل الوراثية دورًا بارزًا في خطر الإصابة بسرطان الثدي، خاصة عند الشابات. وجود طفرات في جينات محددة مثل BRCA1 وBRCA2 يزيد بشكل كبير من احتمال الإصابة بسرطان الثدي في سن مبكرة. النساء اللاتي يحملن هذه الطفرات يكون لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تصل إلى 60-80% خلال حياتهن.

بالإضافة إلى الطفرات الوراثية، هناك عوامل جينية أخرى متعلقة بالتحولات في التعبير الجيني، أو تعديلات في الحمض النووي (DNA methylation) التي يمكن أن تسهم في حدوث السرطان مبكرًا.

2. العوامل البيئية والتعرض للسموم

التعرض المستمر لبعض المواد الكيميائية السامة، مثل المبيدات الحشرية، المواد البلاستيكية المحتوية على فينولات، وبعض المركبات الصناعية، مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. هذه المواد قد تؤثر على التوازن الهرموني، وخاصة الإستروجين، مما يحفز نمو الخلايا السرطانية في الثدي.

التلوث البيئي والتعرض للأشعة فوق البنفسجية أو الإشعاعات الأخرى أيضا من العوامل التي تؤثر على صحة الثدي.

3. التغيرات الهرمونية

التغيرات في مستويات الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والبروجستيرون تلعب دورًا هامًا في تطور سرطان الثدي. عند الشابات، قد يكون الاستخدام المبكر والمطول لمنشطات الهرمونات، مثل وسائل منع الحمل الهرمونية أو العلاجات الهرمونية الأخرى، مرتبطًا بزيادة الخطر.

كما أن السمنة المفرطة تؤدي إلى زيادة إنتاج الإستروجين في الجسم، مما يرفع من احتمالية الإصابة.

4. نمط الحياة والعادات الصحية

تساهم عدة عوامل مرتبطة بنمط الحياة في زيادة خطر سرطان الثدي لدى الشابات، منها:

• التدخين: المواد السامة في التبغ تسبب تغيرات جينية في خلايا الثدي.

• التغذية غير الصحية: الاعتماد على أطعمة عالية الدهون والسكريات وقليلة الألياف قد يزيد من خطر الإصابة.

• قلة النشاط البدني: يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة، والتي تعتبر من عوامل الخطر.

• تناول الكحول: يرفع من احتمال الإصابة بسرطان الثدي.

• التوتر النفسي المزمن: يؤثر على الجهاز المناعي وقد يساهم في نمو الخلايا السرطانية.

5. التأخر في الإنجاب والرضاعة

دراسات متعددة أظهرت أن النساء اللاتي يؤجلن الحمل الأول أو لا يرضعن أطفالهن طبيعياً لفترات كافية يزداد لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي. الحمل والرضاعة يساهمان في تقليل فترة تعرض خلايا الثدي لهرمون الإستروجين، وبالتالي يقللان من احتمال حدوث الطفرات السرطانية.

الأعراض والتشخيص المبكر

سرطان الثدي عند الشابات قد يظهر بأعراض مشابهة لتلك عند النساء الأكبر سنًا، لكن في كثير من الأحيان قد يكون أكثر عدوانية وسرعة في النمو. الأعراض التي قد تلاحظها الشابة تشمل:

• وجود كتلة أو تورم غير طبيعي في الثدي أو تحت الإبط.

• تغيرات في حجم أو شكل الثدي.

• تغير في لون الجلد أو مظهره (مثل التجاعيد أو التقرحات).

• إفرازات غير طبيعية من الحلمة.

• ألم مستمر في منطقة الثدي.

للتشخيص المبكر، تُستخدم عدة وسائل طبية منها:

• الفحص الذاتي المنتظم: لتوعية النساء بمراقبة أية تغيرات في الثدي.

• التصوير الشعاعي للثدي (الماموغرام): رغم أنه أقل استخداماً لدى الشابات بسبب كثافة النسيج الثديي، إلا أنه أداة مهمة للكشف المبكر.

• الموجات فوق الصوتية (السونار): تُستخدم بشكل واسع لدى النساء الشابات لفحص تكوين الثدي.

• الرنين المغناطيسي: يقدم صورة دقيقة ويُستخدم للحالات ذات الخطر المرتفع.

في بعض الحالات قد تُؤخذ خزعة من الأنسجة لفحصها مجهريًا لتأكيد التشخيص.

العلاج والتحديات الخاصة بالشابات

تختلف استراتيجية علاج سرطان الثدي باختلاف نوع ومرحلة المرض، لكنها عادة تشمل:

• الجراحة: لاستئصال الورم أو الثدي كاملاً.

• العلاج الكيميائي: يستخدم لتدمير الخلايا السرطانية أو تقليل حجم الورم.

• العلاج الإشعاعي: يُستخدم بعد الجراحة لتقليل احتمال عودة السرطان.

• العلاج الهرموني: لمنع تأثير الهرمونات على نمو السرطان.

• العلاج المستهدف: أدوية تستهدف جزيئات معينة في الخلايا السرطانية.

الشابات المصابات يواجهن تحديات خاصة، منها:

• التأثير النفسي الشديد بسبب صغر السن والخوف من فقدان الأنوثة أو الخصوبة.

• الحاجة للحفاظ على الخصوبة أثناء العلاج.

• مقاومة بعض أنواع السرطان للعلاجات التقليدية.

• التأثير على الحياة الاجتماعية، المهنية، والعائلية.

طرق الوقاية وتقليل خطر الإصابة

الوقاية من سرطان الثدي، وخاصة لدى الشابات، تركز على تعديل عوامل الخطر وتحسين نمط الحياة، مع ضرورة الالتزام بالفحوصات الدورية والكشف المبكر.

أهم الإجراءات الوقائية:

• اتباع نظام غذائي صحي: غني بالفواكه، الخضروات، الألياف، وقليل الدهون المشبعة.

• ممارسة النشاط البدني بانتظام: لا يقل عن 150 دقيقة من التمارين المعتدلة أسبوعيًا.

• الامتناع عن التدخين وتقليل تناول الكحول.

• الحفاظ على وزن صحي.

• الرضاعة الطبيعية: إذا أمكن، لفترات طويلة.

• الفحوصات الدورية: خصوصًا لدى النساء ذوات التاريخ العائلي أو الطفرات الجينية.

• التوعية والاهتمام بالعلامات المبكرة.

الخاتمة

تزايد معدلات سرطان الثدي بين الشابات يشكل تحديًا صحيًا يتطلب جهودًا مشتركة من الباحثين، الأطباء، وصانعي السياسات الصحية لتطوير برامج توعية فعالة، تشخيص مبكر دقيق، وعلاجات مخصصة تراعي الخصوصيات الجسدية والنفسية لهذه الفئة العمرية. كما يستوجب الأمر زيادة الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى لضمان تحسين جودة حياتهم ونتائج العلاج.

يبقى الاستثمار في البحث العلمي لفهم أسباب هذا الارتفاع، وابتكار وسائل تشخيص وعلاج أكثر دقة وأقل تأثيرًا سلبيًا، هو الطريق الأمثل لمواجهة هذا الخطر المتزايد.

المصادر:

1. World Health Organization (WHO) – Breast Cancer Fact Sheet.

2. American Cancer Society – Breast Cancer in Young Women.