رواية “The Company: A Novel of the CIA” بقلم الكاتب الأمريكي روبرت ليتيل تعتبر من الأعمال الأدبية البارزة التي تتناول فترة الحرب الباردة بعمق وشمولية. يشتهر روبرت ليتيل بمهارته في نسج قصص تجسسية معقدة تدمج بين الخيال والواقع التاريخي، وهو ما يبرز بشكل واضح في هذا العمل، الذي يُعدّ من أهم رواياته وأعظمها تأثيرًا في أدب التجسس.
يُعرف ليتيل بتقديمه نظرة دقيقة وأحيانًا ساخرة إلى أحداث الحرب الباردة، وهو ما بدأه في روايته الأولى “The Defection of A.J. Lewinter”، التي أثارت إعجاب النقاد بفضل تفاصيلها الدقيقة وحبكتها المحكمة. وقد وُصف ليتيل بأنه “لو كاريه الأمريكي” في إشارة إلى الكاتب البريطاني الشهير جون لو كاريه، وهو ما يؤكد على مكانته المرموقة في أدب الجاسوسية.
في رواية “The Company”، يقوم ليتيل بتقديم سرد ملحمي يمتد لأكثر من أربعة عقود من تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ويشمل عدداً كبيراً من الشخصيات، سواء كانت حقيقية أو خيالية. من خلال هذه الشخصيات، يستعرض ليتيل الأحداث العالمية الكبرى التي شكلت مسار الحرب الباردة، مثل قاعدة برلين الشهيرة في الخمسينيات، وغزو الاتحاد السوفيتي للمجر، وأزمة خليج الخنازير، والحرب الأفغانية، وصولاً إلى الانقلاب على غورباتشوف. هذه المحطات التاريخية تشكل الخلفية الدرامية للرواية، وتُظهر الصراعات السياسية والاستخباراتية التي كانت تحدث وراء الكواليس.
إحدى أبرز الخطوط الدرامية في الرواية هي تلك التي تتعلق بصراع البحث عن “الجاسوس المزدوج” (المعروف باسم المول) داخل صفوف الـCIA. هذه العملية تُدار على خلفية تنافس حاد بين وكالات الاستخبارات العالمية مثل MI6 البريطانية وKGB السوفييتية والموساد الإسرائيلية، مما يضفي على الرواية تشويقاً كبيراً وأبعاداً إضافية تُبرز التعقيد الأخلاقي للعمل الاستخباراتي.
تُبرز الرواية كذلك النزاعات الداخلية داخل الـCIA نفسها، خصوصاً بين أفراد قسم مكافحة التجسس في واشنطن، بقيادة شخصية “جيمس أنجلتون” المهووس بالبحث عن الجواسيس، وبين رجال العمليات السرية في الميدان مثل “هارفي توريتّي” المعروف بلقب “الساحر”، والذي يمارس مهامه بأساليب غير تقليدية ولا تتردد في استخدام الحيل القذرة لتحقيق الأهداف. هذه النزاعات الداخلية تضيف عمقاً آخر للرواية، حيث لا تقتصر الصراعات على مواجهة العدو الخارجي فحسب، بل تمتد لتشمل صراعات بين زملاء السلاح أنفسهم.
تتتبع الرواية حياة “جاك ماك أوليف”، الذي يتم تجنيده مباشرة بعد تخرجه من جامعة ييل، ليبدأ رحلته في تعلم فنون التجسس واكتشاف الحقائق القاسية التي يتطلبها العمل في الميدان. من خلال تجربته، يُظهر ليتيل كيف يتشكل الجواسيس، وكيف تتداخل حياتهم الشخصية مع حياتهم المهنية في عالم يسوده الغموض والتضليل.
على الرغم من أن الرواية تمثل احتفاءً بجهود الحرب الباردة التي استمرت لعقود، إلا أنها لا تخلو من نظرة نقدية لتلك الحقبة. يتعامل ليتيل مع موضوعات مثل الغموض الأخلاقي، حيث يصبح التمييز بين الخير والشر أمراً غامضاً في عالم الاستخبارات. وبهذا، تقدم “The Company” نظرة متعددة الأبعاد إلى تلك الفترة، فتجمع بين الترفيه والتأمل في نفس الوقت، مما يجعلها عملاً أدبياً متميزاً يقدم “الكلمة الأخيرة” حول الحقيقة المؤلمة للحرب الباردة.
نُشرت هذه الرواية في أبريل 2002 بواسطة “The Overlook Press”، وقد لاقت استحسانًا واسعًا من قبل النقاد والجمهور على حد سواء. تعتبر “The Company” شهادة قوية على قدرة روبرت ليتيل في تحويل التاريخ إلى أدب حافل بالتشويق والمشاعر، ما يجعلها قراءة ضرورية لكل من يهتم بالتاريخ، الجاسوسية، والأدب المعاصر.