قصة قصيرة جدًا: رحلة إلى أعماق الذات
في زاوية نائية من المدينة، كان هناك شاب يُدعى فهد، شاب في مقتبل العمر، ذو طموحات كبيرة وأحلام لا تنتهي. منذ طفولته، كان يحمل في قلبه تساؤلات عديدة عن معنى الحياة، عن هدفه في هذا العالم الذي يبدو أنه لا ينتهي من التحولات والتقلبات. كان يعيش في أسرة متواضعة في إحدى الأحياء الشعبية، ولم يكن له سوى حلم واحد: أن يكتشف ذاته.
لكن الحياة في تلك الزمان كانت تسير بسرعة لا تترك للمرء فرصة للتأمل، فالجميع مشغولون باليوميات، يسابقون الزمن لكي يحققوا طموحاتهم الشخصية. فهد كان يعتقد أنه يجب أن يركض مع الجميع ليصل إلى أهدافه، فمضى في هذا السبيل دون أن يلتفت إلى الطريق. بين دراسة أكملها، ووعود قطعها لنفسه، كان يسابق أيامه محاولًا التفوق في كل شيء، لكنه بدأ يشعر في داخله بشيء غير مُرضٍ.
مرّت الأيام، وحياة فهد بدأت تزداد تعقيدًا، وكأنه كان يركض وراء سراب. في صباح أحد الأيام، بينما كان يمر بالقرب من مكتبة قديمة في زاوية المدينة، لفت نظره كتاب قديم كان يُعرض في الواجهة. تطلع إليه قليلاً، ثم قرر الدخول ليأخذ الكتاب. “أعماق الذات”، كان هذا هو العنوان.
على الرغم من أن فهد كان مترددًا في البداية، إلا أنه شعر بفضول غريب تجاه الكتاب، فقرر شراءه. ما إن فتح الكتاب حتى وجد نفسه في رحلة فكرية عميقة. كان الكتاب يتحدث عن كيفية اكتشاف الذات وتحديد الأهداف الحقيقية التي تلامس قلب الإنسان بدلاً من تلك التي تُفرض عليه من المجتمع أو من الناس. كان يشرح كيف يمكن للمرء أن يعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي من خلال التوازن بين الروح والجسد والعقل.
لقد عثر فهد في تلك الصفحات على الأجوبة التي كان يبحث عنها طوال حياته. أدرك أن حياته التي عاشها كانت مليئة بالجري وراء ما هو خارجي دون أن يهتم بما يدور في داخله. شعر أن كل الجهود التي بذلها كانت موجهة إلى الخارج، إلى الأشياء التي يفترض أن تكون مرئية أو ملموسة، بينما كان يتجاهل تلك المعاني العميقة التي تكمن في داخله.
خلال الأيام التالية، بدأ فهد في تطبيق ما قرأه. أخذ وقتًا للتوقف عن الجري وراء النجاح الزائف، وبدلاً من ذلك، بدأ في الاستماع إلى نفسه أكثر. تعلم أن يختار بعناية ما يدخل في حياته، وأن يقيم علاقاته بشكل أعمق. بدأ يخصص وقتًا للتأمل في طموحاته الحقيقية، فوجد أن النجاح ليس مجرد مقياس مادي أو اجتماعي، بل هو حالة من الرضا الداخلي.
ومع مرور الوقت، أصبح فهد شخصًا آخر. أصبح أكثر هدوءًا، وأكثر حكمة في اتخاذ قراراته. بدأ يقدّر اللحظات البسيطة التي كانت غائبة عنه في الماضي. لم يعد يهتم بما يعتقده الآخرون عن حياته أو مستقبله، بل بدأ يتبع مسارًا يرضيه هو، حيث وجد نفسه في توازن داخلي مع كل ما يحيط به.
وفي لحظة ما، عندما كان يتأمل في أحد المساءات الهادئة، أدرك أن رحلته لم تكن في الخارج كما كان يظن، بل كانت في أعماق ذاته. كان عليه أن يواجه أفكاره ومخاوفه وأحلامه لكي يصل إلى أعظم اكتشاف في حياته: نفسه.
وبهذه الطريقة، أصبح فهد نموذجًا حيًا للبحث عن الذات. لم يكن بحاجة إلى التنافس مع أحد، بل كان يركض فقط وراء هدف واحد: أن يكون هو، بكامل واقعه الداخلي والخارجي. وكلما ابتعد عن الضوضاء والضغوطات، كلما اقترب من نفسه أكثر.
