لماذا يزيد وزن الجسم في الشتاء؟
يُعد زيادة الوزن في فصل الشتاء من الظواهر الشائعة التي يلاحظها الكثيرون، حيث يلاحظ البعض أن أجسامهم تميل إلى اكتساب الوزن مع حلول البرد، ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية التي تؤثر على سلوكيات الأفراد وعاداتهم الغذائية خلال هذه الفترة. ففي حين قد يكون من السهل تجاهل هذه الظاهرة أو القبول بها كجزء طبيعي من تغيرات الطقس، إلا أن فهم الأسباب الحقيقية وراء زيادة الوزن في الشتاء يمكن أن يساعد في اتخاذ التدابير الوقائية والسيطرة على هذه الظاهرة.
1. التغيرات الفسيولوجية والبيولوجية في الجسم
أحد الأسباب الرئيسية التي تساهم في زيادة الوزن خلال الشتاء تتعلق بالتغيرات الفسيولوجية التي تحدث في الجسم. في فصل الشتاء، تنخفض درجات الحرارة، ويستجيب الجسم لهذه التغيرات عن طريق زيادة استهلاك الطاقة لتوليد الحرارة والحفاظ على درجة حرارة الجسم الداخلية ثابتة. وبالتالي، يحتاج الجسم إلى مزيد من السعرات الحرارية لتدفئة نفسه، مما قد يؤدي إلى زيادة في تناول الطعام.
زيادة احتياجات الجسم للطاقة
عندما تنخفض درجات الحرارة، يحتاج الجسم إلى مزيد من الطاقة للبقاء دافئًا. في ظل هذا التغيير، يميل الجسم إلى زيادة مستويات الأيض لتعويض الفرق في الحرارة، ولكن قد لا يكون هذا كافيًا للوقاية من انخفاض درجة حرارة الجسم الداخلية. لذلك، من الطبيعي أن يشعر الشخص بمزيد من الجوع خلال هذا الموسم ويبحث عن الطعام لإمداد جسمه بالطاقة التي يحتاجها.
التغيرات في هرمونات الجسم
تتأثر الهرمونات أيضًا بتغيرات الطقس، حيث يؤدي الشتاء إلى زيادة مستويات هرمون الميلاتونين، وهو هرمون يُفرز في الدماغ ويُعرف أيضًا بهرمون “النوم”. يُعتقد أن زيادة مستويات الميلاتونين في الشتاء قد تجعل الناس يشعرون بالتعب والرغبة في النوم لفترات أطول، مما يؤدي إلى تقليل النشاط البدني وزيادة فرص تناول الطعام خلال فترات اليقظة.
2. التغيرات في النظام الغذائي والعادات الغذائية
عند حلول الشتاء، يميل الكثيرون إلى تغيير نوع الطعام الذي يتناولونه، حيث يفضلون الأطعمة الدافئة والغنية بالطاقة. تميل هذه الأطعمة إلى أن تكون عالية السعرات الحرارية مثل الحساء الدسم، اليخنات، المعجنات، والشوكولاتة الساخنة. كما أن تناول الوجبات الثقيلة في الطقس البارد يعتبر عادة مألوفة لأن الجسم يحتاج إلى دفء إضافي. لكن هذه الأطعمة، على الرغم من كونها لذيذة، تحمل معها الكثير من السعرات الحرارية التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن.
زيادة تناول الكربوهيدرات
أظهرت الدراسات أن الطقس البارد يمكن أن يسبب زيادة في الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات. حيث يعتقد البعض أن الأطعمة الكربوهيدراتية توفر دفئًا داخليًا، لذلك يتم تناول الخبز، المعكرونة، والحلويات أكثر من المعتاد. إضافة إلى ذلك، تؤدي زيادة استهلاك الكربوهيدرات إلى تحفيز إفراز هرمون السيروتونين الذي يعمل على تحسين المزاج ويمنح شعورًا بالراحة والدفء، مما يجعل الإنسان يميل إلى تناول المزيد من هذه الأطعمة.
الاحتفاظ بالمشروبات الدافئة
خلال الشتاء، يزداد شغف الأشخاص بالمشروبات الساخنة مثل القهوة، الشاي، والشكولاتة الساخنة. ولكن، قد تحتوي هذه المشروبات على كميات كبيرة من السكر والكريمة، ما يجعلها مصادر إضافية للسعرات الحرارية. تناول المشروبات الثقيلة مثل هذه طوال اليوم قد يساهم في زيادة الوزن دون أن يشعر الشخص بذلك.
3. قلة النشاط البدني في الشتاء
من المعروف أن النشاط البدني يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الوزن المثالي. في فصل الشتاء، ومع انخفاض درجات الحرارة، يتجه معظم الناس إلى تقليص أنشطتهم اليومية، بما في ذلك التمارين الرياضية والمشي في الهواء الطلق. تكون الأجواء الباردة والظلام المبكر عاملين مشجعين على البقاء داخل المنازل، ما يؤدي إلى تقليل الحركة والنشاط البدني.
قلة التعرض لأشعة الشمس
تؤثر قلة أشعة الشمس في الشتاء على الجسم بشكل كبير. حيث أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية يعزز من إنتاج فيتامين د، الذي يلعب دورًا هامًا في تنظيم مستوى الكالسيوم والفسفور في الجسم، بالإضافة إلى تأثيره على معدل الأيض. وعندما تقل كمية فيتامين د بسبب قلة التعرض لأشعة الشمس، قد يتسبب ذلك في تراجع النشاط البدني وزيادة تخزين الدهون في الجسم.
العزلة الاجتماعية والأنشطة الداخلية
عادة ما تزداد فترات العزلة الاجتماعية في فصل الشتاء، مما يعني أن الأشخاص يميلون إلى قضاء المزيد من الوقت في المنازل. ومع قضاء المزيد من الوقت داخل المنزل، قد يكون الطعام مصدرًا رئيسيًا للترفيه والتسلية. يُعتقد أن الشعور بالملل قد يؤدي إلى تناول الطعام بشكل غير منتظم أو حتى بشكل مفرط.
4. العوامل النفسية والسلوكية
هناك أيضًا دور مهم للعوامل النفسية في زيادة الوزن في الشتاء. ففصل الشتاء، بما يحمله من أيام طويلة ومظلمة، يمكن أن يؤثر على المزاج ويسبب ما يُعرف بـ اضطراب عاطفي موسمي (SAD)، وهو نوع من الاكتئاب الذي يحدث في المواسم الباردة. يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من الشعور بالتعب، التوتر، وحتى القلق، ما قد يدفعهم إلى تناول الطعام كمصدر من مصادر الراحة النفسية.
تناول الطعام كمصدر للراحة
عندما يكون الطقس باردًا وتزداد فترات الظلام، يصبح تناول الطعام أحد أساليب الراحة النفسية التي يلجأ إليها الأفراد لمواجهة المشاعر السلبية. وبالرغم من أن هذا قد يخفف من التوتر بشكل مؤقت، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن على المدى الطويل.
5. الأنماط البيئية والتكنولوجية
عند النظر إلى نمط الحياة العصري في الشتاء، نجد أن الانغماس في التكنولوجيا والأجهزة الحديثة له دور أيضًا في قلة النشاط البدني وزيادة تناول الطعام. فمع وجود الإنترنت، الألعاب الإلكترونية، والأفلام على مدار الساعة، يصبح من السهل الاستغناء عن النشاطات الخارجية أو الرياضية والتركيز على التسلية داخل المنزل. هذا النوع من النشاط غير النشط يسهم في تراكم الدهون في الجسم.
6. الوراثة والتاريخ العائلي
قد يكون للعوامل الوراثية دور في كيفية استجابة الجسم للأجواء الباردة. ففي بعض الحالات، قد يكون الأشخاص الذين ينحدرون من عائلات لديها تاريخ من السمنة أكثر عرضة لاكتساب الوزن في الشتاء. يُحتمل أن يكون هذا بسبب الطريقة التي يخزن بها الجسم الدهون أو يعالج الطعام والسعرات الحرارية في بيئات معينة.
7. التغييرات في مستويات النشاط الهرموني
تعد التغيرات في مستويات الهرمونات أيضًا من العوامل التي تساهم في زيادة الوزن في الشتاء. هناك هرمونات خاصة تنظم الشهية مثل اللبتين، الذي ينظم الشعور بالجوع، والغريلين، الذي يحفز الشهية. في الشتاء، قد تنخفض مستويات اللبتين أو تتأثر بنقص الضوء الطبيعي، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالجوع والرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسعرات الحرارية.
الخلاصة
يمكن القول أن زيادة الوزن في فصل الشتاء هي نتيجة لتضافر العديد من العوامل، بما في ذلك التغيرات الفسيولوجية في الجسم، الأنماط الغذائية، قلة النشاط البدني، التغيرات النفسية، والعوامل البيئية. إن زيادة الوزن خلال الشتاء ليست بالضرورة أمرًا لا مفر منه، بل يمكن التخفيف منها من خلال اتخاذ بعض التدابير الوقائية مثل الحفاظ على النشاط البدني، تقليل تناول الأطعمة عالية السعرات، ومحاولة الحفاظ على توازن هرموني ونفسي صحي.
