رثاء الأخ في العيد: وجع الغياب حين يحتفل الجميع
حين تحلّ الأعياد، تتوشّح الأرواح بزينة الفرح، وتعلو البسمات في الوجوه، وتصدح الضحكات في المجالس. لكنّ هناك من يختبر العيد على نحو مختلف تمامًا، لا يراه إلا ذكرى مؤلمة لوجه غاب، وصوت افتُقد، ومكان على مائدة الأسرة بقي خاليًا رغم ازدحام الكراسي. في طليعة هؤلاء أولئك الذين فقدوا إخوتهم، حيث يتحوّل العيد من مناسبة للسرور إلى طقس من طقوس الحزن والكتمان.
الأخ، ليس فقط قرابة دم، بل هو رفيق الطفولة، شريك الأسرار، الحائط الذي يُسند، والكتف الذي يُعتمد عليه. وحين يغيب الأخ، يغيب جزءٌ من الذات، فيتصدّع التوازن الداخلي للأخوة أو الأخوات الذين يظلّون بعده. ويزداد هذا الغياب وجعًا حين يأتي العيد، وتُفتح الأبواب للزيارات والتهاني، بينما تُغلق القلوب على خيبات لا تُقال.
العيد بلا أخ: حين يحتفل الناس ويصمت القلب
يُروى أن الحزن في العيد أشدّ وقعًا، لأنّ مظاهر الاحتفال تُكشَف فداحة الغياب. ففي زحام المعايدات والمصافحات، يتوق القلب لصوت الأخ يطرق باب البيت أو يتصل هاتفياً بكلمة “كل عام وأنت بخير”. لكن الهاتف يبقى صامتًا، والباب لا يُفتَح إلا على خيال الذكريات.
يتساءل الأخ أو الأخت المكلومان: كيف أستقبل العيد وهو ليس هنا؟ كيف أبتسم والجلسة تفتقد حضوره؟ كيف أُعدّ فطور العيد وذاك الصحن الذي كان يحبه بقي فارغًا؟ كيف ألبس الجديد وأنا أشعر أنني أرتدي وجعًا لا يُرى؟
من أقوال الرثاء في الأخ: لغة الوجدان وبلاغة الفقد
الرثاء ليس مجرد كلمات، بل هو صوت الروح حين تضيق بها الأحزان. وفي رثاء الأخ، تفيض القلوب بأعمق صور الشوق واللوعة. ومن أجمل ما قيل في رثاء الأخ في العيد وفي غير العيد:
“رحل أخي فغيّر العيد طعمه، صار العيد ذكرى صامتة، وموعداً للبكاء المكتوم.”
“أيها العيد، تمهّل، لا تطرق أبوابنا بهذه البهجة، فإنّ فينا من افتقد ضوء العيد برحيل الأخ.”
“أخي، كنتَ لي وطنًا. والآن كل البلاد غريبة، وكل الأعياد باهتة.”
“رحمك الله يا أخي، لا زال قلبي يُناديك مع كلّ تكبير، ويشتاقك مع كلّ تهنئة.”
“لم يكن أخي ميتاً، بل رحل إلى عالمٍ لا نراه، لكنه لا يزال يعيش فيّ، في ضحكتي الخافتة، في حنيني، في دمعي.”
المائدة التي تنقصها الكفوف الحانية
في صباح العيد، يتجمّع الأحبة حول المائدة، تتبادل الضحكات، وتُحكى القصص. لكن حين يغيب الأخ، تنقص المائدة نكهة الدفء، ويصبح الصمت أطول من الحوارات. تكون عينا الأم معلّقتين بباب البيت، لعلّه يعود كما في الأحلام. يكون الأب أكثر سكونًا، يخفي وجعه وراء الصحف أو الأخبار، بينما تكتظ قلوب الإخوة بالصمت والذكريات.
في كل زاوية من المنزل ذكرى، وفي كل تفصيل من العيد ألم. فهنا كان يجلس، وهناك كان يمازح، وعلى ذلك المقعد ترك ضحكته التي لا تزال عالقة في الجدران. يُصبح العيد مناسبة لإعادة سرد الروايات التي تشهد له بالمرح، بالنبل، بالكرم، بالحكمة، بالعقل الراجح، أو حتى بالعناد الجميل.
الألم المستتر وراء الضحكات
يمضي الكثيرون من الإخوة المفجوعين بأخٍ راحل عيدهم بابتسامة متعبة، يخفون خلفها مرارة الغياب. لا يريدون أن يُفسدوا فرحة الأبناء أو أحبابهم، فيحملون حزنهم بصمت، ويشاركون في الأحاديث والمناسبات وكأنّ شيئًا لم يكن. لكنّ الحقيقة أن الغصة لا تفارق الحلق، والدمع حبيس العينين.
الحزن على الأخ لا يزول، بل يتكيّف مع الوقت، يتسلل إلى زوايا القلب، ويُطلّ كلما عادت المناسبات. وكل عيد هو تذكير مؤلم بأنّ الحياة تمضي، وأن الغائب لا يعود، لكن حضوره الروحي لا يتلاشى.
العيد كجسر إلى الذكرى
قد يكون العيد فرصة للتصالح مع الحزن، ولتحويل الوجع إلى دعاء، والدمعة إلى صدقة، والذكرى إلى حافز للمحبة. كثيرون يجدون في هذا اليوم مساحة لتلاوة الفاتحة على روح الأخ الراحل، لزيارة قبره، أو لإعداد ما كان يُحب من طعام وتوزيعه عن روحه، أو حتى الحديث عنه لأطفال لم يعرفوه.
تُصبح طقوس العيد محاولات رمزية لاستحضار حضوره، لتأكيد أنه لا يزال حيًا في القلوب، وأن أثره باقٍ. فالعيد في جوهره ليس فقط اجتماع الناس، بل تذكّر من نحب، وتوسيع دائرة الحب لتشمل من رحلوا.
الكلمات لا تفي الغياب حقّه
الحديث عن رثاء الأخ لا يمكن أن يُلخّص في مقال أو جملة. لأن الفقد لا يُختصر، ولأن الأخ حين يرحل يترك مساحة فارغة لا يملؤها أحد. إنه الغائب الحاضر، الاسم الذي لا نكفّ عن ذكره، والظل الذي لا يفارقنا.
في العيد، لا بأس بالبكاء، ولا بأس بالاشتياق. فالبكاء ليس ضعفًا، بل هو وفاءٌ لروح عظيمة عاشت بيننا ورحلت. والاشتياق هو ترجمةٌ صادقة لحب لا يموت.
جدول: رمزية الغياب في العيد – مظاهر وصور
| الموقف | الدلالة الرمزية | الأثر العاطفي |
|---|---|---|
| المقعد الفارغ على مائدة العيد | انكسار في توازن الأسرة | شعور بالفقد والوحدة |
| غياب صوت الأخ عند التهاني | انطفاء جزء من البهجة | اشتياق ممزوج بالألم |
| ترديد التكبير دون وجوده | صوت الإيمان يُقابله صوت الغياب | بكاء صامت وحسرة داخليّة |
| تذكّر تفاصيله في ثياب العيد | الذكريات لا تفارق الأعياد | نبع متجدد من الحنين والحزن |
الرثاء كعزاء ووفاء
ليس في رثاء الأخ تخليد لمأساة، بل هو احتفاء بإنسانٍ كان له أثر عظيم في الحياة. فكلما ذكرناه، حيينا ذكرى الحب، وتعلّمنا الوفاء، واستلهمنا الصبر. ولا بأس أن نحزن، ولا بأس أن نحكي عنه، فالحديث عن الأحبة الراحلين هو ما يُبقيهم قريبين رغم البعد.
الموت يُغيّب الجسد، لكنه لا يطفئ النور الذي زرعوه فينا. والأخ الذي رحل، لا يزال أخًا في العيد، في الدعاء، في الذكرى، في القلب، في كل تفاصيل الحياة.
المراجع:
-
كتاب “الذكريات والحنين في الشعر العربي” – د. عبد المحسن طه بدر
-
مقالات منشورة في مجلة “الوعي الإسلامي” – وزارة الأوقاف الكويتية.
