رؤساء الجزائر عبر التاريخ

رؤساء الجزائر عبر التاريخ

منذ استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي في عام 1962، شهدت البلاد سلسلة من التحولات السياسية الكبرى التي انعكست بوضوح على تركيبة النظام الحاكم، وشخصيات الرؤساء الذين تداولوا على قصر المرادية. ويُعد منصب رئيس الجمهورية في الجزائر أعلى منصب في الدولة، حيث يتمتع بصلاحيات واسعة وفقاً للدستور، تجعله المسؤول الأول عن رسم السياسات العامة للدولة وتوجيه مؤسساتها، خاصة في ظل تبني البلاد للنظام شبه الرئاسي. شهدت الجزائر منذ استقلالها حتى اليوم عدداً من الرؤساء الذين تراوحت فترات حكمهم بين الاستقرار السياسي والانقلابات، وبين الانتخابات الحرة والانتقال السلمي للسلطة والتغييرات القسرية في سياق أزمات سياسية وأمنية.

فيما يلي استعراض شامل وتفصيلي لجميع رؤساء الجزائر منذ الاستقلال وحتى اليوم، مع توضيح الظروف السياسية التي صاحبت فترة كل رئيس، وأهم الأحداث التي ميزت عهده.

أحمد بن بلة (1963–1965)

يُعد أحمد بن بلة أول رئيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بعد الاستقلال. وُلد عام 1916 في مغنية، غرب الجزائر، وكان من القادة البارزين في جبهة التحرير الوطني. تولّى رئاسة الحكومة المؤقتة سنة 1962، ثم أصبح أول رئيس منتخب في عام 1963. اعتمد بن بلة في حكمه على توجه اشتراكي مستوحى من التجربة الناصرية، وبدأ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في مجال التعليم وتأميم الأراضي الزراعية.

لكن حكمه لم يستمر طويلاً، فقد تم الإطاحة به في انقلاب عسكري قاده وزير الدفاع آنذاك هواري بومدين في عام 1965، ووُضع تحت الإقامة الجبرية لعدة سنوات.

هواري بومدين (1965–1978)

يُعتبر هواري بومدين أحد أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ الجزائر الحديث، وقد تولّى الحكم بعد انقلاب 1965 الذي أطاح بأحمد بن بلة. حكم البلاد لمدة 13 عاماً، وتميزت فترته بمحاولة بناء دولة قوية اقتصادياً وسياسياً، متبنية النهج الاشتراكي الموجّه. أطلق بومدين برامج ضخمة للتصنيع الثقيل، وأمم قطاع المحروقات سنة 1971، مما مكن الجزائر من تحقيق عائدات نفطية ضخمة.

كما دعم حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مما أعطى الجزائر مكانة بارزة في حركة عدم الانحياز. توفي بومدين فجأة في ديسمبر 1978، وهو في قمة السلطة، بعد صراع مع مرض نادر.

رابح بيطاط (1978–1979)

بعد وفاة هواري بومدين، تولّى رئيس المجلس الشعبي الوطني رابح بيطاط منصب رئيس الدولة بالنيابة لفترة انتقالية دامت حوالي 45 يوماً، في انتظار انعقاد مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني لاختيار رئيس جديد للجمهورية. لم يُسجّل خلال فترة حكمه المؤقتة تغييرات كبرى، حيث انحصر دوره في تسيير شؤون الدولة إلى حين انتخاب خلف لبومدين.

الشاذلي بن جديد (1979–1992)

تم انتخاب الشاذلي بن جديد رئيساً للجزائر سنة 1979، وكان شخصية عسكرية خدم تحت قيادة بومدين. حاول بن جديد تخفيف القبضة الاشتراكية عن الاقتصاد وفتح المجال أمام بعض الإصلاحات الليبرالية، كما قام بخفض حدة تدخل الدولة في الاقتصاد من خلال سياسة تُعرف بالتقويم الهيكلي.

شهدت فترة حكمه بداية التعددية السياسية في عام 1989 بعد أحداث أكتوبر 1988 التي أسفرت عن مقتل المئات من المتظاهرين المطالبين بالإصلاح. لكنه استقال من منصبه في يناير 1992 تحت ضغط المؤسسة العسكرية بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانية، مما أدخل البلاد في أزمة أمنية دامت لعقد كامل عُرفت بالعشرية السوداء.

محمد بوضياف (1992)

في محاولة لاحتواء الأزمة بعد استقالة الشاذلي، دعت المؤسسة العسكرية محمد بوضياف، أحد القادة التاريخيين للثورة، للعودة من منفاه في المغرب وتولّي منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، وهي هيئة جماعية تولّت صلاحيات الرئيس مؤقتاً. لكن فترة بوضياف لم تستمر سوى ستة أشهر، حيث تم اغتياله في 29 يونيو 1992 في مدينة عنابة أثناء إلقائه خطاباً مباشراً، في حادثة صدمت الرأي العام وعمّقت الأزمة السياسية.

علي كافي (1992–1994)

خلف محمد بوضياف في رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وقاد البلاد في واحدة من أصعب فتراتها، في خضم تصاعد العنف المسلح بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة. لم تُعرف فترته بإجراءات سياسية جذرية، بل ركّزت بشكل كبير على الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة ومواجهة الأزمة الأمنية.

اليمين زروال (1994–1999)

تم تعيينه في البداية رئيساً للدولة في 1994، ثم انتُخب رسمياً في انتخابات 1995، ليكون أول رئيس جزائري يُنتخب في انتخابات متعددة الأطراف. عُرف زروال بدوره في التفاوض مع بعض الفصائل الإسلامية في محاولة لإيجاد حل سلمي للصراع المسلح، كما أسس لجنة وطنية للحوار والمصالحة. رغم ذلك، قرر عدم الترشح لولاية جديدة، واستقال في 1999 قبل نهاية ولايته.

عبد العزيز بوتفليقة (1999–2019)

يُعد عبد العزيز بوتفليقة أطول من تولّى رئاسة الجزائر منذ الاستقلال، حيث حكم البلاد لمدة عشرين عاماً. عاد إلى الساحة السياسية بدعم من الجيش، وتم انتخابه في 1999 بعد انسحاب جميع منافسيه من الانتخابات. أطلق برنامج “الوئام المدني” الذي ساهم في تقليص العنف المسلح وإنهاء العشرية السوداء. كما أعاد فتح البلاد اقتصادياً من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة.

تمت إعادة انتخابه في 2004، ثم 2009 بعد تعديل دستوري ألغى تحديد عدد الولايات، ثم 2014 رغم مرضه الشديد. لكن احتجاجات شعبية واسعة اندلعت سنة 2019 ضد ترشحه لولاية خامسة، وأجبرته على الاستقالة في أبريل 2019.

عبد القادر بن صالح (2019)

تولّى عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، منصب الرئيس المؤقت عقب استقالة بوتفليقة، عملاً بالدستور. دامت ولايته المؤقتة حتى ديسمبر 2019، وأشرف خلالها على تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، وسط احتجاجات متواصلة للحراك الشعبي المطالب بتغيير النظام برمته.

عبد المجيد تبون (2019–حتى اليوم)

تم انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للجمهورية في ديسمبر 2019 بعد حصوله على أغلبية الأصوات في انتخابات قاطعتها فئات واسعة من الشعب. واجهت ولايته تحديات كبيرة أبرزها استمرار الحراك الشعبي، إضافة إلى أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة كوفيد-19. أطلق تبون إصلاحات دستورية وعد بإدخالها حيز التنفيذ، وأجرى تعديلات حكومية متكررة بهدف تجديد دماء النظام السياسي.

شهدت فترته أيضاً تعزيز العلاقات الخارجية للجزائر، خاصة مع دول الساحل، وطرح رؤية جديدة لتعزيز دور الجزائر في محيطها الإقليمي. كما أجرى تعديلات على الدستور في استفتاء نوفمبر 2020، إلا أن نسبة المشاركة كانت ضعيفة، ما اعتبره مراقبون مؤشراً على انعدام الثقة بين السلطة والمواطن.

جدول يوضح تعاقب رؤساء الجزائر

شهدت الجزائر منذ الاستقلال انتقالات سياسية معقدة، تعكس مدى تأثر الحكم بالتغيرات الداخلية والخارجية، وكذلك بدور المؤسسة العسكرية في تحديد معالم النظام السياسي. وعلى الرغم من تبني النظام التعددي في فترات معينة، إلا أن البلاد لا تزال تسعى إلى تحقيق توازن مستقر بين السلطة والمجتمع المدني.

المصادر:

• أرشيف الرئاسة الجزائرية

• تقارير مركز الدراسات المغاربية (CEMA)