عنوان المقال: روائع ما قيل في اللغة العربية
مقدمة
اللغة العربية، تلك الجوهرة التي تنبض بالحياة، ليست مجرد وسيلة للتواصل أو وعاء للأفكار، بل هي حضارة ناطقة، وتاريخ عريق، وتراث إنساني لا يضاهيه تراث. إنها لغة القرآن الكريم، ووعاء الثقافة العربية والإسلامية، ولسان البيان والشعر والخطابة، ومصدر فخر لأكثر من 400 مليون إنسان يتحدثونها في أرجاء العالم. ليست اللغة العربية فقط واحدة من أقدم اللغات السامية الباقية، بل إنها من اللغات القليلة التي حافظت على بنيتها النحوية والصرفية وصوتياتها بشكل كبير عبر القرون.
في هذا المقال الموسّع، نسلّط الضوء على ما قيل في اللغة العربية من أقوال مأثورة وأدبية وعلمية، ونستعرض أهم ملامح عظمتها، ومكانتها في الحضارات المختلفة، وتأثيرها في علوم الدين، والفكر، والأدب، بالإضافة إلى شهادات المستشرقين والمفكرين حول العالم ممن أُعجبوا بسحرها وبلاغتها.
أولاً: اللغة العربية في أقوال العلماء والأدباء
اللغة العربية كانت ولا تزال محل إعجاب وتقدير عميق من قبل العلماء والأدباء على مر العصور، وقد امتلأت كتب التراث والتاريخ بشهادات تفيض إعجابًا ودهشةً من روعتها وثرائها:
ابن خلدون: “إنّ اللغة العربية أبلغ اللغات وأكثرها فصاحة وبيانًا، وهي لغة قائمة بذاتها، لها طاقة تعبيرية هائلة، وهي اللسان الذي لا يعجزه وصف المعاني الدقيقة.”
الجرجاني: “البلاغة ليست في الألفاظ، بل في مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وما من لغة أقدر على ذلك من العربية.”
طه حسين: “اللغة العربية لغة كاملة، تحمل تراثًا أدبيًا عظيمًا، وهي مرنة قابلة للتجديد دون أن تفقد أصالتها.”
الرافعي قال في إحدى روائع مقالاته: “اللغة العربية بدأت فجأة، كاملة، ولم تمر بمراحل تطور كاللغات الأخرى، وكأنها وُلدت وهي ناضجة.”
محمود درويش: “اللغة العربية بيتنا الأخير، وإذا تهدّم البيت، أين نسكن؟”
ثانيًا: خصائص اللغة العربية
من بين آلاف اللغات في العالم، تميزت اللغة العربية بعدد من الخصائص التي جعلتها فريدة:
1. الثراء المعجمي
تُعتبر اللغة العربية من أكثر اللغات ثراءً في عدد المفردات. يقدّر بعض الباحثين أن عدد مفرداتها يتجاوز 12 مليون كلمة، مقارنة بـ 600 ألف كلمة في اللغة الإنجليزية.
2. الاشتقاق
اللغة العربية تعتمد نظام الجذور، وهو نظام يجعل من كل جذر ثلاثي (غالباً) منبعًا لعشرات الكلمات ذات المعاني المرتبطة، مما يُعطيها قدرة هائلة على توليد المفردات دون اللجوء إلى اللغات الأجنبية.
3. البلاغة
تُعد البلاغة العربية، بما تحتويه من فنون البيان والبديع والمعاني، قمة في الجمال التعبيري والدقة في نقل المشاعر والأفكار، الأمر الذي جعلها لغةً مفضلة في الشعر والخطابة والدعوة.
4. الإعراب
النظام الإعرابي في العربية يُمكّن المتكلم من تغيير ترتيب الجمل دون التأثير على المعنى، مما يُتيح تنوع الأساليب وتعدد إمكانيات التعبير.
5. الإعجاز القرآني
اللغة العربية بلغت ذروتها في القرآن الكريم، حيث تجلّت قدرتها التعبيرية، وسحرها البلاغي، ودقتها في اختيار الألفاظ، حتى أُعجز العرب وهم سادة الفصاحة عن الإتيان بسورة مثله.
ثالثًا: اللغة العربية عبر العصور
1. الجاهلية
شهدت اللغة العربية عصرًا ذهبيًا قبل الإسلام فيما يُعرف بـ “العصر الجاهلي”، حيث ازدهرت الخطابة والشعر، وبرز شعراء كبار مثل امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد، ولبيد.
2. العصر الإسلامي
بعد نزول القرآن، أصبحت العربية لغة مقدسة، ومصدرًا أساسًا للعلوم الدينية من تفسير وحديث وفقه. وتوسعت رقعتها الجغرافية مع الفتوحات، وأصبحت لغة الدولة في الشام ومصر والعراق والمغرب والأندلس.
3. العصر العباسي
في هذا العصر، بلغت اللغة العربية ذروة تطورها العلمي والأدبي، فظهرت كتب النحو مثل “الكتاب” لسيبويه، وازدهرت الترجمة، وظهرت مؤلفات الجاحظ، والمتنبي، والبحتري، وأبو تمام.
4. عصر النهضة
شهدت اللغة العربية صحوة كبيرة في القرن التاسع عشر مع ظهور الصحف والمجلات والمدارس الحديثة، وأصبحت لغة العلم والثقافة في العديد من البلدان العربية.
رابعًا: مكانة اللغة العربية بين اللغات العالمية
اللغة العربية اليوم من اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، ومن اللغات الأكثر استخدامًا على الإنترنت، وهي لغة مقدسة لدى المسلمين في شتى أنحاء العالم.
وقد أجمع المستشرقون واللغويون على عظمتها:
إرنست رينان، المستشرق الفرنسي: “من المستحيل أن تجد لغة تضاهي العربية في ثرائها. لقد دخلت العربية إلى ذروتها فجأة، وكانت كاملة بكل معاني الكمال.”
وليم مارسيه، المستشرق الإنجليزي: “اللغة العربية أغنى لغات العالم، بل إنها تفوق كل ما عرفته أوروبا من لغات.”
خامسًا: دور اللغة العربية في الحفاظ على الهوية
اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي هوية جامعة، وتاريخ مشترك، ومرآة لثقافة الأمة. العربية حافظت على وحدة العرب رغم الحدود السياسية والتنوع العرقي. كما أنها شكلت عنصر مقاومة في وجه محاولات الطمس والهيمنة الثقافية.
من خلال اللغة، تم حفظ التراث الإسلامي والآداب والعلوم التي ازدهرت في العصور الإسلامية. كما شكلت جسرًا بين الأجيال لنقل القيم والأفكار والعادات.
سادسًا: اللغة العربية في العلوم والمعارف
خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، كانت اللغة العربية لغة الطب والفلك والكيمياء والرياضيات والفلسفة، وترجمت إليها كتب اليونان والهند، وأُبدع فيها فكر عظيم ساهم في نهضة أوروبا لاحقًا.
وقد كتب علماء مثل ابن سينا، وابن الهيثم، والخوارزمي، والفارابي، وابن رشد، وغيرهم، مؤلفات خالدة باللغة العربية، لا تزال تُدرّس وتُترجم إلى اليوم.
سابعًا: الشعر العربي ومدى تعبيره عن روعة اللغة
الشعر العربي هو المجال الأوسع الذي تجلت فيه روعة اللغة وبلاغتها. فهو ليس مجرد كلمات موزونة، بل عالم من الصور والمجازات والرموز والدلالات.
وقد عبّر الشعراء عن مدى إعجابهم بلغتهم:
المتنبي: “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم”
أبو تمام: “السيف أصدق أنباء من الكتب
في حدّه الحد بين الجد واللعب”
ثامنًا: تحديات اللغة العربية في العصر الحديث
رغم عظمتها، تواجه اللغة العربية اليوم تحديات عديدة منها:
-
التغريب: استخدام المصطلحات الأجنبية في وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة.
-
الازدواجية اللغوية: التفريق بين الفصحى والعامية في التعليم والإعلام.
-
الضعف في تدريس النحو والبلاغة.
-
انخفاض معدل القراءة باللغة العربية لدى الأجيال الجديدة.
جدول: مقارنة لغوية بين العربية وبعض اللغات العالمية
| المعيار | اللغة العربية | اللغة الإنجليزية | اللغة الفرنسية |
|---|---|---|---|
| عدد المفردات | +12 مليون | ~600 ألف | ~150 ألف |
| نظام الجذر | نعم | لا | لا |
| الإعراب | نعم | لا | جزئي |
| القدرة على الاشتقاق | عالية جدًا | محدودة | محدودة |
| لغة دين سماوي | نعم (الإسلام) | لا | لا |
| اللغة الرسمية في الأمم المتحدة | نعم | نعم | نعم |
خاتمة
اللغة العربية ليست لغة كباقي اللغات، بل هي روح الأمة العربية، ومصدر فخرها وعزها، وجسر وصلها بحضارتها العريقة. إنها لغة واسعة، غنية، دقيقة، تحمل بين طياتها ذاكرة الأمم، وعراقة الماضي، وآفاق المستقبل. وما قيل فيها من مديح وثناء عبر العصور ليس إلا غيضًا من فيض، إذ أن عظمتها لا يمكن حصرها بكلمات.
المراجع:
-
ابن خلدون، المقدمة.
-
إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة.
