زيادة الكالسيوم عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، والآثار الصحية

الكالسيوم هو من المعادن الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، خاصة في مرحلة الطفولة حيث يلعب دورًا رئيسيًا في نمو العظام والأسنان، بالإضافة إلى وظائف متعددة في الجهاز العصبي والعضلي. يُعد الكالسيوم من أكثر المعادن وفرة في جسم الإنسان، حيث يُخزن بشكل رئيسي في العظام بنسبة تصل إلى 99%. ورغم أهمية هذا المعدن، فإن زيادته عن الحد الطبيعي عند الأطفال قد تؤدي إلى مشاكل صحية متعددة، تتطلب فهمًا دقيقًا للأسباب والأعراض وطرق التعامل معها. في هذا المقال سيتم تناول موضوع زيادة الكالسيوم عند الأطفال بشكل موسع، مع التركيز على الجوانب الطبية والبيولوجية، والتشخيص، والعلاج، وتأثيراته الصحية.

ماهية الكالسيوم ودوره في جسم الطفل

الكالسيوم هو معدن ضروري للحفاظ على العديد من وظائف الجسم الحيوية، منها:

• تقوية العظام والأسنان: يشكل الكالسيوم الجزء الأكبر من مكونات العظام، مما يجعلها قوية وقادرة على تحمل الضغط.

• النقل العصبي: يلعب دورًا في نقل الإشارات العصبية بين الخلايا العصبية.

• تقلص العضلات: يساعد في تنظيم تقلص العضلات، بما في ذلك عضلة القلب.

• تخثر الدم: يشارك في عملية تجلط الدم.

• وظائف الخلايا: يساهم في تنظيم بعض العمليات الخلوية، مثل إفراز الهرمونات والإنزيمات.

يتم امتصاص الكالسيوم في الأمعاء بمساعدة فيتامين د، الذي يسهل امتصاصه من الغذاء أو المكملات. عند الأطفال، يكون معدل الكالسيوم الموصى به متفاوتًا حسب العمر، حيث يحتاج الأطفال الصغار (1-3 سنوات) إلى حوالي 700 ملغ يوميًا، ويزيد الاحتياج تدريجياً مع تقدم العمر.

زيادة الكالسيوم عند الأطفال: التعريف والتشخيص

تعريف زيادة الكالسيوم (Hypercalcemia)

زيادة الكالسيوم تعني ارتفاع تركيز الكالسيوم في الدم فوق المعدل الطبيعي، والذي يتراوح عادة بين 8.5 إلى 10.5 ملغ/دل (2.1 إلى 2.6 مليمول/لتر). عند الأطفال، قد تختلف القيم قليلاً حسب العمر، ولكن بشكل عام يُعتبر ارتفاع الكالسيوم عندما تتجاوز مستوياته هذه القيم.

كيف يتم التشخيص؟

يتم تشخيص زيادة الكالسيوم عن طريق فحص الدم، حيث يُقاس مستوى الكالسيوم الكلي أو الكالسيوم المتأين (المتوفر بيولوجيًا). بالإضافة إلى ذلك، يمكن فحص مستويات الفوسفور، فيتامين د، وهرمونات الغدة الجار درقية (PTH)، والتي تلعب دورًا كبيرًا في تنظيم توازن الكالسيوم.

الأسباب الرئيسية لزيادة الكالسيوم عند الأطفال

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الكالسيوم في دم الأطفال، وتختلف حسب عمر الطفل والحالة الصحية. يمكن تصنيف هذه الأسباب إلى:

1. أسباب فسيولوجية أو مؤقتة

• تناول كميات زائدة من مكملات الكالسيوم أو فيتامين د: يعد هذا من أكثر الأسباب شيوعًا خاصة عند الأطفال الذين يتناولون مكملات غذائية أو أدوية تحتوي على الكالسيوم وفيتامين د بدون إشراف طبي.

• التغذية الزائدة بالكالسيوم: في بعض الحالات، قد يحصل الطفل على كميات كبيرة من الحليب أو المنتجات الغنية بالكالسيوم مما يؤدي إلى زيادة مستواه.

2. أسباب مرضية

• فرط نشاط الغدة الجار درقية (Hyperparathyroidism): حالة نادرة عند الأطفال، تسببها أورام أو اضطرابات في الغدة الجار درقية تؤدي إلى إفراز مفرط لهرمون PTH، مما يزيد من امتصاص الكالسيوم من العظام وارتفاع مستواه في الدم.

• أمراض العظام: بعض الأمراض التي تسبب تحلل العظام بشكل مفرط مثل ساركويدوز أو بعض أنواع السرطان قد تؤدي إلى زيادة الكالسيوم.

• الأمراض الكلوية: في بعض الحالات، قد تقل قدرة الكلى على التخلص من الكالسيوم، مما يؤدي إلى تراكمه في الدم.

• التسمم بفيتامين د: في حالات تناول جرعات عالية من فيتامين د لفترة طويلة، يحدث زيادة امتصاص الكالسيوم من الأمعاء.

• الأمراض الخلقية أو الوراثية: بعض المتلازمات النادرة مثل متلازمة ويليامز (Williams Syndrome) والتي تؤدي إلى فرط الكالسيوم.

الأعراض السريرية لزيادة الكالسيوم عند الأطفال

تختلف الأعراض بحسب مدى ارتفاع الكالسيوم وسرعة حدوثه، وتتنوع بين أعراض خفيفة إلى أعراض شديدة ومهددة للحياة. من بين الأعراض الشائعة:

• التعب والضعف العام: نتيجة تأثير ارتفاع الكالسيوم على الجهاز العصبي.

• فقدان الشهية والغثيان: مع احتمال حدوث قيء.

• الإمساك أو تغيرات في حركة الأمعاء: بسبب تأثير الكالسيوم على عضلات الجهاز الهضمي.

• كثرة التبول والعطش: نتيجة تأثير الكالسيوم على وظائف الكلى.

• آلام العظام والعضلات: بسبب تآكل العظام أو اضطراب التوازن المعدني.

• الصداع والارتباك: في الحالات الشديدة.

• زيادة ضغط الدم: بسبب تأثير الكالسيوم على الأوعية الدموية والقلب.

• الحصى الكلوية: نتيجة ترسب الكالسيوم في الكلى.

في بعض الحالات قد لا تظهر أعراض واضحة، ويتم اكتشاف الزيادة بالصدفة خلال فحوصات الدم الروتينية.

تأثيرات زيادة الكالسيوم على صحة الطفل

تأثيرات قصيرة المدى

زيادة الكالسيوم تؤثر على عدة أجهزة حيوية في جسم الطفل، منها الجهاز العصبي حيث تسبب تهيجًا أو اكتئابًا عصبيًا، والجهاز العضلي مما يؤدي إلى ضعف العضلات وتشنجات، بالإضافة إلى تأثيرها على الجهاز الهضمي من خلال الغثيان والإمساك.

تأثيرات طويلة المدى

إذا لم يتم علاج الحالة، قد يؤدي ارتفاع الكالسيوم المستمر إلى:

• تضرر الكلى: تراكم الكالسيوم يمكن أن يسبب ترسبات وحصى في الكلى، مما قد يؤدي إلى قصور كلوي.

• تأخر النمو: ارتفاع الكالسيوم قد يؤثر على نمو العظام بشكل سليم.

• مشاكل القلب: مثل اضطرابات نظم القلب أو ارتفاع ضغط الدم.

• تلف الأعصاب: بسبب الأثر المباشر على الجهاز العصبي المركزي.

طرق العلاج والتعامل مع زيادة الكالسيوم عند الأطفال

العلاج يعتمد بشكل كبير على السبب وشدة الحالة، ويهدف إلى خفض مستوى الكالسيوم في الدم ومنع المضاعفات.

العلاج التحفظي

• تقليل تناول الكالسيوم وفيتامين د: في حالة زيادة تناول هذه المكملات.

• زيادة شرب السوائل: للمساعدة في إخراج الكالسيوم الزائد عن طريق البول.

• تعديل النظام الغذائي: تقليل الأطعمة الغنية بالكالسيوم.

العلاج الدوائي

• الأدوية المدرة للبول (مثل الفوروسيميد): تساعد على زيادة إخراج الكالسيوم عن طريق الكلى.

• البايفوسفونات: تستخدم في حالات زيادة الكالسيوم المرتبطة بتحلل العظام.

• الكورتيكوستيرويدات: في بعض الحالات مثل الساركويدوز لتقليل امتصاص الكالسيوم.

• العلاج الهرموني: مثل العلاج الخاص بفرط نشاط الغدة الجار درقية إذا كان السبب ورميًا أو خلقيًا.

العلاج الجراحي

في حالات فرط نشاط الغدة الجار درقية بسبب ورم أو تضخم الغدة، قد يكون التدخل الجراحي ضروريًا لاستئصال الجزء المسبب.

الوقاية من زيادة الكالسيوم عند الأطفال

الوقاية تلعب دورًا هامًا في الحد من حدوث زيادة الكالسيوم، وتتضمن:

• متابعة الطبيب عند إعطاء مكملات الكالسيوم وفيتامين د: خاصة للأطفال الذين يتناولونها لفترات طويلة.

• توازن النظام الغذائي: تجنب الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم.

• الفحوصات الدورية: للأطفال الذين لديهم حالات مرضية مزمنة أو تاريخ عائلي لاضطرابات الكالسيوم.

الجدول التالي يوضح معدلات الكالسيوم الطبيعية حسب عمر الطفل

الخاتمة

زيادة الكالسيوم عند الأطفال حالة طبية تستدعي اهتمامًا دقيقًا نظراً لتأثيراتها المتعددة على الصحة العامة للطفل. معرفة الأسباب المحتملة والتمييز بينها يساعد في التشخيص السليم والعلاج الفعال. التعامل المبكر مع هذه الحالة يقلل من مخاطر المضاعفات الخطيرة، ويحافظ على نمو الطفل وتطوره الصحي. من الضروري متابعة مستويات الكالسيوم لدى الأطفال الذين يتلقون مكملات أو يعانون من أمراض مزمنة، لضمان التوازن المعدني المناسب الذي يدعم نموهم الطبيعي.

المصادر والمراجع

1. Greer FR, Sicherer SH, Burks AW. American Academy of Pediatrics: Calcium and Vitamin D in Children: Prevention and Treatment of Deficiencies. Pediatrics. 2019;143(1):e20190259.

2. Levine MA. Hypercalcemia in Children. In: Feingold KR, Anawalt B, Boyce A, et al., editors. Endotext [Internet]. South Dartmouth (MA): MDText.com, Inc.; 2021.