زيادة النعاس في النهار وزيادة عدد الغفوات لكبار السن

تُعد ظاهرة زيادة النعاس في النهار وتكرار الغفوات من المشكلات الصحية الشائعة التي يعاني منها كبار السن، وتؤثر بشكل مباشر على جودة حياتهم ونشاطهم اليومي. هذه الظاهرة لا تقتصر على مجرد شعور مؤقت بالنعاس، بل قد تكون مؤشرًا على تغيرات طبيعية تحدث مع التقدم في السن، أو قد تدل على وجود اضطرابات صحية أو نفسية تتطلب اهتمامًا وعلاجًا. يتناول هذا المقال بصورة موسعة أسباب زيادة النعاس النهاري عند كبار السن، تأثيراتها، الطرق التشخيصية، بالإضافة إلى استعراض الوسائل الفعالة للحد من هذه المشكلة واستعادة النشاط والحيوية.

التغيرات الطبيعية في النوم مع التقدم في العمر

مع التقدم في السن، تحدث عدة تغيرات في أنماط النوم تؤثر بشكل مباشر على نوعية النوم وكمية الراحة التي يحصل عليها الفرد. من أبرز هذه التغيرات:

• انخفاض إجمالي مدة النوم الليلي: حيث يميل كبار السن إلى النوم لفترات أقل مقارنةً بالأشخاص الأصغر سنًا.

• تغير في عمق النوم: يقل عدد دورات النوم العميق (النوم البطيء الموجات)، مما يجعل النوم أقل تجديدًا ويزيد من احتمالية الاستيقاظ المتكرر خلال الليل.

• تقديم موعد النوم والاستيقاظ: يظهر ميل نحو النوم والاستيقاظ في ساعات مبكرة من الليل والصباح.

• زيادة النعاس النهاري: بسبب قلة جودة النوم الليلي، يعاني كبار السن من شعور متزايد بالنعاس أثناء النهار، مما يؤدي إلى الغفوات المتكررة.

هذه التغيرات الطبيعية قد تفسر جزئياً زيادة الحاجة إلى النوم النهاري، لكن في كثير من الحالات تكون هناك أسباب إضافية أخرى تزيد من حدتها.

أسباب زيادة النعاس في النهار وكثرة الغفوات عند كبار السن

زيادة النعاس في النهار ليست مجرد ظاهرة طبيعية ناتجة عن تقدم العمر فقط، بل قد تكون مرتبطة بعدد من العوامل الطبية، النفسية والبيئية، أهمها:

1. اضطرابات النوم الشائعة في كبار السن

• الأرق المزمن (Insomnia): من أكثر اضطرابات النوم انتشارًا، يتميز بصعوبة في النوم أو الاستمرار فيه، ما يؤدي إلى قلة النوم الليلي وزيادة الحاجة للنوم أثناء النهار.

• توقف التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea): حالة تتميز بانقطاع التنفس لفترات قصيرة خلال النوم، مما يقطع النوم ويؤدي إلى الشعور بالإرهاق والنعاس المفرط في النهار.

• متلازمة تململ الساقين (Restless Legs Syndrome): شعور مزعج في الساقين يدفع الشخص للحركة، مما يعيق النوم ويزيد من التعب والنعاس النهاري.

• نقص حركة النوم السريع (REM Sleep Behavior Disorder): اضطراب يظهر أحيانًا مع تقدم العمر، يؤدي إلى نوم غير مريح ومتقطع.

2. الأمراض المزمنة والحالات الصحية

كبار السن غالبًا ما يعانون من أمراض مزمنة تؤثر على نوعية النوم وطول مدته مثل:

• الألم المزمن: أمراض مثل التهاب المفاصل، هشاشة العظام، والآلام العصبية تسبب اضطرابات نوم متكررة.

• الأمراض التنفسية: مثل الربو المزمن، مرض الانسداد الرئوي المزمن تؤدي إلى اضطرابات التنفس الليلي.

• أمراض القلب والشرايين: ضعف القلب يمكن أن يؤدي إلى وذمة رئوية واضطرابات تنفس تؤثر على النوم.

• الأمراض العصبية: مثل مرض باركنسون والزهايمر، التي تسبب تغيرات في أنماط النوم وزيادة النعاس النهاري.

• الاضطرابات النفسية: القلق، الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية تؤثر بشدة على النوم وتزيد من الحاجة للغفوات النهارية.

3. تأثير الأدوية

الأدوية التي يتناولها كبار السن لعلاج أمراضهم المزمنة قد تؤثر على النوم بطرق مختلفة، فبعضها يسبب النعاس المفرط أو يؤثر على دورة النوم:

• أدوية مهدئات الجهاز العصبي المركزي (مثل البنزوديازيبينات).

• أدوية ضغط الدم التي تؤثر على القلب والدورة الدموية.

• أدوية مضادة للاكتئاب.

• المسكنات الأفيونية.

4. العوامل البيئية ونمط الحياة

• قلة النشاط البدني: الخمول وقلة الحركة تقلل من استهلاك الطاقة، مما يسبب زيادة النعاس.

• البيئة المحيطة: الضوضاء، الإضاءة الساطعة أو غير المريحة في غرفة النوم تؤثر على جودة النوم.

• العادات الغذائية: تناول وجبات ثقيلة أو مشروبات تحتوي على الكافيين أو الكحول قبل النوم تؤثر سلبًا على النوم.

تأثير زيادة النعاس النهاري على كبار السن

زيادة النعاس وكثرة الغفوات أثناء النهار تؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الصحة النفسية والجسدية لكبار السن:

• انخفاض جودة الحياة: قلة النشاط والحيوية، الشعور بالتعب المستمر، وابتعاد عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية.

• خطر السقوط والحوادث: النعاس أثناء النهار يسبب ضعف الانتباه والتركيز، مما يزيد خطر التعثر والسقوط في المنزل أو أثناء التنقل.

• تدهور الحالة الصحية: النوم المفرط أو المتقطع مرتبط بزيادة مشاكل القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم.

• تأثيرات نفسية: القلق والاكتئاب قد يتفاقمان بسبب الشعور بالعجز وفقدان السيطرة على النشاط اليومي.

• تدهور الوظائف المعرفية: اضطرابات النوم تزيد من خطر تدهور الذاكرة والانتباه، وربما تسرع من ظهور أمراض مثل الخرف والزهايمر.

طرق تشخيص زيادة النعاس النهاري وكثرة الغفوات

تشخيص المشكلة يتطلب دراسة دقيقة وشاملة تأخذ في الاعتبار التاريخ الطبي، الفحص السريري، واستخدام أدوات تشخيصية متخصصة:

• تقييم النوم: استبيانات متخصصة مثل Epworth Sleepiness Scale لتقييم درجة النعاس.

• سجل النوم: تسجيل مفصل لساعات النوم، عدد الغفوات، وجود استيقاظ متكرر.

• الفحص السريري: لفحص الحالة الصحية العامة والكشف عن أمراض قد تؤثر على النوم.

• دراسات النوم (Polysomnography): دراسة النوم في مختبرات متخصصة للكشف عن اضطرابات مثل توقف التنفس أثناء النوم.

• اختبارات أخرى: تحاليل الدم لتقييم وظائف الغدة الدرقية، فقر الدم، ومستويات الفيتامينات والمعادن.

استراتيجيات علاجية للحد من زيادة النعاس النهاري

الهدف من العلاج هو تحسين نوعية النوم الليلي، تقليل النعاس أثناء النهار، واستعادة النشاط اليومي. يعتمد العلاج على معالجة الأسباب المؤدية، مع اتباع استراتيجيات تساعد في تحسين نمط الحياة:

1. تعديل نمط الحياة والعادات

• تنظيم مواعيد النوم: الذهاب للنوم والاستيقاظ في أوقات ثابتة يوميًا لتعزيز إيقاع النوم الطبيعي.

• النشاط البدني: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام (مثل المشي) لتعزيز اللياقة البدنية وجودة النوم.

• تجنب المنبهات: التقليل من تناول الكافيين والكحول، خاصة في فترة ما بعد الظهر والمساء.

• تهيئة بيئة النوم: غرفة هادئة، مظلمة، ودرجة حرارة مناسبة للنوم.

• التحكم في الغفوات: الحد من طول وعدد الغفوات أثناء النهار، بحيث لا تؤثر على النوم الليلي.

2. معالجة الأمراض والاضطرابات الطبية

• علاج الأمراض المزمنة بشكل فعال (مثل الألم، أمراض القلب، اضطرابات التنفس).

• ضبط أدوية المريض مع الطبيب لتقليل الآثار الجانبية المرتبطة بالنعاس.

• علاج اضطرابات النوم الخاصة، مثل توقف التنفس أثناء النوم باستخدام أجهزة ضغط الهواء الإيجابي.

3. العلاج النفسي والدعم الاجتماعي

• تقديم الدعم النفسي لعلاج القلق والاكتئاب.

• تشجيع المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والترفيهية لتقليل العزلة وتحسين المزاج.

4. العلاجات الدوائية بحذر

• استخدام الأدوية المنبهة للنعاس (مثل مودافينيل) في حالات محددة وتحت إشراف طبي.

• تجنب تناول المهدئات والمنومات إلا للضرورة وبجرعات دقيقة.

الجدول التالي يوضح أبرز أسباب زيادة النعاس النهاري عند كبار السن وتأثيرها:

خلاصة

زيادة النعاس النهاري وتكرار الغفوات عند كبار السن ليست ظاهرة عابرة، بل هي إشارة إلى تغيرات طبيعية أو مشاكل صحية تتطلب اهتمامًا شاملاً ومتعدد الأبعاد. فهم الأسباب، التشخيص الدقيق، واتباع الاستراتيجيات العلاجية الملائمة، تمكن من تحسين جودة النوم، تقليل النعاس أثناء النهار، والحفاظ على نمط حياة صحي ونشيط لكبار السن. الاستثمار في العناية بالنوم عند هذه الفئة العمرية يعزز من صحتهم الجسدية والنفسية، ويزيد من فرص الاستمتاع بحياة أكثر نشاطًا ورضا.

المصادر

1. National Institute on Aging – Sleep and Aging

2. Mayo Clinic – Daytime Sleepiness: Causes and Treatments