زوجة أبي جهل: دورها في تاريخ الإسلام

زوجة أبي جهل: بين العداء والنفوذ في صدر الإسلام

عند دراسة سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تبرز أمامنا شخصيات متعددة لعبت أدوارًا مؤثرة في مجريات الدعوة الإسلامية، سواء بالدعم والمناصرة أو بالعداء والمقاومة. ومن بين أبرز هؤلاء الذين وقفوا على جبهة العداء للإسلام في بداياته، كان أبو جهل، واسمه الحقيقي عمرو بن هشام المخزومي، زعيم من زعماء قريش وسيد من ساداتها. وبجانبه، وقفت زوجته التي لم تُسلَّط عليها الأضواء كما سُلطت عليه، رغم أن تأثيرها كان عميقًا في الاتجاه ذاته، حيث كانت من النساء اللاتي عرفن بشدة العداء للنبي ودعوته.

هذا المقال يتناول شخصية زوجة أبي جهل، ويغوص في أبعاد دورها الاجتماعي والسياسي والديني في حقبة حرجة من تاريخ الإسلام، مستعرضًا ما ورد عنها في المصادر الموثوقة من سيرة وتاريخ، ومحللاً ما يمكن استنتاجه من مواقفها وسلوكها، وتأثيرها على محيطها.

النسب والهوية

تُعرف زوجة أبي جهل في كتب السيرة باسم أم جميل بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان بن حرب، زعيم بني أمية وأحد أبرز قادة قريش في الجاهلية. وبذلك، فإنها كانت من بيت شريف في قريش، وكان نسبها ومكانتها الاجتماعية يمنحانها نفوذًا واسعًا في المجتمع المكي. جمعت في زواجها من أبي جهل بين سطوة بني مخزوم وبني أمية، مما جعل منها شخصية بارزة ضمن نساء قريش قبل الإسلام.

لقّبها القرآن الكريم بـ”حمالة الحطب” في سورة المسد، وهو لقب ذو دلالة رمزية تشير إلى ممارساتها العدائية المستمرة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيها الحثيث إلى إيذائه ومحاربته.

عداوتها للإسلام ودورها في محاربة الدعوة

منذ بدء بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أبدت أم جميل موقفًا عدائيًا شرسًا ضد الدعوة الجديدة. كانت من أوائل النساء اللاتي شاركن في التحريض على النبي، مستخدمة لسانها الحاد ومكانتها الرفيعة لنشر الأكاذيب والسخرية والدعاية السوداء ضد الإسلام والمسلمين.

تذكر كتب التفسير والسيرة، ومن أبرزها تفسير الطبري وابن كثير، أنها كانت تجوب شوارع مكة حاملة أعواد الشوك والحطب لتضعها في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليتعثر بها أو يتأذى. وقد فسر المفسرون هذا الفعل حرفيًا ومجازيًا، باعتبارها كانت تؤذي النبي بلسانها أيضًا، وتنقل الأخبار والأكاذيب لتشعل الفتن.

وقد جاءت الإشارة إليها صريحة في سورة المسد، والتي نزلت في حق زوجها أبو لهب وزوجته، فاختلط الأمر على بعض الناس، إذ يظن البعض أن زوجة أبي لهب هي نفسها زوجة أبي جهل. لكن الثابت من السيرة أن:

• زوجة أبي لهب هي: أروى بنت حرب.

• زوجة أبي جهل هي: أم جميل بنت حرب، وهي أخت أبي سفيان.

وبالتالي فهناك تشابه في الأنساب، فكلتاهما من بني أمية، وكنيتهما “أم جميل”، مما سبب التباسًا في بعض المصادر، إلا أن المختصين في علم النسب وكتب الرجال فصلوا هذا اللبس وأكدوا اختلاف الشخصيتين.

مكانتها الاجتماعية ودورها الإعلامي

بصفتها امرأة من بيت أموي عريق وزوجة لرجل من أعمدة قريش، كانت أم جميل تمتلك منصّة خطابية قوية. كانت من أوائل النساء اللاتي استخدمن الشعر والخطابة والتحريض كأدوات لمحاربة الإسلام، حيث كانت تجتمع مع نساء قريش وتتحدث ضد النبي والمسلمين، وتحرض الرجال على قتالهم وقطع رحمهم ومقاطعتهم.

كما أنها شاركت في الحصار الاقتصادي الظالم الذي فرضته قريش على بني هاشم في شعب أبي طالب، وكان لها دور محوري في تعزيز هذا القرار والضغط على القبائل للالتزام به، متجاوزة دورها كزوجة إلى كونها فاعلة سياسية ذات تأثير مباشر.

مقارنة بين زوجة أبي جهل وزوجة أبي لهب

في سياق دراسة سيرة نساء قريش المناوئات للإسلام، تظهر زوجتا أبي جهل وأبي لهب كرمزين للعداء والتكذيب. وكما أن القرآن قد خصص سورة كاملة هي سورة المسد لتوبيخ أبي لهب وزوجته، فإن سيرة أم جميل بنت حرب لا تقل خطورة وتأثيرًا في الواقع، رغم عدم ورود اسمها صراحة في القرآن.

ومن أبرز أوجه التشابه بينهما:

انعكاسات موقفها على تاريخ مكة

رغم عدم دخول زوجة أبي جهل في المعارك العسكرية المباشرة مثل بعض الرجال، إلا أن تأثيرها كان ملموسًا من خلال مواقفها التحريضية والتعبوية. فقد شكلت مع غيرها من نساء قريش جبهة ضغط قوية أثرت في قرار زعماء القبائل، وساهمت في خلق بيئة عدائية تجاه كل من يفكر باتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويمكن القول إن أم جميل كانت من العناصر النسائية التي عملت على ترسيخ مفهوم “العار القبلي” المرتبط بترك دين الآباء، فكانت تحرض نساء بني مخزوم وبني أمية على مقاومة التغيير، وتؤلب المجتمع النسائي ضد أمهات المؤمنين والمؤمنات الأوائل.

نهاية مسيرتها وسقوط رمزية العداء

لا تُذكر نهاية زوجة أبي جهل في كتب السيرة بشكل مفصل، ولم يُعرف إن كانت قد أسلمت لاحقًا مثل بعض أقاربها من بني أمية بعد الفتح، أو أنها بقيت على شركها وعدائها حتى الممات. ولكن من المؤكد أن ما كانت تمثله من عداء واضطهاد وانتماء إلى الجاهلية قد تهاوى أمام الرسالة الإلهية التي انتصرت في النهاية.

فمع هزيمة قريش في بدر، ومقتل زوجها أبي جهل، الذي وصفه النبي بـ”فرعون هذه الأمة”، بدأت تتهاوى الأسس التي كان عليها الجبروت المكي. وتحول الانتماء إلى الإسلام من خطر ووصمة إلى شرف ومقام، وتقدمت نساء الصحابة وارتفعت مكانتهن بينما انحسر نفوذ مثيلات أم جميل.

أثرها في الوعي الجمعي والديني

من الدلالات الكبرى التي خلفتها سيرة زوجة أبي جهل أنها كانت نموذجًا حيًا للمرأة التي تضع جاهليتها وتعصبها فوق القيم الدينية والإنسانية، وتمثل تحذيرًا من خطورة الكراهية والتعصب الأعمى.

وقد استفاد المفسرون والدعاة من هذه الشخصية لتوضيح مفاهيم كثيرة، مثل أن العداء للدين لا يقتصر على الرجال، وأن للنساء دورًا بالغ الخطورة في نشر الفتن أو في التثبيت على الحق، بحسب الموقف الذي يتخذنه.

الخلاصة

إن زوجة أبي جهل، أم جميل بنت حرب، شكلت أحد الوجوه البارزة للمعارضة النسائية للدعوة المحمدية في مكة. مستفيدة من مكانتها النسبية والاجتماعية، سخّرت إمكانياتها في نشر الفتنة والتحريض ضد النبي صلى الله عليه وسلم. وبرغم عدم شهرتها كمثل زوجها أو أبي لهب، إلا أن أثرها على المشهد القرشي كان عميقًا. تبقى سيرتها مثالًا حيًا على كيفية توظيف المرأة في صراعات العقيدة والنفوذ، وعلى أن التاريخ الإسلامي لا يغفل الأدوار النسائية، سواء في الدعم أو في العداء.

المراجع:

1. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف.

2. ابن كثير، البداية والنهاية، دار الفكر.