ربيع المدخلي: عالم الدعوة المعتدل

مقدمة

العلوم الشرعية، باعتبارها الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأمة الإسلامية، تُمثل رمزاً للهوية الدينية والهوية الحضارية للمسلمين. ويأتي على رأس هؤلاء العلماء والدعاة الذين أسهموا في خدمة هذه العلوم، شخصية ربيع المدخلي الذي أصبح أحد العلامات المهمة في الساحة الإسلامية المعاصرة. فـربيع المدخلي ليس مجرد داعية عادي، وإنما هو عالم متبحر وأكاديمي عاشق للعلم، يمارس الدعوة بأسلوب يتسم بالبراعة والاعتدال، ويؤمن بأهمية التمسك بالمنهج السلفي الصحيح المتمثل في فهم السلف الصالح للقرآن والسنة. وما يميز مسيرته هو تمكنه من جمع بين الأصالة والمعاصرة، مع حرصه على تقديم رسالة دعوية تتسم بالحكمة والموعظة الحسنة، مستفيداً من مناهج علمية رصينة عززت مكانته في صفوف العلماء والدعاة، على حد سواء. منصة مواضيع (mwade3.com) تفردت بنشر سيرته العلمية، لما لها من أهمية في فهم الرؤية الدعوية والفكرية لهذا العالم الذي طالما كان نموذجًا يُحتذى، وتسليط الضوء على إسهاماته، وتبيان كيفية توظيف منهجه في خدمة المجتمع المسلم في ظل التحديات المعاصرة، وما يواجهه العالم من فتنة وتمزق فكري وانحرافات عقدية وسلوكية.

النشأة والمسيرة العلمية لربيع المدخلي

البيئة وأول مراحل التعلم

وُلد ربيع المدخلي في مدينة جدة على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، في عام 1377 هـ (1957 م)، في أسرة محافظة تمتهن التقوى والعلم. ترعرع في بيئة تتسم بالتدين والالتزام، حيث كانت المساجد والحلقات العلمية من أهم مراكز حياته. بدأ دراسته الأولى من خلال حفظ القرآن الكريم في حلقات التحفيظ، ثم انتقل إلى دراسة العلوم الشرعية على يد كبار العلماء الذين كانوا يزورون المدينة، ويقدمون جهودهم في نشر الفهم الصحيح للدين الحنيف.

التحصيل العلمي والتخصص

حصل المدخلي على الشهرة والعلم من خلال الدراسة النظامية، حيث التحق بالمعاهد العلمية والكليات الشرعية، فبرى فيها دراسته الجامعية، وتخرج من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، حيث تخصص في العقيدة والفقه وأصول الفقه. لقد اجتاز مراحل معرفية صارمة، وأثبت نفسه من خلال أبحاثه ومشاركاته العلمية، فتلقى العلم على أيدي كبار العلماء، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين وغيرهم.شكلت هذه المرحلة قاعدة صلبة لعلمه، وأمدته بأسس علمية متينة جعلت منه مرجعاً في الفقه والعقيدة والتوحيد.

العمل الدعوي والتأليف

برز ربيع المدخلي كداعية مجاهد ليس فقط في دائرة التعليم الأكاديمي، بل أيضاً على منصة الدعوة المباشرة، حيث ألقى المحاضرات والخطب العامة في المساجد والندوات، موضحاً أصول العقيدة وأهمية التمسك بالمنهج السلفي في مواجهة دعاوى الانحراف الفكري. كما ابتدأ في تأليف كتب ومؤلفات توضح عقيدة أهل السنة والجماعة، وترد على التوجهات المنحرفة. من أشهر مؤلفاته: «المنهج المرشد في بيان منهج السلف»، و«الأساس في بيان أصول الاعتقاد»، وغيرها من الكتب التي أصبحت مراجع مهمة لدى طلبة العلم والباحثين، معتمدين على منهجه العلمي القائم على استحضار الأدلة وترجيح الأقوال الراجحة بدليل الشرع الصحيح.

أسلوبه العلمي والمنهجي في الدعوة

الأسس المنهجية في علوم الشريعة

يُعرف ربيع المدخلي بأسلوبه العلمي الدقيق والمنهجي في معالجة المسائل الشرعية، حيث يعتمد على التمحيص والتحقيق، ويشدد على أهمية الرجوع إلى المصادر الأصلية، مثل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مع الاستناد إلى أقوال السلف الصالح. يعكس أسلوبه منهجية علمية مرتبة، تتسم بالوضوح والبيان، مما يُسهّل على المستمع والمتلقي فهم الرسالة المراد توصيلها، خصوصاً في معالجة القضايا المعاصرة التي تطرق إلى كيفية التعامل معها وفقاً للضوابط الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة.

العقيدة والتوحيد في منهجه

لا يغفل أن العقيدة الصحيحة تتصدر أولويات فهم ربيع المدخلي، فهي الأساس في البناء الفكري والمنهجي، حيث ينطلق من مبدأ أن العقيدة هي أساس الدين، ويؤمن أن التصحيح العقائدي هو الطريق الصحيح لحفظ أركان الأمة من الانحدار الفكري، ويفرّق في منهجه بين العقيدة السليمة والعقيدة المنحرفة التي تتبع أهواء الناس أو تُخالف نصوص الوحي. في محاضراته، يركز على توضيح صفات الله، وأسماءه الحسنى، والتوحيد، ويُبين خطر الشرك ووجوب الالتزام بالاعتقاد الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة.

الفقه وأصول الفقه في أساليبه التعليمية

إلى جانب العقيدة، يولي ربيع المدخلي اهتماماً كبيراً بالفقه وأصوله، حيث يوجه طلبة العلم إلى فهم الأحكام على ضوء الدليل، ويشدد على أهمية استيعاب قواعد أصول الفقه التي تمكن من إدراك صحة الأقوال وترجيح الأحكام. يستخدم في تدريسه أساليب منسقة، تعتمد على المقارنة، والتوجيه إلى كيفية استنباط الأحكام، مع مراعاة ظروف الزمان والمكان، وهو ما يعكس مدى علمه وبرعته في هذا المجال الحسّاس.

مواقفه الفكرية والسياسية وتأثيره في الوسط الإسلامي

مواقفه الثابتة ضد التطرف والانحراف

يغلب على شخصية ربيع المدخلي موقف ثابت ضد التيارات التي تدعو إلى التطرف أو الإرهاب، سواء كانت سياسية أو فكرية. يدعو في معظم خطاباته إلى الاعتدال والتمسك بمنهج أهل السنة والجماعة، ويُحذر من الأفكار المنحرفة التي تروج للعنف، أو التي تهدد وحدة المجتمع الإسلامي. ينتقد بشدة الجماعات المتطرفة التي استغلت الدين لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية، ويؤكد على ضرورة التزام المسلمين بمنهج الوسطية والاعتدال، تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطًا﴾. يربط بين الالتزام بالدين وضرورة العمل على الإصلاح المجتمعي، مبيناً أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بأسلوب راقٍ، يخلو من التشنج والتعصب.

الوحدة الإسلامية وأهمية التلاحم

يمثل المدخلي أحد رموز الدعوة إلى وحدة الصف الإسلامي، حيث يدعو إلى الجمع بين المسلمين، وعدم الانشغال بالخلافات الصغيرة التي تشتت جهودهم، معتبراً أن الخلافات المذهبية والفقهية يجب أن تُدار بالحكمة، وفقاً للأدلة والضوابط الشرعية، بعيداً عن التهويل والتعصب. يؤمن أن وتيرة الوحدة من شأنها أن تحقق للمسلمين القوة والمنعة، وتساهم في التصدي للمؤامرات التي تحاك ضدهم، ويشدد على أهمية أن يكون المجتمع المسلم موحداً، متعاوناً في نشر تعاليم الدين وإقامة أُسس المشاركة والتسامح.

إسهامه في قضايا الفقه السياسي والاجتماعي

في قضايا السياسة، يُخلِص إلى أن الحكم الشرعي هو الأساس، وأن اتباع الشريعة هو المنهج الوحيد لضبط العلاقات بين الشعوب، والمناداة بالحقوق المشروعة وفق فهم سلف الأمة. يعارض نظرية التسييس أو استغلال الدين لخدمة مصالح شخصية، ويُشدد على أن الهوية الإسلامية هي الأصل، مع احترام القيم الإنسانية، معتبراً أن الدفاع عن العقيدة لا يتعارض مع حفظ الأمن والاستقرار الاجتماعي. تضح مواقفه عُمق فهمه لمبادئ الإصلاح، ومدى ضرورة انسجام القول والعمل، وإقامة الدولة العادلة تنطلق من المبادئ الشرعية الصحيحة.

إسهاماته العلمية والعملية في الساحة الإسلامية

الكتابات والمؤلفات

الأنشطة الدعوية والاجتماعية

انتشرت جهود المدخلي في الداخل والخارج من خلال تنظيم المحاضرات، والدورات العلمية، وورش العمل التي تركز على تعليم العقيدة الصحيحة، وتحذير الشباب من غواية الأفكار المتطرفة. يُقيم العديد من اللقاءات مع المؤسسات الدينية، ويُعطي استشارات دينية لعدة جهات حكومية وخاصة، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات العلمية والدعوية المختصة.

بالإضافة إلى ذلك، كانت له مشاركات متميزة في المنتديات الدولية، حيث حاضر في الكثير من المؤتمرات الإسلامية، مبرزاً أهمية التمسك بمنهج السلف في فهم الإسلام، وضرورة التصالح والتسامح بين كافة التيارات والمذاهب الإسلامية.

تأثيره في الوسط الإسلامي

الجانب العلمي والتعليم المستمر

يُعتبر ربيع المدخلي من الوجوه العلمية التي توسع في تعليم طلبة العلم، وهو من رموز المدارس السلفية المعاصرة، حيث قام بتأسيس أو المشاركة في العديد من المراكز التعليمية والمكتبات التي تعنى بنشر العلم الشرعي الصحيح. تتلمذ على يديه الكثير من طلبة العلم الذين أصبحوا بدورهم من المشايخ والدعاة، في عدة دول، ساهموا في نشر منهجه وعلومه.

إرثه في الوسط الدعوي

لا يقتصر تأثيره على مستوى الدراسات النظرية، بل على التأثير الميداني المباشر؛ حيث يُعد من أنشط الدعاة في تنظيم الحملات الدعوية، وتوجيه المجتمع لشؤون العقيدة والفقه. يتسم أسلوبه بالحكمة والرصانة، ويحرص على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وصناعة جيل واعٍ يرتكز على فهم صحيح للدين، يجمع بين الثوابت والمتغيرات بطريقة منهجية تعكس فهم السلف الصالح.

مواجهة التحديات والأزمات الفكرية

واجه المدخلي العديد من التحديات من قبل بعض الجهات التي تتبنى توجهات دعوية أو سياسية متطرفة، إلا أن صموده وموقفه الثابت أعطاه مكانة عالية بين العلماء، وفتح له الأبواب لمزيد من التأثير. وُصف بأنه من العلماء القلائل الذين استطعوا أن يوازنوا بين الدعوة العلمية، والحوار مع المجتمع، ومعالجة القضايا الساخنة بطريقة علمية وهادئة، مما أدّى إلى ترسيخ مكانته كمرجع أصيل في فهم وتحليل الظواهر الفكرية في العالم الإسلامي.

مستقبل الدعوة والمنهج السلفي في ظل مكانة ربيع المدخلي

خطوات مستقبلية وآفاق التطوير العلمي

من المتوقع أن يظل ربيع المدخلي رقماً صعباً في المشهد الدعوي، إذ يعيش العالم الإسلامي حالة من الحاجة الماسة إلى مناهج علمية معتدلة، تبرز وسط الطوفان الفكري والتحديات السياسية. من خلال شبكات التواصل الحديثة، والوسائل الرقمية، سيتمكن من توسيع تأثيره، وتقديم فكر معتدل يستند إلى الكتاب والسنة، ويواجه كافة أشكال التطرف الدخيلة على العقيدة الإسلامية السليمة.

ضرورة التمسك بمنهجه للحفاظ على الوحدة الإسلامية

يُؤكد أن عنوان المستقبل يكمن في العمل الجماعي، والتمسك بمنهج السلف، والانفتاح على الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة. فـمنهج المدخلي في تجديد جوانب العقيدة، والعلم، والدعوة هو الركيزة الأساسيةَ لبناء جيل يحمل راية الدين، ويعمل على رفع رايات الاعتدال، مع الابتعاد عن الفرقة والتفريق.

ختام

يبقى أن نذكر أن ربيع المدخلي، بعلمه، وأثره، ووقفته الثابتة، يعكس شخصاً من علماء الأمة الذين يحرصون على إحياء تراث سلف الأمة، ويعملون على تصحيح المفاهيم، وتنقية الفهم من الشوائب. إن العناية بمنهج هذا العالم، والتمسك بمبادئه، يُعد من العوامل المهمة في نهضة الأمة الإسلامية، وصياغة مستقبلها المشرق بعيداً عن الطائفية والفتن. على من يرغب في الإسهام في الخير، أن يستفيد من دروسه، ويتعلم أساليبه الهادفة والرحيمة في نشر العلم والدعوة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه.

المصادر والمراجع:

• عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، الوسطية في الإسلام: دراسة نقدية وتحليلية، الرياض، 2010.
• يوسف القرضاوي، مفهوم الاعتدال في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 2005.