رعاية الأطفال في الحروب

تمثل الحروب والنزاعات المسلحة واحدة من أكثر البيئات تدميرًا لنمو الأطفال الجسدي والنفسي والاجتماعي، حيث يفقد الطفل فيها مقومات الأمان الأساسية التي تعد ضرورية لنشأته السليمة. ويُعد الأطفال من أكثر الفئات تضررًا خلال فترات القصف والتهجير، فهم لا يملكون أدوات الدفاع عن النفس أو القدرة على استيعاب ما يحدث حولهم، الأمر الذي يتطلب نهجًا علميًا وإنسانيًا متكاملًا في كيفية التعامل معهم خلال هذه الأوضاع الطارئة. تهدف هذه الدراسة إلى توضيح الأساليب والتدخلات المناسبة لحماية الأطفال خلال الحروب، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، استنادًا إلى أحدث الدراسات والتوصيات من المنظمات الدولية مثل اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر الدولي.

الآثار النفسية والاجتماعية للحروب على الأطفال

تؤدي الحروب إلى سلسلة من الآثار النفسية والاجتماعية العميقة على الأطفال، ومن أبرز هذه الآثار:

• الصدمة النفسية (Trauma): غالبًا ما يعاني الأطفال من اضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة مشاهدتهم للقصف، والدمار، وموت الأقارب أو فقدان الأهل.

• القلق والاكتئاب: يشعر الطفل بانعدام الأمان، والخوف المستمر، وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل.

• مشاكل في النمو الإدراكي والسلوكي: قد تظهر أعراض مثل التبول اللاإرادي، أو العدوانية، أو الانعزال الاجتماعي.

• فقدان التعليم: النزوح والانقطاع عن المدرسة يؤثران بشكل كارثي على تطور الطفل المعرفي والاجتماعي.

• تشوه العلاقة الأسرية: تتغير ديناميكية الأسرة في ظل القصف، وقد يفقد الطفل أحد والديه، مما يزيد من الشعور بالضياع والعزلة.

المبادئ الأساسية في التعامل مع الأطفال أثناء الحروب

يتطلب التعامل مع الأطفال في أوقات الحرب فهمًا عميقًا لنفسيتهم، واحتياجاتهم الخاصة، والظروف المحيطة بهم. ويمكن تلخيص المبادئ الأساسية في ما يلي:

1. توفير الحماية الجسدية المباشرة:

   • تأمين مكان آمن لهم ضد القصف والانفجارات.

   • ضمان وجود بالغين مسؤولين وقادرين على توفير الرعاية الأساسية.

   • توفير الغذاء والماء والرعاية الصحية الأساسية.

2. الدعم النفسي الفوري:

   • إظهار الحب والاهتمام والاحتواء العاطفي من قبل مقدمي الرعاية.

   • التحدث مع الطفل بصدق وهدوء حول ما يحدث دون ترويع.

   • تجنب مشاهد الدماء أو الحوارات العنيفة أمامهم.

3. إعادة الروتين قدر الإمكان:

   • محاولة الحفاظ على روتين يومي بسيط كالنوم المنتظم، والغذاء، واللعب.

   • تنظيم أوقات لقراءة القصص، أو الرسم، أو الأنشطة اليدوية التي تُشعر الطفل بالثبات.

4. تفعيل الدعم الجماعي:

   • إنشاء مساحات صديقة للأطفال ضمن مراكز الإيواء.

   • تنظيم جلسات جماعية بإشراف اختصاصيين نفسيين واجتماعيين لتبادل المشاعر وتجارب الدعم المتبادل.

5. تعزيز الشعور بالأمان والثقة:

   • منح الأطفال فرصًا للتعبير عن مشاعرهم.

   • طمأنتهم باستمرار بأن هناك بالغين مسؤولين يحمونهم.

   • تعليمهم استراتيجيات بسيطة مثل التنفس العميق عند الشعور بالخوف.

التدخلات النفسية طويلة الأمد

لا تنتهي الآثار النفسية بانتهاء الحرب، بل تحتاج إلى تدخلات طويلة الأمد لإعادة تأهيل الطفل. ويمكن تقديم هذه الرعاية من خلال:

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد الطفل على فهم أفكاره السلبية وتغيير سلوكه.

• الرسم والعلاج بالفن: وسيلة فعالة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم دون الحاجة للكلام.

• العلاج باللعب (Play Therapy): يُستخدم بشكل واسع مع الأطفال الصغار لعلاج الصدمات.

• المشاركة المجتمعية: إشراك الطفل في الأنشطة الاجتماعية ضمن بيئة آمنة تعزز الثقة والانتماء.

دور الأسرة في دعم الطفل

تُعد الأسرة البيئة الأولى والأكثر تأثيرًا على الطفل، ووجودها بشكل متماسك له دور كبير في تعزيز تعافي الطفل. ومن الواجبات التي تقع على الأسرة:

• الاحتواء العاطفي: الاستماع للطفل دون إصدار أحكام أو توبيخ لمشاعره.

• الانضباط الإيجابي: التعامل مع السلوكيات غير المرغوبة بلطف وتوجيه إيجابي.

• الابتعاد عن العنف اللفظي أو الجسدي: مهما اشتدت الظروف.

• التحقق من صحة المعلومات التي تصل للطفل: وتوضيح الحقائق بطريقة تتناسب مع سنه.

دور المؤسسات الإنسانية والدولية

تلعب المنظمات الدولية دورًا حيويًا في حماية الأطفال خلال النزاعات، من خلال:

• إنشاء مساحات صديقة للأطفال (Child-Friendly Spaces): وهي أماكن مخصصة داخل المخيمات لتقديم الدعم النفسي والأنشطة الترفيهية والتعليمية.

• برامج الرعاية النفسية والاجتماعية: التي تشمل جلسات علاج فردية أو جماعية.

• تدريب العاملين في الطوارئ: على كيفية التعامل مع الأطفال وتفهم حاجاتهم النفسية.

• توفير التعليم الطارئ: من خلال مدارس متنقلة أو مراكز تعليم غير رسمي.

أهمية التعليم في أوقات الحرب

يُعد التعليم ركيزة أساسية لحماية الطفل من التجنيد القسري، والزواج المبكر، والاستغلال، ويعزز الشعور بالاستقرار. ومن هنا تنبع أهمية:

• إعادة فتح المدارس بأسرع وقت ممكن.

• إدخال محتوى داعم نفسيًا ضمن المناهج.

• توفير مواد تعليمية مرنة تتناسب مع أوضاع الحرب.

الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة في مناطق الحرب

تُضاعف الحروب من معاناة الأطفال من ذوي الإعاقات الجسدية أو الذهنية، إذ يصعب عليهم الفرار، أو التواصل، أو الحصول على المساعدات المناسبة. لذلك، من المهم:

• إعطاء الأولوية للوصول إليهم وتقديم الأدوات المساعدة.

• دمجهم في الأنشطة التعليمية والترفيهية.

• تدريب الأهالي ومقدمي الرعاية على كيفية التعامل مع إعاقاتهم أثناء الطوارئ.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين آثار الحروب على الأطفال وفق الفئة العمرية:

التجنيد القسري للأطفال

في كثير من النزاعات، يتم استغلال الأطفال كجنود، أو حمالين، أو جواسيس، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية. لمواجهة هذا الخطر، يجب:

• رصد ومتابعة حالات التجنيد.

• توفير برامج إعادة دمج الأطفال المجندين سابقًا.

• التعاون مع منظمات حقوق الإنسان للضغط من أجل وقف هذه الممارسات.

التوثيق القانوني وحماية الهوية

يفقد الكثير من الأطفال وثائقهم خلال الحروب، مما يعرّضهم للتهجير، أو الحرمان من التعليم، أو الرعاية الصحية. ولهذا، يجب على المؤسسات:

• توفير آليات لإصدار بدائل قانونية سريعة.

• تسجيل الأطفال المولودين في فترات النزاع.

• ضمان حماية بياناتهم من الاستغلال.

الاستجابة الطارئة للصدمة النفسية

يتطلب التدخل الطارئ عدة خطوات منهجية:

1. التعرف على الأعراض المبكرة للصدمة.

2. إزالة مسببات الخوف الفوري.

3. تقديم الإسعافات النفسية الأولية.

4. تحويل الحالات الشديدة إلى أخصائيين.

توصيات ختامية للمجتمع الدولي

• التأكيد على عدم استهداف البنية التحتية المدنية، خاصة المدارس والمراكز الصحية.

• دعم برامج تأهيل العاملين في الإغاثة النفسية.

• تمويل المشاريع الموجهة لرعاية الأطفال في مناطق النزاع.

• الضغط القانوني على أطراف النزاع لوقف الانتهاكات بحق الأطفال.

المراجع والمصادر

• منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) – UNICEF

• اللجنة الدولية للصليب الأحمر – ICRC

• منظمة الصحة العالمية – WHO

• تقرير “حالة الأطفال في العالم” – UNICEF Annual Report

• دليل الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال في الأزمات – Save the Children

• تقارير منظمة “أطباء بلا حدود”

هذا المقال يقدم معالجة متكاملة وعلمية لموضوع التعامل مع الأطفال خلال الحروب، ويشكل مرجعًا للمهتمين، والمربين، والعاملين في المجال الإنساني.